نحو الهاوية

08 ديسمبر 2014
من اعتصامات أهالي الجنود المخطوفين (فرانس برس)
+ الخط -

صار خبر القتل عادياً. نقرأه أو نشاهده على الشاشة أو على مواقع التواصل دون تفاعل. دون ألم. صور الأمهات ينتحبن أو الآباء يغضبون ويبكون لم تعد تثير فينا الغضب، أي غضب.
لماذا تخدّرنا هكذا؟ ما الذي أصابنا؟

سهرنا الليل ننتظر القاتل أن يرفع سكينه كي يذبحنا أو يرفع بندقيته كي يطلق النار في منتصف الرأس. صرنا ننتظر دمنا على الشاشة كمَن ينتظر مسلسلاً تافهاً. ننتظره أن يخرج منها أحمر لزجاً كي يصفعنا في وجوهنا كي نفيق. لكننا، رغم الدم المنثور، لا نستيقظ. ما حصل أننا بتنا ننتظر موتنا الموعود دون حراك، دون صراخ، ودون شعور. 

ننتظره بصمت القتيل.

يُذبح العسكريون الأسرى واحداً تلو الآخر. وكلما قضى أحدهم ضحية، نشطب اسماً وننتظر الاسم التالي. ننزعج من زحمة السير التي يتسبّب بها قطع أهاليهم للطرقات. نرشّهم بالماء ونبعدهم بالقوة لو لزم الأمر ذلك. أبناؤهم، أبناء الدولة التي ماتت، لا يعنونا. لقد تيتّموا ولم يجدوا مَن يسأل عنهم. ونحن لا نحب الأيتام.

تجتمع "خلية الأزمة". أي اسم مضحك هذا لخلية في بلد ليس فيه إلا الأزمات؟ يدخل مسؤولو الخلية متجهّمين ويخرجون عابسين. يقولون كلاماً لا نفهم منه شيئاً. يبكون معنا على غياب النظام والدولة. المسؤولون يلطمون معنا. مَن نتوقع منهم العون والإنقاذ، يبكون على الدولة قبلنا.

***

قبل سنوات طويلة، كنت أخضع لفحص قيادة السيارة. كانت ترافقني سيدة تخضع للفحص بدورها. عندما صعدت في السيارة، صار الموظف المسؤول عن الفحص يوجّهها في الامتحان بدلاً من أن يمتحن قدراتها. طلب منها أن تدير السيارة وأن تقلع بها بعد حلّ مكابح اليد. فعلت ذلك كمَن يكتشف هذه الآلة.

ضغطت السيدة على دواسة الوقود، فأقلعت السيارة. سرّت بإنجازها كطفل يكتشف خطواته الأولى، فزادت من ضغطها على دواسة الوقود. انطلقت السيارة بسرعة. صرخ بها الموظف الذي صار يركض خلف السيارة طالباً منها أن توقفها. لكن السيدة ارتبكت وسألته: "كيف أوقفها؟"، ضرب الرجل على رأسه وهو يتابع الركض. قال لها: "اضغطي على الفرامل". فردّت عليه مدهوشة: "لكن أين الفرامل؟!". عندما نزلت السيدة من السيارة، بعد عناء الامتحان الغريب، قال لها الموظف المسؤول عن الامتحان بكل ثقة: "مبروك. لقد نجحت".

هذا المشهد هو بالضبط ما نعيشه اليوم. فنحن جميعاً ركاب السيارة، تقودنا السياسات الخرقاء وقد ابتلينا بالفساد الذي نخر هيكل السيارة ورؤوسنا. لذلك، فوجهتنا لن تكون، بما سبق من معطيات، غير الوقوع في الهاوية.

فليكن الله في عوننا.
المساهمون