25 نوفمبر 2016
نريد العيش بسلام
سألني، في إحدى المرات، زميلي عن رأيي في الأقليات الدينية، وفي ما إن كان ينبغي لنا مرافقتهم وصداقتهم؟ بطيبة خاطرٍ، أجبته أن معظم أصدقائي من أهل بلدي مسيحيون، لأتلقف بعدها جوابه الغاضب، والمستفز، بأنه لا يجوز لنا، نحن المسلمين، أن نتكلم إلى غير المسلمين فهذا حرام في ديننا، فهم، على حد قوله، لا يؤمنون بالنبي محمد، وكل من لا يؤمن به فهو كافر، ويحرم علينا التكلم معه. لم يقنعني اعتراض زميلي، فوجدت نفسي أذكّره بالآية الكريمة: "ولَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ موَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى، ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ" (سورة المائدة 82). وكان هذا آخر حديث بيننا.
أتذكّر هذه الحادثة، وأنا أشاهد صورة البابا فرانسيس، وهو يركع أمام مهاجرين قدموا إلى روما من مالي وإريتريا وسورية وباكستان، مسلمين وهندوس وكاثوليك وأقباط. يقبّل أرجلهم ويغسلها واحدا تلو الآخر، في طقوس الخميس "المقدس"، وهي شعائر تقليدية تعدّ قبيل حلول عيد الفصح، يقوم فيها الحبر الأعظم بغسل أقدام 12 شخصاً وتقبيلها، تشبهاً بالنبي عيسى عليه السلام. لم يكتف البابا بذلك بل قال: "كلنا سوية، مسلمون وهندوس وكاثوليك وأقباط وإنجيليون، كلنا إخوة وأولاد الرب نفسه، نريد العيش بسلام."
مبادرة تستحق إلقاء الضوء عليها، وخصوصاً أنها تأتي، بعد أيام قليلة على الهجوم الإرهابي في بروكسل، والذي راح ضحيته 31 شخصاً، بعد ما تبنت داعش مسؤولية التفجيرات. وسط تزايد المشاعر المناهضة للمهاجرين في أوروبا، وعودة سيناريو الخوف من الإسلام إلى الواجهة، وهو أمر متوقع، فنحن، على مدار عقود، لم نستطع تغيير الصور النمطية التي يحملها كل من الغرب والعالم الإسلامي تجاه بعضهما بعضاً. فبدلاً من إدارة حوار بناء في ما يخص التعايش الديني، وتحديداً بين المسيحية والإسلام، بتنا نشهد الصراع الإسلامي الغربي وبكثرة في العقد الأخير. ويتعاظم الأمر مع تقصير الجهود الدولية المبذولة لإيجاد سلامٍ وتعايشٍ بين الأديان، فأوروبا تخلت عن هذه الدعوات لأسباب عديدة، منها مالية، حيث لم يعد بمقدورها تمويل برامج عديدة، بسبب الأزمات الاقتصادية التي تمر بها، بينما الولايات المتحدة التي أنفقت، وما زالت، الملايين على الحروب في أفغانستان والعراق، لم تعد تُعر أي اهتمام للمسيحيين الإنجيليين المتطرفين، المتزايدة قوتهم، والذين نجدهم بقوة هذه الأيام، سواء من خلال تأييد المرشح الأميركي للرئاسة، دونالد ترامب، على الرغم من عنصريته الواضحة تجاه المسلمين والمهاجرين، أو من خلال المعارضة القوية لليمين الأوروبي المتطرّف للهجرة غير الشرعية التي يقوم بها الفارّون من الموت في سورية وأفغانستان، وغيرها من البلدان الإسلامية، حيث الهجرة والإسلام مترادفان، وهذا ما نلاحظه في كل احتجاج غربي بعد كل هجمةٍ إرهابية.
ولكن، ماذا عن دول العالم الإسلامي؟ وما هي المبادرات التي قام بها شيوخ الإسلام وعلماؤه،
ابتداء بالأزهر، وصولاً إلى منظمة التعاون الإسلامي، وبينهما عشرات، إن لم تكن مئات، المؤسسات الدينية ورموزها؟ هل فعلا شاهدنا أية مشاريع حقيقية، بخصوص التحاور مع الغرب، أم اكتفينا فقط بالتباكي والتشاكي من أهداف الغرب المستعمر على أرضنا، وقلة حيلتنا تجاه أي عمل من شأنه تحسين صورة المسلمين في الغرب؟ أم أن صراعاتنا داخل الدين الإسلامي نفسه، سواء بين السنة والشيعة، ومجادلاتنا حول من هو المسلم الحقيقي، المولوي أم الصوفي، المعتدل أم المتطرّف، الروحاني أم الشعائري، شغلتنا عن هذا كله؟ كذلك، ماذا فعلنا بخصوص التعايش مع الأقليات في عالمنا الإسلامي؟ فقبل أيام، شهدنا التفجير الإرهابي في مدينة لاهور في باكستان، والذي استهدف تجمعاً مسيحياً بمناسبة عيد الفصح، وقُتل ما يزيد عن 70 شخصا في إثره.
من المحزن لنا أن نقرأ تقريراً نشره مركز بيو للأبحاث عام 2006، جاء فيه أن وجهات النظر المسلمة تجاه المسيحيين تختلف اختلافاً كبيرا بين البلدان المسلمة. ففي لبنان الذي لديه عدد كبير من السكان المسيحيين، لدى ما يقارب 96 ٪ من المسلمين وجهة نظر إيجابية عن المسيحيين، بأغلبية ضئيلة من الأردنيين (57 ٪)، والإندونيسيين (52٪)، بينما تنقسم الآراء في مصر والتي شهدت أعمال عنف بين المسلمين والمسيحيين إلى (48٪ إيجابية؛ 47٪ سلبية). وفي الوقت نفسه، لدى قليلين من المسلمين في باكستان (16٪) وتركيا (6٪) رأي إيجابي عن المسيحيين.
ضمن جولاته المخططة للمنطقة، يزور البابا فرنسيس باكستان هذا العام، في بادرةٍ لتأكيد أن المسيحيين ينتمون إلى هذا البلد، وأنهم جزء من المجتمع الباكستاني. ولنأمل، قبل زيارته الموعودة، أن يتحرّك رجال الدين المسلمون، علنا نشهد مبادرة شبيهةً كمبادرة البابا، وليبدأوا باستخدام منابرهم، فمن شأنها المساهمة في حل خلافاتنا المذهبية، وتأكيد أن الأقليات الدينية في دولنا الإسلامية تنتمي إلينا أيضاً.
أتذكّر هذه الحادثة، وأنا أشاهد صورة البابا فرانسيس، وهو يركع أمام مهاجرين قدموا إلى روما من مالي وإريتريا وسورية وباكستان، مسلمين وهندوس وكاثوليك وأقباط. يقبّل أرجلهم ويغسلها واحدا تلو الآخر، في طقوس الخميس "المقدس"، وهي شعائر تقليدية تعدّ قبيل حلول عيد الفصح، يقوم فيها الحبر الأعظم بغسل أقدام 12 شخصاً وتقبيلها، تشبهاً بالنبي عيسى عليه السلام. لم يكتف البابا بذلك بل قال: "كلنا سوية، مسلمون وهندوس وكاثوليك وأقباط وإنجيليون، كلنا إخوة وأولاد الرب نفسه، نريد العيش بسلام."
مبادرة تستحق إلقاء الضوء عليها، وخصوصاً أنها تأتي، بعد أيام قليلة على الهجوم الإرهابي في بروكسل، والذي راح ضحيته 31 شخصاً، بعد ما تبنت داعش مسؤولية التفجيرات. وسط تزايد المشاعر المناهضة للمهاجرين في أوروبا، وعودة سيناريو الخوف من الإسلام إلى الواجهة، وهو أمر متوقع، فنحن، على مدار عقود، لم نستطع تغيير الصور النمطية التي يحملها كل من الغرب والعالم الإسلامي تجاه بعضهما بعضاً. فبدلاً من إدارة حوار بناء في ما يخص التعايش الديني، وتحديداً بين المسيحية والإسلام، بتنا نشهد الصراع الإسلامي الغربي وبكثرة في العقد الأخير. ويتعاظم الأمر مع تقصير الجهود الدولية المبذولة لإيجاد سلامٍ وتعايشٍ بين الأديان، فأوروبا تخلت عن هذه الدعوات لأسباب عديدة، منها مالية، حيث لم يعد بمقدورها تمويل برامج عديدة، بسبب الأزمات الاقتصادية التي تمر بها، بينما الولايات المتحدة التي أنفقت، وما زالت، الملايين على الحروب في أفغانستان والعراق، لم تعد تُعر أي اهتمام للمسيحيين الإنجيليين المتطرفين، المتزايدة قوتهم، والذين نجدهم بقوة هذه الأيام، سواء من خلال تأييد المرشح الأميركي للرئاسة، دونالد ترامب، على الرغم من عنصريته الواضحة تجاه المسلمين والمهاجرين، أو من خلال المعارضة القوية لليمين الأوروبي المتطرّف للهجرة غير الشرعية التي يقوم بها الفارّون من الموت في سورية وأفغانستان، وغيرها من البلدان الإسلامية، حيث الهجرة والإسلام مترادفان، وهذا ما نلاحظه في كل احتجاج غربي بعد كل هجمةٍ إرهابية.
ولكن، ماذا عن دول العالم الإسلامي؟ وما هي المبادرات التي قام بها شيوخ الإسلام وعلماؤه،
من المحزن لنا أن نقرأ تقريراً نشره مركز بيو للأبحاث عام 2006، جاء فيه أن وجهات النظر المسلمة تجاه المسيحيين تختلف اختلافاً كبيرا بين البلدان المسلمة. ففي لبنان الذي لديه عدد كبير من السكان المسيحيين، لدى ما يقارب 96 ٪ من المسلمين وجهة نظر إيجابية عن المسيحيين، بأغلبية ضئيلة من الأردنيين (57 ٪)، والإندونيسيين (52٪)، بينما تنقسم الآراء في مصر والتي شهدت أعمال عنف بين المسلمين والمسيحيين إلى (48٪ إيجابية؛ 47٪ سلبية). وفي الوقت نفسه، لدى قليلين من المسلمين في باكستان (16٪) وتركيا (6٪) رأي إيجابي عن المسيحيين.
ضمن جولاته المخططة للمنطقة، يزور البابا فرنسيس باكستان هذا العام، في بادرةٍ لتأكيد أن المسيحيين ينتمون إلى هذا البلد، وأنهم جزء من المجتمع الباكستاني. ولنأمل، قبل زيارته الموعودة، أن يتحرّك رجال الدين المسلمون، علنا نشهد مبادرة شبيهةً كمبادرة البابا، وليبدأوا باستخدام منابرهم، فمن شأنها المساهمة في حل خلافاتنا المذهبية، وتأكيد أن الأقليات الدينية في دولنا الإسلامية تنتمي إلينا أيضاً.