تسير علاقات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مع بعض الدول العربية، بالتوازي مع مجريات "صفقة القرن" لتصفية قضية فلسطين التي جرى وضع ترتيباتها خلال زيارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى السعودية، في مايو/أيار الماضي، ووصل الأمر بنتنياهو إلى حدود التبجح، كما حصل في نهاية الأسبوع الماضي، حين خرج، خلال مؤتمر الأمن في ميونخ، ليقول "لم أكن أتخيل في حياتي أن تصل العلاقة مع بعض الدول العربية إلى مثل هذا التقارب".
وأضاف "صحيح أن العلاقات لم تصل إلى اتفاقيات سلام رسمية، لكنني أعتقد أن مستقبل عملية السلام على ضوء علاقاتنا الجديدة مع الدول العربية واعد جدا، بسبب التحالفات الاستراتيجية الجديدة بيننا وبين بعض الدول العربية".
وسبق ذلك حديثه في منتدى دافوس بسويسرا الشهر الماضي عن تحالفات "استثنائية" مع دول عربية، وقال حينها إن عداء إيران شجع دولا عربية، لم يسمها، على إقامة تحالفات استراتيجية مع إسرائيل، وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أشاد نتنياهو بما سماه "التعاون المثمر" بين إسرائيل ودول عربية، وقال إن ذلك التعاون هو بشكل عام أمر سري "إلا أنني واثق من أن العلاقات معهم ستستمر في النضوج، حيث سيسمح لنا ذلك بتوسيع دائرة السلام".
ورغم أن نتنياهو يقول إن التعاون يجري "بشكل سري" فإن ما هو مكشوف منه يكفي لرسم لوحة كاملة عن الوضع، وتحديدا ما يخص الحكام العرب الذين ينخرطون في التعاون مع إسرائيل، والأهداف التي يعملون من أجل الوصول إليها. ولا يحتاج المرء إلى عملية تنجيم سحرية كي يحزر من هم الحكام العرب الذين عناهم نتنياهو في تصريحاته المتوالية، فوسائل الإعلام الغربية حافلة بالمعلومات التي تكشف عن برامج ومخططات تعاون بين إسرائيل والسعودية ومصر وأبو ظبي والمنامة من جهة، ومن جهة ثانية هناك تصريحات صحافية رسمية وأعمال تعبر عن نهج هذه الدول فيما يخص الفزاعة الإيرانية.
وكشف وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري، من على منصة ميونخ أيضا، عن سر خطير حين تحدث حول طلب السعودية من الولايات المتحدة قصف إيران عام 2013.
يقصد نتنياهو بـ"التعاون السري" ما يجري بينه وبين ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، ولا يعني الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الذي لا يوفر فرصة من أجل بناء جسور التعاون مع إسرائيل، وهو يعمل على ربط مصر بصورة وثيقة جدا معها، على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية.
ووصل التنسيق والتعاون الانبطاحي إلى مواقف مشتركة في المحافل الدولية تخص قضايا العرب الرئيسية كما حصل في مجلس الأمن الدولي في أكثر من مرة. وعلى الصعيد الأمني يخوض السيسي منذ وصوله الحكم معركة أمن إسرائيل في غزة، وليس سرا أن قواته وأجهزته لعبت دورا أساسيا في تدمير الأنفاق التي كانت تشكل رئة تتنفس منها غزة المحاصرة، وصار واضحا أن الحرب في سيناء تجري بالتعاون بين الأجهزة المصرية والإسرائيلية.
تركز إسرائيل في هذه المرحلة على السعودية، وتأمل بتحقيق اختراق وإقامة علاقات تعاون، وتتوخى من وراء ذلك جرها إلى عملية التطبيع التي تريد إسرائيل منها الكثير، اقتصاديا وسياسيا وأمنيا، وهي تجد في الرياض اليوم بابا مفتوحا تدخل منه قلب العالمين العربي والإسلامي، علاوة على أن الولايات المتحدة أسندت للرياض، في صفقة القرن، دور قيادة قاطرة تصفية القضية الفلسطينية، الأمر الذي يرتب عليها مهمة جر المنطقة كاملة.
كلما ضاق الخناق على رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو جاءه المدد من حكام عرب متواطئين، يساعدونه، بكل الوسائل، كي يقفز فوق أزماته الداخلية المتلاحقة، وآخرها ملاحقة القضاء الإسرائيلي له بتهم تتعلق بالفساد.