نتنياهو حائر: "جنّة" ليفني أم "جحيم" بينيت؟

08 فبراير 2014
+ الخط -
توفّر صحف نهاية الأسبوع في إسرائيل، فرصاً للاطلاع على المجريات الداخلية وما يدور وراء كواليس السياسة بشكل يفسّر بعض تصريحات أقطاب السياسة في دولة الاحتلال. ففيما ظن كثيرون أن وزير الاقتصاد، رئيس حزب "البيت اليهودي"، نفتالي بينيت، قد صعَّد من تهديداته لحكومة بنيامين نتنياهو وائتلافه الحالي بالانسحاب من الحكومة إذا أقدم "بيبي" على القبول بمقترحات وزير الخارجية جون كيري، فقد كشفت صحف اليوم أن تصريحات بينيت تؤكد من جديد أنه لا توجد سياسة خارجية لإسرائيل، بل تعتمد أساساً على السياسة الداخلية والمزايدات بين مختلف أحزابها.

وكشف الملحق الأسبوعي لصحيفة "معاريف"، اليوم، أن تصريحات بينيت هدفت إلى كسب المزيد من النقاط داخل معسكر اليمين، وتكريس قوّته ومكانته الشخصية، بعدما أخذ مسبقاً تعهّداً من نتنياهو شخصياً بعدم طرح مقترحات كيري على الحكومة الإسرائيلية، لإقرارها أو للتصويت عليها.

وبحسب "معاريف"، فإنّ هذا ما دفع وزير المالية ورئيس حزب "يوجد مستقبل"، يائير لبيد، إلى التأكيد على أن حزبه سينسحب من الحكومة إذا ما تمّت المصادقة على مقترحات كيري. ويمثل هذا الكشف في هذه الصحيفة، تأكيداً إضافياً على حقيقة توجهات حكومة نتنياهو، القاضية إلى كسب المزيد من الوقت عبر المفاوضات، سعياً للحفاظ على التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، بانتظار أن يُقدِم الفلسطينيون أنفسهم على رفض مقترحات كيري، وبالتالي إخلاء "ساحة إسرائيل" من تهمة إفشال المفاوضات.

الكاتب الصحافي ناحوم برنيع، يكشف بدوره في "يديعوت أحرونوت"، أن نتنياهو الذي كان متشككاً في نوايا ليفني، اكتشف في الفترة الأخيرة، حقيقة مساهمتها في تثبيت موقفه ورؤيته بشأن المفاوضات و"الدولة الفلسطينية"؛ فقد استطاعت ليفني أن تقنع كيري بإضافة بند يهودية الدولة على اتفاقية الاطار المنوي توقيعها في مارس/ آذار المقبل، علماً أن "بيبي" وفريقه لم يستطيعا إقناع الطرف الأميركي بذلك الشرط. هي ليفني التي، بحسب برنيع، باتت تحظى بتأييد أميركي، وتتمتع بصورة "حمامة السلام"، وتُعتبر خليفة لشمعون بيريز. ولم تقتصر مساهمة ليفني على ذلك فحسب، فهي التي أبعدت الأوروبيين عن المفاوضات، وحالت دون وصول الفلسطينيين إلى الهيئات الدولية في الأمم المتحدة.

لكن مقترحات كيري، كما يقول برنيع، ستُطرح لا محالة قبل نهاية الشهر الجاري، لأن نتنياهو سيشارك في المؤتمر السنوي للوبي الإسرائيلي في واشنطن "إيباك"، بحضور آلاف النشطاء اليهود المؤثرين في السياسة الأميركية، وهو ما سيزيد من الضغوط على الرئيس باراك أوباما بعدم التشدد إزاء نتنياهو.

وبحسب برنيع، فإن أوباما بات اليوم، أكثر من أي وقت مضى، متشككاً بفرص نجاح مهمة كيري، ليزيد بذلك من صعوبة مهمة كيري، الذي يتعيّن عليه الآن أن يقنع، ليس زعماء الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني فحسب، بل أيضاً رئيسه هو أيضاً. من هنا، يرى الصحافي عينه أن الأميركيين، وبفعل خبرتهم وتجربتهم الطويلة، أدركوا أنه لا مفرّ من اختصار الورقة الأميركية، وأن تنص على مفاوضات على أساس حدود الـ67، ما يعني عملياً مصاعب قد يواجهها نتنياهو في الاحتفاظ بائتلافه الحالي. هكذا، قد يخرج بينيت من الحكومة، وليفني تنتظر توسيعها بضم حزب العمل اليها، وبالتالي سيكون على نتنياهو أن يختار بين "جنة" ليفيني، المتمثلة بالمضي في المفاوضات وفق مقترحات كيري، وبين "جهنم" بينيت.

لكن في المقابل، فإن وزير الإسكان الإسرائيلي، أوري أريئيل، من حزب البيت اليهودي (حزب بينيت)، وهو أصلاً مستوطن، يؤكد لمراسل "معاريف" أن نتنياهو لن يُخرج يهودياً واحداً من المستوطنات، ولن يوقّع على خطة شارون. ويذهب أريئيل أبعد من ذلك إلى القول إن الائتلاف الحكومي قد يغير صورته، ومن الوارد جداً أن يخرج لبيد من الحكومة، وعندها سنحضر لنتنياهو أحزاب الحريديم.

وسيريح سيناريو خروج بينيت، نتنياهو أيضاً، على صعيد الساحة الداخلية والمواجهة المحتملة مع الحريديم على خلفية قانون تجنيدهم، وفرض المخالفات الجنائية ضد المتهربين منهم من الجيش. ومن دون لبيد، وبوجود الحريديم، يمكن للحكومة أن تكتفي بالغرامة المالية، وأن تؤجل وتماطل في إنهاء القانون، وبالتالي يجنّب نتنياهو نفسه مشكلة مواجهات مع الحريديم، قد تؤدي إلى شرخ آخر داخل المجتمع الإسرائيلي، وتكرّس القطيعة بين الليكود والحريديم، ليعود هؤلاء لاحقاً في الانتخابات المقبلة إلى حضن اليسار.

وإذا كان هذا غير كافٍ، فإن محلل الشؤون الحزبية في "هآرتس"، يوسي فيرتر، يؤكد بدوره أن نتنياهو لن يسير على خطى شارون في الانسحاب أحادي الجانب، ولن يقدم على خطوة سياسية تحتّم عليه في نهاية المطاف شقّ "ليكود" والخروج منه لصالح تسوية مع الفلسطينيين. ويورد فيرتر في هذا السياق، نقلاً عن أعضاء كنيست في الليكود، تصريحات لنتنياهو طمأن فيها رفاقه في الليكود بأنه لا يعتزم على الإطلاق شق الحزب والاتجاه "لانفجار" جديد في السياسة الإسرائيلية، على غرار انسحاب شارون وتشكيل "كديما". غاية الكلام أن رئيس الحكومة لا يعتزم ترك "رَبعه"، والرَّبع (أو القبيلة) في عرف نتنياهو هي قواعده السياسية الفكرية والحزبية والانتخابية، أي اليمين الإسرائيلي.

بين "جنة" ليفني وما تعده به من تأييد شعبي عارم، وبين "جهنم" بينيت وشروط معقله الفكري والحزبي والانتخابي، يعتزم نتنياهو اختيار "الجحيم"، لكن هذا الجحيم سيكون وفقاً لقرار "ليكود". ففيرتر يكرر أن نتنياهو لا يعتزم بأي حال طرح مقترحات كيري على الحكومة للمصادقة عليها. فقد أبلغ رفاقه في الحزب أنه لن يقدم على مثل هذه الخطوة، لأن الحديث يدور عن ورقة أميركية غير ملزمة، ستقدّم إسرائيل عليها تحفظاتها، وليس عن اتفاق مع الفلسطينيين.

دلالات
المساهمون