كشف تجار ومستوردون عراقيون، عن مضاعفة إيران صادراتها إلى العراق بالتزامن مع تخفيض كبير في أسعار المنتجات الغذائية والكهربائية والإنشائية، شريطة ارتباط الخصومات بشراء العراقيين السلع المطروحة بالدولار الأميركي، مشيرين إلى أن إغراق السوق بالسلع الإيرانية جاء على حساب البضائع التركية والصينية والأردنية.
ويعتمد السوق العراقي منذ الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003 على دول الجوار بشكل شبه كامل في تأمين مواده الغذائية والإنشائية ومختلف البضائع الأخرى بعد انهيار قطاعات الزراعة والصناعة، حيث توقف أكثر من 12 ألف معمل ومصنع وخرجت ما لا يقل عن 7 ملايين هكتار زراعي عن الإنتاج (الهكتار يعادل 10 آلاف متر مربع).
وأبرز هذه الدول هي إيران وتركيا والأردن وخارجيا الصين ودخلت متأخرة البضائع السعودية، لكنها ما زالت غير منظورة في السوق العراقية مقارنة ببضائع الدول الأخرى.
يأتي تكثيف إيران من صادراتها للعراق، متزامنا مع إعلان السفير العراقي في إيران راجح الموسوي، يوم الإثنين الماضي، عن قرب افتتاح أربعة معابر حدودية جديدة بين البلدين، مضيفا أن "العراق لن يسمح أبدا لأي دولة للقيام بإجراء ما ضد جيرانه"، في إشارة إلى العقوبات الأميركية على طهران والحديث عن إمكانية إنهاء عمل شركات وبنوك إيرانية داخل بغداد.
وقال موسوي إن تطوير المناطق التجارية والاقتصادية الحرة وافتتاح معارض دائمة للمنتجات الإيرانية في العراق وربط خطوط سكك الحديد بين البلدين وتطوير المرافئ الحدودية، تلعب دوراً مهما في تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين.
في هذه الأثناء، ذكر مسؤولون في غرفة تجارة بغداد لـ"العربي الجديد"، أن زيادة تدفق البضائع الإيرانية خلال الأسبوعين الماضيين ملحوظة وتتم من خلال وكلاء وفروع شركاتها في العراق وهناك ما يمكن اعتباره إغراق للسوق.
وقال عادل عليوي، عضو غرفة تجارة بغداد في تصريح خاص، إن" الإيرانيين يبحثون عن الدولار والتاجر الذي يدفع بالدولار يعطونه تخفيضا كبيرا على البضائع يصل إلى 15% و20%، وهذا سبب الحديث عن انخفاض أسعار البضائع الإيرانية".
وأضاف: "نتحدث عن 200 بضاعة إيرانية غذائية ومنزلية وكهربائية وإنشائية وحتى السيارات، وهناك مسؤولون وسياسيون يقفون مع إيران في تسهيل وصول بضائعها للسوق العراقية".
وأشار إلى أن سعر الطن الواحد من الإسمنت بلغ حتى مساء الإثنين الماضي 117 ألف دينار عراقي نحو (98 دولارا) بالوقت الذي كان سعره قبل ذلك بأيام يصل إلى حوالي 147 ألف دينار (123.2 دولارا)، كما أن سعر مبرد الهواء الألمنيوم (المكيف الصحراوي) بلغت 150 ألف دينار، بعدما كان بنحو 200 ألف دينار، وسعر الطن الواحد من حديد التسليح بات أقل من 500 دولار.
وقال محمد الربيعي، أحد تجار الجملة في بغداد لـ"العربي الجديد"، إن "المعادلة اليوم كالتالي، إن كنت تشتري بالدولار فإنك ستحصل على أسعار أقل بكثير مما لو ستدفع بالدينار أو الريال الإيراني".
وأضاف: "لهذا السبب البضائع الإيرانية تراجع سعرها بشكل ملحوظ بالسوق والتاجر العراقي لا مشكلة لديه الآن في الحصول على الدولار، فمزاد العملة يضخ يومياً كميات كبيرة منه بالسوق للحفاظ على سعر صرف الدينار العراقي".
وتابع :"للأسف هذا استنزاف للعملة الصعبة وسحب لها من العراق تحت هذا العنوان من إيران، التي لا أظنها تتصرف بعشوائية في هذا الأمر، بل بخطة محكمة استباقا لأي عقوبات قاسية متوقعة عليها".
وقال التاجر العراقي: "نتحدث الآن عن أكثر من 50% من البضائع في السوق إيرانية، وهذا ارتفاع كبير وهناك جهات مسلحة وأحزاب تدعم البضاعة الإيرانية على حساب بضائع الدول الأخرى مثل الصينية والتركية والأردنية والمصرية والسعودية والدول الأخرى التي يتعامل معها العراق".
وتستعد إيران لاستقبال العقوبات الأميركية المتوقع تطبيقها في حزمتين، الأولى ستبدأ في أغسطس/آب المقبل والثانية في نوفمبر/تشرين الثاني، والتي ستكون الأشد والأقوى، إذ تستهدف قطاعها النفطي، وتحاول البلاد خلال هذه المرحلة الاستعداد للأسوأ ووضع عدد من السيناريوهات على الطاولة لمواجهة الحظر.
وكان النائب الأول للرئيس الإيراني إسحاق جهانغيري، قد أعلن منتصف الأسبوع أن لدى الحكومة خطة دقيقة للتعامل مع الحظر. وذكر أن المقايضة واحدة من السيناريوهات المحتملة، التي تهدف للحصول على السلع التي يحتاجها المواطنون الإيرانيون مقابل صفقات النفط.
وتجتاح السوق الإيرانية موجة غلاء قبيل تفعيل العقوبات الأميركية، ويتزامن ذلك مع استمرار تدهور سعر صرف الريال أو التومان الإيراني مقابل الدولار الأميركي، رغم إجراءات الحكومة التي حاولت تثبيت سعر الصرف، فقد حدد البنك المركزي سابقاً سعر 4200 تومان أي ما يعادل 42 ألف ريال.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قد أعلن في الثامن من مايو/أيار الماضي، انسحاب بلاده من الاتفاق النووي المبرم مع إيران عام 2015، وقرر إعادة فرض العقوبات على طهران.
ووفق ضياء الطائي، المراقب الجمركي في منفذ الشلامجة الحدودي العراقي مع إيران، فإن حركة تدفق البضائع للعراق زادت بشكل ملحوظ عبر المنفذ، وعادة ما تكون بضائع قابلة للتخزين مثل المواد الإنشائية والكهربائية والمنزلية والسجاد والسيارات.
وقال الطائي لـ"العربي الجديد": "إنهم يستبدلونها بالدولار"، موضحاً أن "مستويات الواردات الإيرانية إلى السوق العراقية باتت هي الأولى وقد تتجاوز قيمة الصادرات للعراق مستويات قياسية هذا العام، فالسوق العراقية بلا ضوابط وحاليا هي عبارة عن وعاء مفتوح".
وكانت نجيبة نجيب، عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار في البرلمان المنتهية ولايته، قد توقعت في تصريحات صحافية قبل أيام، عدم تأثر التبادل التجاري بين العراق وإيران بالعقوبات الأميركية، مشيرة إلى أن الأعوام السابقة شهدت تحسنا في العلاقات التجارية بين البلدين رغم الضغوط الأميركية والعقوبات على إيران.
وأعلنت السلطات النقدية في إيران يوم السبت الماضي، عن تدابير لمواجهة تداعيات العقوبات، التي تعتزم الولايات المتحدة فرضها. وقال محافظ البنك المركزي الإيراني ولي الله سيف، في تصريح، نقلته وكالة أنباء فارس، إن البنك يتابع إبرام اتفاقات نقدية مع العراق وروسيا وأذربيجان للتعامل بالعملات الوطنية.
من جهته، قال يوسف خليل الدليمي، الأستاذ في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة بغداد إن "على العراق أن يعيد السياسية الاقتصادية له مع إيران، لأن طهران المستفيد الوحيد بإغراق الأسواق العراقية عبر تجار كبار يمتلكون رؤوس الأموال ولهم حضور في سوق العملة أيضا ويتعاملون مع إيران بمليارات الدولارات سنوياً لغرض مساعدتها في توفير العملة الصعبة بعد العقوبات الأميركية".
وأضاف الدليمي لـ" العربي الجديد" :" تحول العراق إلى أشبه ما يكون مسندا لدعم العملة أو الاقتصاد الإيراني أمر خطير للغاية". وتابع: "سر توقف القطاع الصناعي والتخلف الزراعي بالعراق جوابه عند إيران، فهي المستفيدة من هذا الوضع".