09 يونيو 2023
نجهل الهند.. وبقية العالم
"المشكلة هي في ندرة الخبراء العرب بشؤون الهند"، هذا ما أجابني به منسق وحدة تحليل السياسات في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، دكتور مروان قبلان، ردًا على سؤالي عن تغطية أوراق مؤتمر "الهند والعرب" الذي عقده المركز يومي 5 و6 مايو/ أيار الجاري، وهو مؤتمر من سلسلة مؤتمرات عن علاقات العرب بالعالم، حيث عقد المركز من قبل مؤتمرات عن العرب والقرن الأفريقي، والعرب والولايات المتحدة، والعرب وروسيا، والعرب والصين، والعرب والكرد، ويسعى المركز بذلك إلى سد نقص كبير له أهمية عربية استراتيجية.
ويتبين من أوراق الخبراء الهنود بمنطقة غرب آسيا، ومنها المنطقة العربية، أن لدى الهند مراكز متخصصة في منطقتنا، تنتج عنها أبحاث وتصدر كتبًا وتعقد ندوات ومؤتمرات، فبين 1970 و2017 نوقشت في الجامعات الهندية نحو 400 رسالة دكتوراه عن غرب آسيا والعرب، تناولت السياسة والاقتصاد والمال والهجرة والعمالة والطاقة والثقافة والتاريخ وغيرها. بينما لم تقدم في الجامعات العربية سوى بضع عشرات، وجلها في التاريخ. ويوجد آلاف من الخبراء الهنود الذين يتقنون العربية، بينما يندر من يتكلم الهندية بين العرب.
لدى الهند استراتيجيتها للتعامل مع منطقتنا، وخصوصا دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يعمل قرابة 8.5 ملايين هندي في هذه الدول، يحولون قرابة 34 مليار دولار إلى بلدهم سنويًا تسهم في توازن ميزان مدفوعاتها، إضافة إلى أن هذه الدول سوق كبيرة للمنتجات الهندية، والمصدر الرئيس لتوريدات النفط والغاز إلى الهند التي تعد ثاني أكبر مستورد للنفط والغاز بعد الصين.
الهند قوة بازغة، مليار وربع المليار إنسان، وتنمو بمعدل 7% سنويًا، وهي أكبر ديمقراطية في العالم. وبالتالي تجربتها في التنمية، وفي نظام الحكم، ذات أهمية كبيرة لبلداننا العربية.
وعلى الرغم من ذلك، لا يوجد خبراء عرب ومراكز أبحاث عربية مختصة بالهند، تدرس الهند وتتابع شؤونها على نحو علمي ممنهج، لإنتاج معرفة لصانع السياسة العامة والسياسة التجارية والنشاطات الاجتماعية والثقافية.
كانت الهند تناصر القضايا العربية بقوة، وخصوصا قضية فلسطين، وتقف ضد سياسة إسرائيل ولم تقم علاقات دبلوماسية معها حتى 1991، غير أن الصورة تغيرت اليوم، فعلاقات الهند مع إسرائيل قوية، وخصوصا العلاقات الاقتصادية والتجارية، حيث يبلغ التبادل التجاري أكثر من 8 مليارات دولار، جزء كبير منه تكنولوجيا عالية، هذا عدا صفقات الأسلحة، فإسرائيل اليوم ثاني مزود للأسلحة للهند بعد روسيا، إضافة إلى العلاقات السياسية التي تتوطد كل يوم. فبعد توجه الهند نحو سياسة اقتصادية ليبرالية، أصبحت المحدّدات الأهم في رسم استراتيجياتها الخارجية هي التجارة والأسواق والاستثمار الدولي، ثم أمن الطاقة وتأمين استمرار تزودها باحتياجها من مصادر الطاقة من السوق العالمية (نفط وغاز) ثم الأمن. وعلى الرغم من امتلاك العرب الكثير مما تحتاجه الهند، فقد فشلوا في استعماله، للاحتفاظ بمواقف الهند السياسية، وهذا فصل آخر من رواية فشل العرب.
يتكرر الأمر نفسه مع الصين، وهي القوة الاقتصادية والعسكرية الثانية في العالم، وتجتهد لتكون الأولى. وعلى الرغم من ذلك، لا يوجد لدينا خبراء في الصين وشؤونها، ولا رؤية للتعامل معها. وعلى الصعيد السياسي، تكرر الصين الحكاية نفسها أيضًا، فقد كانت الصين على عداء مع إسرائيل، وتؤيد الحق العربي وتدعمه، لكن الصين اليوم تقيم أوثق علاقات التعاون مع إسرائيل، وتتعاون معها في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة خصوصا.
بل لا يوجد لدينا خبراء في أوروبا وأميركا وإيران وتركيا، ولا توجد استراتيجيات عربية للتعامل مع هذه الدول النافذة، ونادرًا ما تصدر كتب من باحثين عرب عن هذه البلدان، وقليلاً ما تعد رسائل دكتوراه تتناول كل منها جانبًا من جوانب تلك البلدان، ولا توجد مراكز أبحاث عربية متخصصة بأي من هذه البلدان، ويسعى المركز العربي ليسد ثغرة، لكن المهمة تتطلب مراكز وجهودا كي يفهم العرب العالم، وما يدور فيه وكيف يتعاملون معه.
في المقابل، نرى آلاف المختصين في الهند وفي الصين وفي الولايات المتحدة وفي أوروبا بالشؤون العربية، ويعرفون أوضاع العرب أكثر من العرب أنفسهم، وخصوصا بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وقدرتهم على توثيق أفكار كل فرد عربي وآرائه ونشاطاته، متعمقين في تكوينهم النفسي، ومطورين أساليب للتأثير فيها وتوجيهها.
لا تهتم الجامعات العربية العامة والخاصة لهذه الأمور إلا بشكل سطحي، ولا تنتج معرفة عميقة كافية، والقطاع الخاص العربي يعد مثل هذه المراكز ليست ذات قيمة، ومثل هذه الدراسات كلام وثرثرة لا تعود عليه بعائد، ولا يرى رجل الأعمال العربي أبعد مما بين قدميه، ولا مقياس لديه سوى مقياس الربح السريع العاجل.
لا تضع الحكومات العربية، حتى الغنية منها، هذا في حسبانها، وكان مأمولا أن يلعب مجلس التعاون الخليجي هذا الدور بما لديه من قدراءت مالية هائلة، وما لديه من مزايا جاذبة لاهتمام الدول الكبرى، وكان المأمول أن تتقارب بلدانه وتوحد سياساتها الخارجية، ولكن يجري العكس، فكل بضع سنوات تنفجر الصراعات، وجديدها الحصار الغبي الذي تفرضه بعض دوله على قطر.
لكن عن أي عرب نتحدّث نحن؟ فالعرب أعراب، عرب في الشرق وعرب في الغرب وعرب في الوسط، وكل منهم يختلف عن الآخر في كل شيء تقريباً، لكن الأدهى والأمرّ أنه بدلاً من التعاون لتقليص الفوارق وزيادة التقارب ينشغل العرب في التآمر على بعضهم، "وظلـم ذوي القربـى أشــدُّ مضـاضـة". أذكر يوم كان يكتب لنا على جواز السفر السوري "مسموح السفر إلى كافة دول العالم عدا العراق". وأذكر كيف كانت العداوة بين القطرين العربيين الشقيقين اللذين يحكمهما حزب البعث بفلقتيه السورية والعراقية، فقد كانا أكثر دول العالم عداوة لبعضهما، إلى حد أن سورية وقفت مع إيران في حربها على العراق.
المشكل أن دول العالم لا تبقى تنتظر العرب، حتى يفيقوا من غفوتهم، فإسرائيل اليوم تنتج
تكنولوجيا متقدمة تحتاجها الدول المتقدمة، حتى الولايات المتحدة والصين والهند وغيرها. أما العرب فلم يستطيعوا الخروج من قمقم الاعتماد على الخارج، والمصالح تغير المواقف، فتغيرت مواقف الهند والصين وغيرها. وتصنع إسرائيل صورة نمطية إيجابية، بفضل تقدمها ومكنتها الإعلامية، وعملها الدؤوب والمستمر لتحسين صورتها، على الرغم من الجرائم التي ترتكبها، لكن أنظمة العرب ارتكبت من الجرائم ما غطى على جرائم إسرائيل مرات ومرات. ولا يستخدم العرب الإعلام للترويج على نحو ممنهج لقضاياهم، بينما تعمل إسرائيل للسيطرة على أكبر المؤسسات الإعلامية في العالم. وقد روى لي الكاتب والصحافي الفرنسي، ألن غريش، في مايو/ أيار 2017 أن سفارة إسرائيل في باريس وحدها أكثر فاعلية وأكثر حضورًا وتأثيرًا من جميع السفارات العربية مجتمعة.
أظهرت أوراق المؤتمر أن صورة العربي في الهند تدهورت. وهذا حدث في الصين، وهما البلدان العملاقان البازغان، وتدهورت صورة العرب في أوروبا خصوصا، وتدهورت في أميركا. فما يصل إلى هذه البلدان صورة قاتمة عن العرب، صور مسلحي "القاعدة"، وصور "داعش" وهي تقطع الرؤوس أمام الكاميرات، وأخبار إرهابيين يدهسون الناس في شوارع أوروبا بسيارات مسروقة. ويصل إلى العالم أن ما يهم العرب هو ارتداء الحجاب والنقاب، وبناء المساجد في أوروبا لتحويلها إلى الإسلام، والتظاهر بالملايين من أجل كاريكاتير ينشر في جريدة، بينما لا يتظاهرون ضد غزو العراق، ولا بسبب قصف إسرائيل غزة، وسعيها إلى السيطرة على القدس الشرقية، ولا يتظاهرون ضد قصف المدن السورية، وتهجير ساكنيها، ولا ضد ما يصيب اليمن أو غيره.
ويتبين من أوراق الخبراء الهنود بمنطقة غرب آسيا، ومنها المنطقة العربية، أن لدى الهند مراكز متخصصة في منطقتنا، تنتج عنها أبحاث وتصدر كتبًا وتعقد ندوات ومؤتمرات، فبين 1970 و2017 نوقشت في الجامعات الهندية نحو 400 رسالة دكتوراه عن غرب آسيا والعرب، تناولت السياسة والاقتصاد والمال والهجرة والعمالة والطاقة والثقافة والتاريخ وغيرها. بينما لم تقدم في الجامعات العربية سوى بضع عشرات، وجلها في التاريخ. ويوجد آلاف من الخبراء الهنود الذين يتقنون العربية، بينما يندر من يتكلم الهندية بين العرب.
لدى الهند استراتيجيتها للتعامل مع منطقتنا، وخصوصا دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يعمل قرابة 8.5 ملايين هندي في هذه الدول، يحولون قرابة 34 مليار دولار إلى بلدهم سنويًا تسهم في توازن ميزان مدفوعاتها، إضافة إلى أن هذه الدول سوق كبيرة للمنتجات الهندية، والمصدر الرئيس لتوريدات النفط والغاز إلى الهند التي تعد ثاني أكبر مستورد للنفط والغاز بعد الصين.
الهند قوة بازغة، مليار وربع المليار إنسان، وتنمو بمعدل 7% سنويًا، وهي أكبر ديمقراطية في العالم. وبالتالي تجربتها في التنمية، وفي نظام الحكم، ذات أهمية كبيرة لبلداننا العربية.
كانت الهند تناصر القضايا العربية بقوة، وخصوصا قضية فلسطين، وتقف ضد سياسة إسرائيل ولم تقم علاقات دبلوماسية معها حتى 1991، غير أن الصورة تغيرت اليوم، فعلاقات الهند مع إسرائيل قوية، وخصوصا العلاقات الاقتصادية والتجارية، حيث يبلغ التبادل التجاري أكثر من 8 مليارات دولار، جزء كبير منه تكنولوجيا عالية، هذا عدا صفقات الأسلحة، فإسرائيل اليوم ثاني مزود للأسلحة للهند بعد روسيا، إضافة إلى العلاقات السياسية التي تتوطد كل يوم. فبعد توجه الهند نحو سياسة اقتصادية ليبرالية، أصبحت المحدّدات الأهم في رسم استراتيجياتها الخارجية هي التجارة والأسواق والاستثمار الدولي، ثم أمن الطاقة وتأمين استمرار تزودها باحتياجها من مصادر الطاقة من السوق العالمية (نفط وغاز) ثم الأمن. وعلى الرغم من امتلاك العرب الكثير مما تحتاجه الهند، فقد فشلوا في استعماله، للاحتفاظ بمواقف الهند السياسية، وهذا فصل آخر من رواية فشل العرب.
يتكرر الأمر نفسه مع الصين، وهي القوة الاقتصادية والعسكرية الثانية في العالم، وتجتهد لتكون الأولى. وعلى الرغم من ذلك، لا يوجد لدينا خبراء في الصين وشؤونها، ولا رؤية للتعامل معها. وعلى الصعيد السياسي، تكرر الصين الحكاية نفسها أيضًا، فقد كانت الصين على عداء مع إسرائيل، وتؤيد الحق العربي وتدعمه، لكن الصين اليوم تقيم أوثق علاقات التعاون مع إسرائيل، وتتعاون معها في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة خصوصا.
بل لا يوجد لدينا خبراء في أوروبا وأميركا وإيران وتركيا، ولا توجد استراتيجيات عربية للتعامل مع هذه الدول النافذة، ونادرًا ما تصدر كتب من باحثين عرب عن هذه البلدان، وقليلاً ما تعد رسائل دكتوراه تتناول كل منها جانبًا من جوانب تلك البلدان، ولا توجد مراكز أبحاث عربية متخصصة بأي من هذه البلدان، ويسعى المركز العربي ليسد ثغرة، لكن المهمة تتطلب مراكز وجهودا كي يفهم العرب العالم، وما يدور فيه وكيف يتعاملون معه.
في المقابل، نرى آلاف المختصين في الهند وفي الصين وفي الولايات المتحدة وفي أوروبا بالشؤون العربية، ويعرفون أوضاع العرب أكثر من العرب أنفسهم، وخصوصا بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وقدرتهم على توثيق أفكار كل فرد عربي وآرائه ونشاطاته، متعمقين في تكوينهم النفسي، ومطورين أساليب للتأثير فيها وتوجيهها.
لا تهتم الجامعات العربية العامة والخاصة لهذه الأمور إلا بشكل سطحي، ولا تنتج معرفة عميقة كافية، والقطاع الخاص العربي يعد مثل هذه المراكز ليست ذات قيمة، ومثل هذه الدراسات كلام وثرثرة لا تعود عليه بعائد، ولا يرى رجل الأعمال العربي أبعد مما بين قدميه، ولا مقياس لديه سوى مقياس الربح السريع العاجل.
لا تضع الحكومات العربية، حتى الغنية منها، هذا في حسبانها، وكان مأمولا أن يلعب مجلس التعاون الخليجي هذا الدور بما لديه من قدراءت مالية هائلة، وما لديه من مزايا جاذبة لاهتمام الدول الكبرى، وكان المأمول أن تتقارب بلدانه وتوحد سياساتها الخارجية، ولكن يجري العكس، فكل بضع سنوات تنفجر الصراعات، وجديدها الحصار الغبي الذي تفرضه بعض دوله على قطر.
لكن عن أي عرب نتحدّث نحن؟ فالعرب أعراب، عرب في الشرق وعرب في الغرب وعرب في الوسط، وكل منهم يختلف عن الآخر في كل شيء تقريباً، لكن الأدهى والأمرّ أنه بدلاً من التعاون لتقليص الفوارق وزيادة التقارب ينشغل العرب في التآمر على بعضهم، "وظلـم ذوي القربـى أشــدُّ مضـاضـة". أذكر يوم كان يكتب لنا على جواز السفر السوري "مسموح السفر إلى كافة دول العالم عدا العراق". وأذكر كيف كانت العداوة بين القطرين العربيين الشقيقين اللذين يحكمهما حزب البعث بفلقتيه السورية والعراقية، فقد كانا أكثر دول العالم عداوة لبعضهما، إلى حد أن سورية وقفت مع إيران في حربها على العراق.
المشكل أن دول العالم لا تبقى تنتظر العرب، حتى يفيقوا من غفوتهم، فإسرائيل اليوم تنتج
أظهرت أوراق المؤتمر أن صورة العربي في الهند تدهورت. وهذا حدث في الصين، وهما البلدان العملاقان البازغان، وتدهورت صورة العرب في أوروبا خصوصا، وتدهورت في أميركا. فما يصل إلى هذه البلدان صورة قاتمة عن العرب، صور مسلحي "القاعدة"، وصور "داعش" وهي تقطع الرؤوس أمام الكاميرات، وأخبار إرهابيين يدهسون الناس في شوارع أوروبا بسيارات مسروقة. ويصل إلى العالم أن ما يهم العرب هو ارتداء الحجاب والنقاب، وبناء المساجد في أوروبا لتحويلها إلى الإسلام، والتظاهر بالملايين من أجل كاريكاتير ينشر في جريدة، بينما لا يتظاهرون ضد غزو العراق، ولا بسبب قصف إسرائيل غزة، وسعيها إلى السيطرة على القدس الشرقية، ولا يتظاهرون ضد قصف المدن السورية، وتهجير ساكنيها، ولا ضد ما يصيب اليمن أو غيره.