نتائج الانتخابات التونسية

30 أكتوبر 2014

في إعلان نتائج جزئية للانتخابات التونسية (28 أكتوبر/2014/الأناضول)

+ الخط -
الفرح غمر قطاعاً من الناشطين، لا شك، كبيراً، على ضوء نتائج الانتخابات التونسية التي أدت إلى تراجع قوة حركة النهضة، لتصبح الحزب الثاني في البرلمان الجديد. الفرح هو نتاج هزيمة الإسلام السياسي، وهذه المرة عبر الانتخابات، وليس عبر الثورة، كما في مصر. على الرغم من أنه بعد مصر، كان واضحاً أن وضع الإسلام السياسي لم يعد كما كان، وأنه بات يعيش حالة انحسار، سوف تقود إلى تهميشه، فقد انتهت الرمزية التي تحصّل عليها في السنوات السابقة، وجعلته يظهر بديلاً ممكناً، وأعطته "الأحقية" لأن يصل إلى الحكم.
انتهت هذه الرمزية بالضبط، لأن حكمه، من جهة، لم يحمل حلاً لمشكلات الفئات الفقيرة التي راهن بعضها عليه فانتخبه، ولأن حكمه استثار فئات وسطى متسعة، كانت من حزب الكنبة، كما يطلق عليها في مصر، نتيجة تلمّس الميل إلى فرض نظام "إسلامي"، والاستحكام في السلطة. لهذا، تخلى عنه "القطاع الشعبي" الذي دعم وصوله إلى السلطة، لكنه بات يواجه معارضة شديدة من الفئات الوسطى، الليبرالية والعلمانية، وحتى المدنية بالمعنى الشعبي. وكذلك، بالتالي معارضة المفقرين عموماً الذين مالوا إلى عدم الثقة بالمسار الانتخابي كله (وهذا ما يفسّر تراجع نسب المشاركة في الانتخابات). بهذا، دعمت الفئات الوسطى حزباً "مدنياً"، بغض النظر عن سياساته وتاريخه وارتباطاته، حيث بات ما يستحكم النظر هو إبعاد الإسلام السياسي عن السلطة.
لكن، هذا المنظور قصير النظر، وسلبي. وربما كانت الفئات الوسطى المندفعة إلى إبعاد الإسلام السياسي هي كذلك، لكن المشكلة في أن يكون هذا بديل قطاعات مجتمعية على عاتقها تحقيق التغيير. فنجد أن "القوى المدنية" التي تشمل تيار الليبراليين والديمقراطيين وبعض قطاعات اليسار (أو حتى أوسع) تتعامل مع الأمر وكأنها انتصرت، أو أنها حققت خطوة كبيرة ومهمة. وربما ذلك صحيح فيما يتعلق بتراجع وضع الإسلام السياسي الذي، كما أشرت، كان واضحاً تراجعه على مستوى الموقف الشعبي، لكن ذلك لا يعني كثيراً على صعيد الوضع الشعبي ذاته. فإذا كانت هناك فئات وسطى فرحة لتراكم حكم الإسلاميين، فإن الفئات المفقرة التي تمثّل الأغلبية الشعبية لن تحصد شيئاً، وربما تؤدي هذه النتيجة إلى وضع أسوأ. على الرغم من أن وضع السلطة، على ضوء توزّع المقاعد في البرلمان الجديد، وعلى ضوء الحاجة إلى سلطة قوية، في وضع قلق شعبياً، وسياسات لا تحمل حلولاً للشعب، سوف يفرض التحالف بين "نداء تونس" وحركة النهضة. وهذا سوف يريح الفئات الوسطى المتخوّفة من "الأسلمة"، لكنه سوف يعزز الميل السلطوي للاستمرار في السياسات الاقتصادية التي يقررها صندوق النقد الدولي، والتي تعني (كما ظهر في الفترة السابقة) تحريراً مستمراً للاقتصاد، وزيادة الأسعار، والإغراق في السياسة الليبرالية التي أدت، أصلاً، بمستواها السابق إلى الثورة.
في الانتخابات، جرى النظر إلى الصراع بين "الديني" و"المدني"، وكان الطموح لهزم "الديني"، لكن المشكلة أعمق، وعبّر عنها تراجع نسب المشاركة، حتى عمّا كان سنة 2011 (تقلص العدد بنسبة الثلث كما ذكرت الصحف)، وأصلاً مع عدم مشاركة أكثر من النصف. فهؤلاء المقاطعون، وأغلبهم شباب (كما في مصر)، لا يثقون بالمسار الديمقراطي هذا، بالضبط لأنهم يعرفون أن الوضع سوف يأتي بأحزاب لا تحمل حلاً لمشكلاتهم، وأن السلطة فقط تجدد ذاتها على المستوى "السياسي" (أو الأشخاص) من دون أن تتغيّر على المستوى الاقتصادي، بما يحقق المطالب التي رفعها الشباب منذ اللحظة الأولى للثورة: العمل استحقاق يا عصابة السراق. وهؤلاء، بالتالي، ليسوا معنيين لا بنداء تونس الذي يعيد الماضي، ولا بحركة النهضة التي استمرت في السياسة الاقتصادية نفسها. وسيبدو لهم أن الانتخابات عملية فائضة عن الحاجة، بالضبط، لأنها تكرس واقعهم القائم.