نحو فقه جديد

04 مارس 2018
+ الخط -
من الجهل، ومن باب الإجحاف أن نعمم. لكن نحن نتناول ونتحدث عما هو سائد على مستوى الواقع اليومي: المساجد، كتاتيب القرآن، المدارس، الكتب..
حين نطلع على كتابات أغلبية فقهاء عصرنا، إما نجدهم يخوضون في مواضيع وإشكالات خطيرة، لكن زادهم من العلم والفكر قليل جدا، أو يتناولون أفكارا ونظريات بالنقد، دون حتى أن يكلفوا أنفسهم عناء الإطلاع على هذه الأفكار أو قراءة هذه الكتب وفهمها. وعندما تقرأ كتابا ما لفقيه إسلامي "معاصر" يتناول فيه موضوع التجديد أو الإجتهاد في الدين، تستشف مدى الخواء النظري والفكري الذي حل بالفقه الإسلامي.
نحن أمام فقه حجب العقل واستأسد بالنقل في مجتمعات تعج بالأمية، كذا الجهل بالفكر الإسلامي وبأمور الدين، فقه في حاجة ماسة لمساءلة ومراجعة، فقه لا يقبل التعدد والاختلاف بل يكرس المطلق واليقين والوثوقية، وإن ظل يردد "الاختلاف رحمة ".
حتى لما تقوم بمقارنة بسيطة وسريعة بين فقهاء الأمس وفقهاء اليوم، يبدو لك الفرق شاسعا جدا، لأن فقهاء الأمس انفتحوا على واقعهم، وعلى علوم عصرهم وعلى الثقافات المحيطة بهم، ليس أقلها الفلسفة والمنطق والطب والهندسة والفلك. أما كثيرون من فقهائنا تراهم يتامى وفقراء عصرهم، لا تمكن من اللغات الأجنبية ولا استيعاب العلوم الإنسانية والاجتماعية بكافة أنواعها.
من أكبر المخاطر التي تهدد الأمة الإسلامية، هذا الفقه الجامد، المتحجر والفقير حد البؤس الذي يأبى نزع جلباب الأجداد، نظرا للخطاب والوجبات الدسمة من الرداءة والسفاهة التي يقدمها لأغلبية الشعوب الإسلامية.
كف الفقه الإسلامي عن الإشتغال بالقضايا الجوهرية للأمة، وراح يحشر نفسه في مساحات شاسعة من الضحالة والتفاهات واليوميات والجزئيات حد الملل، من أصناف مصافحة الرجال للنساء أو الحجاب أو حف الشارب والعفو عن اللحية أو تحريم الموسيقى والصورة...
تقاعس العقل الفقهي "المعاصر" وتخلفهم عن مسايرة العصر والإجابة على قضايا الأمة، هو نتاج لعقل متحجر ومنغلق لا زال يسكنه الأجداد ويتحدثون بلسانه. فقهاء عصرنا اجتراريون حد النخاع، ولم يعودوا يجلسون إلى مائدة العقل، فهل من أسئلة يطرحها الفقه الإسلامي "المعاصر" على نفسه؟ وإن كان كذلك، فأي نوع من الأسئلة؟ وهل هي مناسبة لذواتنا؟ أو على الأقل لذاته هو؟ هل للفقيه المعاصر ما يحدثنا به في مجال البيئة والتلوث وندرة المياه؟ أو عن الإنسان والتكنولوجيا؟ أو عن مصير الجنس البشري؟ ماذا في جعبته أن يقوله لنا عن تعديل الطبيعة الإنسانية؟ أو عن اكتشاف قارة الجينوم؟
نرحب بأي فقه منفتح على العصر وجميع علومه وعلى إشكالاته، نحن مع فقه واقعي، يساير متطلبات العصر ويقارب مشكلات الناس بعقل عصري ومناهج علمية وفكر نسبي، وليس فقها يرفض ويصم آذانه على كل ما هو حديث ومغاير للمألوف بدعوى البدع أو تجديد يتأسس خارج أصول الشريعة.
الفقه الإسلامي لن يجدد إلا من الداخل، وبجهد رجالاته، لكن من دون الانفتاح على المدارس الفكرية الحديثة واللغات العالمية واستيعاب الفكر الأممي سوف يبقى يراوح مكانه ويدخل في دوامة سيزيف. وأي تماطل في ترك الفقه الإسلامي بعيدا عن تجديد عام وشامل لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانكماش لهذا الفقه، وبالتالي سينسخه التاريخ والتطور الجارف الذي تعرفه البشرية بشكل مهول .
حان الوقت للفقه الإسلامي كي ينفك عن قيوده، ويتخلص من الطفيليات التي يعج بها، ويجد لنفسه صيغا للتعايش بينه وبين الحداثة والعصر، إذ لم يعد هناك من مجال أو وقت للتفاوض مع الاجترار والتكرار والتقليد، فإما أن يمر"العقل" الإسلامي "المعاصر" إلى السرعة النهائية في الاجتهاد والتجديد والتأويل وإعادة البناء، أو نترك للتاريخ أن يفعل فعله، ويقول كلمته من دون حضورنا وبعيدا عنا، نحن الذين لم نعد فاعلين ولا مسموعين، ولا حتى مرئيين.
6CD01A49-74BB-4A9E-AC8F-3FB5631C566B
6CD01A49-74BB-4A9E-AC8F-3FB5631C566B
عمر بن أعمارة (المغرب)
عمر بن أعمارة (المغرب)