نحو الحكومات الذكيّة

24 ديسمبر 2014
التكنولوجيا تحسّن أداء الحكومات (getty)
+ الخط -
أحدثت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ثورة كبيرة في جميع مناحي الحياة، وذلك بالنظر لما توفره من سرعة الأداء، ‏انخفاض التكلفة، توفير الوقت وسهولة الولوج والمشاركة، مما أسهم في بزوغ مفهوم الحكومة الإلكترونية. 
تعرف الأمم ‏المتحدة الحكومة الإلكترونية بأنها استخدام تقنيات الإنترنت والشبكة العالمية العريضة مثل شبكات ربط الاتصالات ‏الخارجية، مواقع الإنترنت، ونظم الحاسب الآلي بواسطة الجهات الحكومية لتقديم معلومات وخدمات الحكومة للمواطنين. ‏كما تعتبر منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية أن استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وخصوصاً الإنترنت ،‏يؤدي إلى الوصول لحكومات ذات أداء أفضل.‏
أصبحت الحكومة الإلكترونية أداة هامة في إدارة الدولة وأسلوباً حديثاً في تدبير الشأن العام من خلال التفاعل المباشر مع ‏المواطنين والتقرب من حاجياتهم عبر تمكينهم من الوصول للمعلومات. كما أنها تكبح الفساد الإداري وتقوّي الشفافية والفاعلية بالمؤسسات العامة.
إن الحكومة الإلكترونية تشكل تحولاً نوعياً في علاقة المواطنين بالدولة، فهي تساعد على توسيع ‏مجالات المواطنين في صناعة السياسات واتخاذ القرار عبر مبادرات تشاركية تحسن من الولوج والإدماج عن بعد. ‏
‎وفي هذا الصدد، نسجل تطوراً كبيراً في ممارسات الحكومة الإلكترونية وفي أبعادها التي تجاوزت الجانب التقني، و‏صارت دعامة أساسية للتنمية الاقتصادية عبر نشر الفكر والمعرفة بين شرائح المجتمع وللديمقراطية عبر سعيها إلى جعل ‏المواطن مركز الثقل في كل توجهات الدولة.‏
وكانت الأمم المتحدة قد وضعت مؤشراً للحكومة الإلكترونية يصدر كل سنتين في شكل تنقيط مرتب لما مجموعه 193 ‏دولة، وهو معدل إجمالي لثلاث محددات هي: البنية التحية لتكنولوجيا المعلومات، الرأسمال البشري والخدمات عبر الخط. ‏
وبناءً على ما تقدم، تعتبر الولايات المتحدة الأميركية رائدة في مجال الحكومة الإلكترونية، حيث كانت سباقة إلى اعتماد ‏تجربة الاقتراع المباشر، مما أظهر قدرة الحاسب الآلي على الحساب الدقيق للأصوات والحيلولة دون حصول مخالفات. وتتبوأ كندا مكانة صاعدة إضافة إلى كل من كوريا الجنوبية، هولندا، المملكة المتحدة والدنمارك، فقد نجحت في تقديم الخدمات ‏للمواطنين بتكاليف منخفضة وباختزال للتعقيدات الإدارية.‏
تهدف الحكومة الإلكترونية إلى تحقيق الاتصال الفعال وتقليل التعقيدات الإدارية، مما يتطلب ترتيباً عميقاً ودقيقاً ‏للعمليات والهيئات المعنية بالحكومة الإلكترونية. وتسهم في خلق بيئة عمل أفضل وبنية تحتية تقنية تمكن من الانسيابية ‏والتفاعل، الأمر الذي من شأنه ضمان تكامل بين الخدمات الحكومية والرفع من الكفاءة والعائد على الاستثمار.‏
علاوة على ذلك، ترسخ الحكومة الإلكترونية علاقة الثقة مع المواطنين، وتمنحهم منبراً للتعليق ‏على مشاريع القوانين وسياسة الحكومة.‏
تسخّر الحكومة الإلكترونية إمكاناتها لتجميع كافة الأنشطة والخدمات المعلوماتية في موضوع واحد هو موقع الحكومة ‏الرسمي على الإنترنت. ‏ونجد مظاهر الحكومة الإلكترونية جلية في توفير خدمة الضرائب عبر الانترنت، الحصول على بطاقة الهوية وجواز ‏السفر، السجل العقاري وأداء رسوم الملكية، التصويت في الانتخابات وإلى غير ذلك من الإجراءات الإدارية.‏
وفي سياق متصل، تساند الحكومة الإلكترونية التعامل بين القطاعين العام والخاص في إطار شراكات تطور المستوى ‏الاقتصادي وتزيد من الربحية. كما نسجل الفرص الاستثمارية التي يمنحها خلال التكامل بين الحكومة الالكترونية ‏والتجارة الالكترونية، وذلك عن طريق استخدام نفس التطبيقات والتقنيات والتبادل الداخلي للبيانات.‏
وتتجلى الرهانات الكبرى للحكومة الإلكترونية في مسألة الأمن المعلوماتي، مما يستوجب تحصين موارد الدولة من ‏معلومات وبيانات، والعمل على أرشفتها، وبذلك تحافظ على الرأسمال المعلوماتي. زيادة على ذلك، يبقى نجاح الحكومة ‏الإلكترونية رهيناً بمدى استيعاب واندماج المواطنين مع هذا المشروع، وعلى هذا الأساس، فتوعية المواطنين بأهميته وتحسيسهم بمزاياه ثم مرافقتهم في التعامل معه.. كلها عناصر مساعدة على إرساء كامل وفعال للحكومة الإلكترونية والانتقال ‏من الحكومة التقليدية إلى الحكومة الذكية.‏

*أكاديمي من المغرب
المساهمون