في خطوة مفاجئة، خرجت عن الأطر التقليدية للتشاور بين الأحزاب والحكومة، نشر المدير التنفيذي لحزب "نداء تونس" ونجل الرئيس، حافظ قايد السبسي، موقف حزبه من مسألة التعديل الوزاري المنتظر، ووجه إلى الشاهد عددًا من الرسائل الواضحة؛ أهمها احترام ما أفرزته نتائج انتخابات 2014، أي فوز النداء بأغلبية المقاعد في البرلمان، بالرغم من تراجعه إلى المرتبة الثانية بعد حركة "النهضة" (بعد استقالات نوّابه في البرلمان).
واعتبر السبسي الابن أنه بعد مرور أكثر من 10 أشهر على التوقيع على وثيقة قرطاج، أصبح اليوم من الضروري تحوير الحكومة في العمق، وحتى إعادة هيكلتها.
وقال السبسي الابن "إن أنجع طريقة للالتفاف على نتائج الانتخابات، وتعطيل أداء الحزب الأغلبي في إدارة الشأن العام، هي اعتماد بعضهم على استراتيجية الإيهام بتغول حركة نداء تونس ومحاولة سيطرتها على الحكومة... والدليل القاطع على ضعف حجة من يدعي ذلك؛ هي النسبة الكبيرة من الفريق الاستشاري والحكومي لرئيس الحكومة من غير المنتمين لحزبنا، بما خلق نوعًا من الإحساس بالحرمان السياسي، حتى لدى بعض (إطاراتنا)، لكننا نحرص دائمًا على إعطاء الحرية لرئيس الحكومة لاختيار فريق عمله، وتوفير الظروف الملائمة لنجاح مهمته".
ويبدو لافتًا ما أشار إليه مدير حزب "النداء" من وجود محاولات "للالتفاف على نتائج الانتخابات"، وإن كان للشاهد بالفعل نية في ذلك، غير أن هذا الأمر قد يتعارض مع وثيقة قرطاج التي كانت تهدف إلى توسيع القاعدة الحزبية للحكومة.
وأضاف السبسي أن رؤية حزبه لضرورة هذا التحوير الوزاري العميق "تندرج ضمن فهمنا للشروط التي ينبغي أن تتوفر لفائدة النجاعة والفاعلية والانسجام في العمل الحكومي، بما يخدم مصلحة الشعب التونسي وانتظاراته قبل أي تقدير لمصلحة أشخاص أو أحزاب، لكن أيضًا لا يمكن واقعيًّا إنجاز هذه المهام دون الالتزام باختيارات الشعب التونسي التي عبر عنها في انتخابات أكتوبر 2014، وأعطت ثقتها لحركة "نداء تونس" كحزب أول فائز في الانتخابات، بما يقتضي احترام هذه الإرادة الشعبية، واحترام العملية الديمقراطية، وعدم القفز عليها تحت أي مسمى من المسميات".
وتنبه هذه الرسالة، التي دونها السبسي الابن على صفحته الرسمية في موقع "فيسبوك"، إلى عدد من المسائل؛ أولها أنها تكرر بالضبط ما كان أشار إليه القيادي في الحزب خالد شوكات منذ يومين، حين أشار إلى أن "أي تحوير وزاري لا يأخذ بعين الاعتبار مكانة حركة نداء تونس ودورها، ولا يضعها الموضع الذي يليق بها؛ لن يكون سوى مغامرة سياسية إضافية غير ذات جدوى"، مشيراً إلى أن "النداء سبق أن قدم التضحيات حتى تسير السفينة ولا يزال مستعداً، غير أن الأمر الذي لن يقبل به مرة أخرى أن يكون في نظر مركز القرار مجرد ماكينة لتمرير القرارات والسياسات التي لم يساهم في وضعها بما يتفق مع حجمه".
وجدير بالتذكير، مرة أخرى، أن اللقاء الذي جمع الرئيس السبسي الأب، بقيادات من "نداء تونس"، من بينهما نجله وشوكات، قد يكون تعرض لهذه المسائل تحديدًا، فهل تعكس هذه المواقف رؤية مؤسس النداء للتعديل القادم أم هي حلقة جديدة من الصراع الصامت بين الشاهد وأطراف من النداء؟
ويبقى أن احترام نتائج الانتخابات قد يعني، أيضًا، أن تكون حركة "النهضة" ممثلة في الحكومة، بصفتها الحزب الثاني في هذه الانتخابات، فهل هي دعوة أخرى للحكم المشترك بين الحزبين بشكل أساسي والإبقاء على بعض الوزراء الآخرين فقط؛ لعدم قتل وثيقة قرطاج نهائيًّا؟ أم أنها استباق وتمهيد لما هو أكبر من ذلك بكثير؛ كتغيير جذري يمكن أن يشمل رئيس الحكومة نفسه إذا لم يذعن لهذه الدعوات؟ يتساءل مراقبون.