نتنياهو والسير على حافّة الهاوية

07 مايو 2018
+ الخط -
بلغت الحملة التي يخوضها رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ضد الاتفاق النووي الإيراني، والوجود العسكري الإيراني في سورية، الذروة، في المؤتمر الصحافي الذي عقده قبل أيام، وكشف فيه ما يزعم أنها وثائق سرية إيرانية عن المشروع النووي، حصل عليها جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) أخيرا. كان تقديم نتنياهو المواد المزعومة أشبه بعرض مسرحي من الدرجة الثانية منه إلى تحليل سياسي رصين لمواد من شأنها أن تضع المنطقة على حافة الحرب. كان كل شيء في هذا المؤتمر مدروساً بدقة، لتحقيق الهدف الأساسي، أي تقديم الأدلة الملموسة إلى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لتبرير إعلان انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي يوم 12 مايو/أيار الجاري.
اعتبر نتنياهو الحصول على الوثائق السرية إنجازاً استخباراتياً كبيراً لإسرائيل التي استطاعت التسلل إلى العمق الإيراني، والحصول على دليل يثبت تضليل إيران، الدول الكبرى والمجتمع الدولي برمته. لكن السؤال كيف سيوظف نتنياهو هذا الإنجاز سياسياً من دون التورّط في مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران؟ وعلى افتراض أن ترامب قد يعلن الأسبوع المقبل انسحاب بلاده من الاتفاق النووي، كيف يمكن لهذه الخطوة أن تؤدي إلى وقف النشاط السري النووي الإيراني، إذا توقف العمل بالاتفاق، وتوقفت تالياً آليات الرقابة الدولية التي نص عليها الاتفاق؟ وهل ستكون المنطقة أكثر أمناً من دون اتفاق نووي مع إيران، أم أنها ستدخل مرحلة سباق على الحصول على السلاح النووي بين دول المنطقة كلها؟ وإذا نفّذ ترامب فعلاً تهديداته وخرج من الاتفاق، كيف يمكن التعويل بعد الآن على دور الدول الكبرى في الحؤول دون تدهور المنطقة إلى مواجهة بالأسلحة غير التقليدية؟
من يقرأ التحليلات الإسرائيلية يرى أن ما يريده نتنياهو فعلاً تعديل بنود الاتفاق، لا إلغاءه، 
بفرض عقوبات اقتصادية جديدة على طهران، تضعف اقتصادها، وتؤدي إلى تدهور قيمة عملتها، وزعزعة الاستقرار، وتحريض الناس على التمرّد على النظام، والخروج في مظاهرات احتجاج على الأزمة المعيشية، مثل التي شهدتها شوارع مدن إيرانية عدة في وقت سابق، وتعميق الخلافات بين معسكري المحافظين والمعتدلين.. باختصار الضغط على إيران اقتصادياً بهدف إحداث تغيير داخل النظام الإيراني. وهذا دليل سذاجة سياسية مطلقة، لأن من شأن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، إذا حدث، وترافق ذلك مع الهجمات الإسرائيلية ضد منشآت عسكرية إيرانية في سورية، توحيد الشارع الإيراني وراء زعامته السياسية، والتخفيف من حدة الخلافات الداخلية الإيرانية، بدلاً من مفاقمتها، من أجل مواجهة خطر الشيطان الأكبر أميركا والشيطان الأصغر إسرائيل.
من يتابع تصاعد التهديدات الإسرائيلية لإيران عسكرياً وسياسياً يخيل إليه أن نتنياهو يعمل وفق خطة مدروسة وموضوعة سلفاً لمواجهة إيران على الصعيدين، الدبلوماسي والعسكري، في آن معاً. لكن لدى التمعن أكثر في ما يجري داخل إسرائيل، نجد أن قيادة الجيش الإسرائيلي التي تقود حالياً الخط المتشدد تجاه الوجود العسكري الإيراني في سورية، وتبذل كل ما في وسعها لكبح هذا الوجود. هي من جهة أخرى مع الاتفاق النووي مع إيران. وسبق أن وقفت بشدة ضد التوجهات الإسرائيلية بصورة خاصة في سنة 2012 شن عملية عسكرية إسرائيلية ضد المنشآت النووية في إيران. وما يزال موقف القيادة العسكرية من الاتفاق على حاله اليوم أيضاَ.
وهكذا نجد أنفسنا أمام المشهد المعقد التالي: نتنياهو يريد زعزعة الاتفاق مع إيران، وهذا ما لا يريده الجيش الإسرائيلي في الفترة الراهنة. من ناحية أخرى، يريد الجيش اقتلاع الوجود 
العسكري الإيراني من سورية، من دون التدهور إلى حرب. إنها سياسة السير على حافة الهاوية. وتزامُن العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد القواعد الإيرانية في سورية مع استراتيجية نتنياهو إبطال الاتفاق النووي، يفاقم بصورة كبيرة من احتمالات نشوب مواجهة عسكرية مباشرة بين إسرائيل وإيران، قد لا تقتصر على سورية ويمكن أن تمتد إلى لبنان، وقد تصل في أقسى الحالات إلى العمق الإيراني.
يواجه الجهد الكبير الذي بذله رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غادي أيزنكوت، لإعداد الجيش الإسرائيلي للحرب المقبلة، اليوم، عقبة كبرى، هي عدم وجود رؤية سياسية واضحة لدى القيادة السياسية الإسرائيلية للمرحلة المقبلة، والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها. والقرار الذي اتخذته الحكومة أخيرا بجعل إعلان الحرب من صلاحية رئيس الحكومة ووزير الدفاع، من دون الحاجة إلى رأي سائر الوزراء، يجعل الوضع أكثر تعقيداً وإشكالية.
يعتقد نتنياهو أنه سينجح في إخضاع إيران دبلوماسياً، من دون أن يدفع الثمن، كما يظن الجيش الإسرائيلي أنه قادر على تحجيم نفوذ إيران في المنطقة، من دون أن يدفع الثمن أيضاَ. وهذا رهان كبير محفوف بالمخاطر.
رندة حيدر
رندة حيدر
رندة حيدر
كاتبة وصحافية لبنانية متخصصة في الشؤون الإسرائيلية
رندة حيدر