وقبل أن يبدأ بابيه بالندوة، ألقى سكرتير حزب "التجمّع الوطني الديمقراطي"، امطانس شحادة، كلمة شدّد فيها على أهميّة تذكار النكبة، ليس فقط للتاريخ؛ بل لأخذ استنتاجات عديدة من بعد الهزيمة عام النكبة. وقال إن النكبة مستمرة لأن أبعادها ما زالت حتى اليوم في دولة إسرائيل، التي تحاول يوميًا طمس الرواية الفلسطينيّة، من خلال قوننة الرواية الصهيونيّة، وأيضًا من خلال استعمال القوة بشتى الطرق القانونيّة. وتطرّق أيضًا إلى اقتراح القانون "قانون القوميّة" الذي يشدّد على قوميّة دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تريد أخذ الشرعيّة من الفلسطينيين في داخل وخارج الخط الأخضر.
أمّا إيلان بابيه فابتدأ الندوة بالتطرّق إلى جامعة تل أبيب، التي ابتدأت الدراسات فيها عام 1959 داخل بيوت قرية شيخ مؤنس المهجّرة. وبعد عدة سنوات تم اقتراح تأسيس ناد للطاقم الجامعي في بيت المختار المهجّر، الأمر الذي يناقض المعايير الإنسانية والأكاديميّة.
وأضاف أن القرية وقّعت على اتفاقية استسلام مع القيادة العسكريّة اليهوديّة، ولكن القيادة الإسرائيليّة، برئاسة دافيد بن غوريون، أعطت أمرًا للجنود أن يتم تفجير كل معالم القرية من أجل عدم إبقاء أهلها من بعد الحرب. كما أن قربها ليافا شكّل حجة لاحتلالها، لأن القيادة الصهيونيّة قرّرت منذ نيسان/أبريل 1948 أن تهجّر أهالي المدن والقرى الفلسطينيّة المحيطة بالمدن؛ مثل حيفا ويافا وعكا والرملة واللد وبيسان وطبريا وبئر السبع، وذلك من أجل إكمال المشروع الصهيوني المبني بالأصل على التطهير العرقي الذي يعزّز الوجود اليهودي على حساب العرب الفلسطينيين أصحاب البلاد، الذين طردوا وهجّروا بالقوة منذ نهاية عام 1947، وبالتحديد من بعد قرار التقسيم الذي صبّ في صالح اليهود، وهم بدورهم شدّدوا فقط على أمر واحد منه؛ ألا وهو الاعتراف بدولة يهوديّة بغض النظر عن حدودها.
وشدّد على أنه حتى يتم احتلال أرض من قبل مستوطنين جدد، يجب عليهم أن يمحوا التاريخ والحضارة لأهالي البلد الأصليين، وعدم التعامل معهم كبشر، مثلما حصل منذ النكبة وحتى آخر حرب شُنّت على قطاع غزة الجريح، ذاكرًا التدريبات العسكريّة التي قام بها الجيش الإسرائيليّ في صحراء النقب، وفيها تمّ بناء مدينة اصطناعيّة بلا سكّان، وذلك من أجل التحضير لشن الحرب على القطاع وأهله سويًا. واستهجن بابيه التجاهل والنكران من قبل النخبة الحاكمة، ومن الأكاديميين الإسرائيليين الذين ينكرون الرواية والحقيقة الفلسطينيّة حتى يومنا هذا، ويشنّون الحرب الديماغوجية على العرب الفلسطينيين، مستعملين عدّة مصطلحات كـ"الحرب على الإرهاب"، و"مقاومة الإسلام الأصوليّ"، وذلك من أجل الابتعاد عن الحقيقة؛ وهي التطهير العرقي الذي حصل في فلسطين قبل وبعد إعلان الدولة اليهوديّة.
كما طرح في الندوة أن هنالك توافقًا شديدًا بين الأحزاب الصهيونيّة، إن كانت من اليمين أو من اليسار، حول استكمال احتلال الضفة الغربيّة؛ لأن المشروع الصهيونيّ لا يريد فكرة الدولة الديمقراطيّة الواحدة. وشدّد على أنه لا يوجد مجال لحل الدولتين لأن الواقع لا يسمح بإقامة دولتين على الأرض نفسها: فإمّا أن تكون دولة ديمقراطيّة واحدة من نهر الأردن إلى البحر المتوسّط؛ أو استمرار حكم دولة الأبارتهايد، التي تشدّد على السيطرة اليهوديّة على العرب الفلسطينيين في كافة المناطق، والتي يجب مقاومتها.
وتطرّق بابيه إلى الحرمان الأميركي لإسرائيل على الصعيد العسكريّ، حتى أوائل الستينيات من القرن الماضي، وذلك بسبب رفض إسرائيل استعادة اللاجئين إلى قراهم ومدنهم، واعتبرت الولايات المتحدة آنذاك أن إسرائيل بالفعل قامت بجريمة حرب وجريمة ضد الإنسانيّة، لأن القانون الدولي يعترف بعودة اللاجئين من بعد انتهاء الحروب، الأمر الذي لم يحصل في فلسطين، وذلك بسبب تعنّت الإسرائيليين على مدى السنوات، وخوفهم من البعد الديموغرافي الذي يهدّد كيان دولتهم ويمنعهم من استمراريّة سيطرتهم على الحكم وعلى السكّان. وذكر للحضور أن كل عمليّة طرد، بالقوة، أو بالتهديد، أو بالإغراءات الماليّة، لفئة قوميّة معينة، تُعتبر تطهيرًا عرقيًّا، لذلك "إسرائيل قامت بالفعل بالتطهير العرقي أثناء السنوات 1947-1949 وما بعد ذلك، وهذا ما تخاف منه دوليًا وتتذرع بحجج تاريخيّة لا علاقة لها بالقضيّة الإنسانيّة".