فيما تصعد اقتصاديات الدول الخليجية العربية مستفيدة من ارتفاع أسعار النفط وزيادة المداخيل، تتراجع دخول الدول الغربية وتواجه ضغوطاً مالية لنقص السيولة في تمويل الإنفاق وارتفاع الديون السيادية التي فاقت 17 ترليون دولار في الولايات المتحدة، وتقارب ترليون دولار في بريطانيا، وترتفع بمعدلات تفوق 50% من الناتج الاجمالي في معظم الدول الأوروبية.
ويلاحظ أن أزمة المال العالمية التي ضربت أميركا ومعظم البنوك التقليدية في العالم، وماتلاها من أزمة اليورو التي هزت اقتصادات الدول الاوروبية الاعضاء في منطقة اليورو، أضعفت البنوك الاوروبية خلال الاعوام الاخيرة.
وسط هذه الظروف المالية الصعبة، برز النظام المالي الاسلامي الذي لم يتأثر بأي من الازمات التي هزت النظام المصرفي التقليدي، كبديل مناسب لتوفير التمويلات المطلوبة في الغرب لتمويل مشاريع البنى التحتية أو حتى تمويل الانفاق الحكومي عبر إصدار الصكوك أو السندات الاسلامية.
ويلاحظ أن التمويل الاسلامي نما خلال الاعوام الاخيرة بنسبة تراوحت بين 15 الى 20%. وذلك حسب دراسة أصدرها الدكتور، لورانت مارليري، المتخصص في أدوات المال الاسلامية. وحسب الدراسة أصبحت البنوك الاسلامية منافساً قوياً للبنوك التقليدية. ويقدر البنك الدولي في احصائياته الصادرة في فبراير/شباط الماضي موجودات البنوك الاسلامية بمبالغ تراوح بين ترليون و1.5 ترليون دولار. وفي مقابل ذلك فإن موجودات البنوك التقليدية التي لديها فروع تقدر بحوالى 8.3 ترليون دولار.
وفي عالم ينمو فيه عدد السكان المسلمين بنسبة مرتفعة، وربما يصل عددهم الى ثلث سكان العالم خلال العقد المقبل حسب احصائيات الامم المتحدة تتزايد تدريجياً قاعدة زبائن البنوك الاسلامية وقاعدة المستثمرين في أدوات المال الاسلامية.
وما يعزز نمو صناعة المال الاسلامية تركز ثروات الطاقة الحيوية من النفط والغاز في منطقة الشرق الاوسط، حيث منبع الاسلام. وتقدر قيمة صادرات النفط في السعودية، ودول الخليج وباقي الدول العربية بحوالى 300 مليار دولار سنويّاً. ويضاف الى هذه التدفقات المالية السنوية الثروات المتراكمة التي تديرها صناديق الاستثمار السيادية، والتي تفوق 3 ترليونات دولار في دول الخليج وحدها، والثروات الخاصة لدى رجال الاعمال العرب. وهذه الأموال تفوق احتياجات التمويل في الدول العربية، وتبحث عن مصادر استثمار مضمون يوفر أرباحاً معقولة.
من هذا المنطلق تضع الدول الغربية عينها على التمويل الإسلامي. وقد كسرت بريطانيا حاجز الخوف (تابو)، حيث أصدرت وزارة الخزانة البريطانية في شهر مايو/آيار الماضي صكوكاً بقيمة 200 مليون جنيه استرليني" 340 مليون دولار".
وربما تصبح لوكسمبورج قريباً الدولة الثانية في العالم التي ستتمول بالمال الحلال بعد بريطانيا. وتشجع التغطية الضخمة لإصدارات الصكوك الحكومية البريطانية التي فاقت 3 مرات حجم الصكوك المطروحة، يكون الباب قد فتح فعليّاً لاصدار مزيد من الصكوك مستقبلاً. وتأمل بريطانيا أن يشارك التمويل الاسلامي بفعالية خلال العقد الجاري والمقبل في تمويل مشاريع البنى التحتية، تعكف على تمويلها تقدر قيمتها بحوالي 330 مليار دولار.
وعلى الصعيد الأوروبي وافق البرلمان في لوكسمبورج على مشروع قانون يسمح للحكومة بأن تطرح أول إصدار لها من السندات الإسلامية "الصكوك"، في وقت لاحق هذا العام.
ويسمح مشروع القانون، للوكسمبورج، بتوريق ثلاثة مشاريع عقارية حكومية لدعم صكوك بقيمة 200 مليون يورو (275 مليون دولار) تستهدف تعزيز جدارتها للتمويل الاسلامي لاجتذاب المزيد من الاعمال من الدول الخليجية.
وفي آسيا تعمل هونج كونج على إصدار صكوك اسلامية بقيمة مليار دولار في سبتمبر/أيلول المقبل. كما تعكف سنغافورة على وضع مشروع للتمويل الاسلامي، تأمل أن يجعل منها عاصمة التمويل الاسلامي في آسيا. وتستند سنغافورة في ذلك الى موقعها المتميز كعاصمة "أوفشور للمصارف" العالمية في آسيا، والخبرات البنكية التي تملكها، وقربها من الصين ودول آسيا الأخرى التي تعكف على تمويل مشاريع للبنى الاساسية بمئات مليارات الدولارات.
وتعقد سنغافورة مؤتمراً سنويّاً لصناعة المال الاسلامي، كما أن هنالك معلومات تشير الى أن سنغافورة قد تصدر صكوكاً سيادية خلال الاعوام المقبلة، رغم أن مسألة الصكوك لا تزال في المراحل الأولى من المناقشة، لكنها من المرجح أن تدخل حيز التنفيذ في العام المالي 2015 والذي من المقرر أن يبدأ في الشهر المقبل.
ويذكر أن الولايات المتحدة تدرس هذه الصكوك الاسلامية من حيث الميزات والخصائص، كما تنوي بعض الولايات اصدار صكوك اسلامية لتمويل الانفاق. وسبق لشركات أميركية كبرى أن أصدرت سندات إسلامية.
وأمام مخاطر الرهونات التي كادت تفلس البنوك الأميركية والغربية تحبذ بعض المؤسسات الغربية التمويل الاسلامي. وهنالك مجموعة خصائص تميز الصكوك الإسلامية عن غيرها من أدوات الاستثمار التقليدية أهمها:
أولاً: إنها تقوم على مبدأ المشاركة في الربح والخسارة. حسب مقتضى المشاركات التي يقوم عليها مبدأ إصدار الصكوك من حيث العلاقة بين المشتركين بصرف النظر عن صيغة الاستثمار المعمول بها، إذ تعطي مالكها حصة من الربح، وليس نسبة محددة مسبقاً من قيمتها الاسمية.
وحصة حملة الصكوك من أرباح المشروع أو النشاط الذي تموله الصكوك تحدد بنسبة مائوية عند التعاقد، فمالكوها يشاركون في غنمها حسب الاتفاق المبين في نشرة الإصدار، ويتحملون غرمها بنسبة ما يملكه كل منهم، وفقاً لقاعدة الغنم بالغرم.
وثانياً: فإن الصكوك تصدر بفئات متساوية القيمة، لأنها تمثل حصصاً شائعة في موجودات مشروع معين أو نشاط استثماري خاص، لتيسير شراء وتداول هذه الصكوك، وبذلك يشبه الصك الإسلامي السهم الذي يصدر بفئات متساوية ويمثل حصة شائعة في صافي أصول الشركة المساهمة، كما أنه يلتقي في ذلك مع السندات التقليدية والتي تصدر بفئات متساوية.
وثالثاً: تخصص حصيلة الصكوك للاستثمار في مشاريع تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية، كما أنها تقوم على أساس عقود شرعية وفقاً لصيغ التمويل الإسلامية كالمشاركات والمضاربات وغيرها، بضوابط تنظم إصدارها وتداولها.