تواجه كراتشي موجة حرّ شديدة، أدّت إلى مقتل أكثر من 1300 باكستانيّ، أكثرهم من المناطق الفقيرة. الناشط الاجتماعي محمد فاضل يتحدّث عن وعود الحكومة المتكررة باحتواء ما وصفته المؤسسات الحقوقيّة بالأزمة الإنسانيّة.
تشكّل مدينة كراتشي عاصمة إقليم السند العمود الفقري لاقتصاد باكستان، وتعدّ العاصمة الاقتصادية للبلاد. لكن هذه المدينة التي يبلغ عدد سكانها نحو عشرين مليون نسمة، تعاني. ويمكن الحديث هنا عن ملفات اجتماعية ساخنة، إلى جانب الأزمة الأمنية الحادة المتمثلة في حرب العصابات والصراع العرقي وأنشطة الجماعات المسلحة. وقد هُمّشت بالتالي جميع الملفات الاقتصادية.
- تراقبون الأوضاع في كراتشي منذ بداية الأزمة، كيف تقيّمونها اليوم؟
دعني أقول بصراحة إن الوضع كان أكثر مأساوية في كراتشي في الأيام الماضية، وقد تناولته الوسائل الإعلامية المحلية والدولية. لكن ثمة أمراً لم تتناوله وسائل الإعلام، وهو أن موجة الحر الشديد لم تقتصر فقط على تلك المدينة، وإنما امتدت إلى مناطق أخرى من الإقليم. ولأن تلك المناطق بعيدة، لم تهتم بها وسائل الإعلام، وبالتالي لم يعرف مدى حجم الخسائر البشرية هناك. وبالرغم من سوء أحوال سكان تلك المناطق كمدينة حيدر آباد وتهر، إلا أن الأزمة الحقيقة كانت وما زالت في كراتشي. صحيح أن حدّة الوضع خفت إلى حد كبير، غير أننا معرضون في أي وقت لكارثة إنسانية أخرى، نتيجة غياب الجهود الحقيقية، لا سيما أن الحر مستمر ويحصد أرواح المواطنين حتى ولو بوتيرة أخف.
- ما الخطوات التي لجأت إليها الحكومة لحلّ هذه المشكلة؟
الحكومة وكما تفعل دائماً، اكتفت بالوعود وبزيارات قام بها المسؤولون للمستشفيات، أمور أخرى من هذا القبيل. تجدر الإشارة إلى أن ثمة مشكلة أخرى تعاني منها كراتشي، وهي السبب الحقيقي في تهميش معظم ملفاتها الاجتماعية، وهي الخلافات بين الحكومة الإقليمية التي يتزعمها حزب الشعب الباكستاني برئاسة (رئيس الباكستان السابق) آصف علي زرداري، وبين الحكومة المركزية التي يتزعمها حزب الرابطة الإسلامية جناح نواز شريف. وهذان الحزبان في مناسفة دائمة، بالتالي تبقى المدينة ضحية التجاذبات السياسية.
- كيف تقيّمون وضع المستشفيات وتَعاملها مع المتضررين من الحرّ؟
وضع المستشفيات أفضل نسبياً الآن، لكنها ما زالت غير مستعدة في اعتقادي، لاستقبال أعداد كبيرة من المرضى، كما حدث في خلال الأيام الماضية. وهو ما يشير إلى عدم جذرية التغيرات. مشكلتنا في هذه البلاد هي أن السلطات تتخذ عادة إجراءات مؤقتة عند وقوع أي أزمة، لكن مع انتهائها تعود الأمور إلى ما كانت عليه.
- زار رئيس الوزراء نواز شريف أخيراً كراتشي لمناقشة الوضع...
صحيح، وناقش القضية مع المسؤولين في الحكومة المحلية، وقد وعد باتخاذ خطوات حازمة لحلّ القضية. كان سكان المدينة يتوقعون إقالة بعض المسؤولين، خصوصاً في إدارة الكهرباء والمياه والصحة، غير أنه لم يفعل ذلك مع الأسف. ما حدث بالفعل، هو أنه ألقى اللوم على الحكومة المحلية، أما الأخيرة فألقت بدورها اللوم على شركات الكهرباء والمياه التابعة للحكومة المركزية، وانتهى الموضوع.
- ما هو الدور الذي اضطلعت بع المؤسسات الخيرية؟
كان لبعض المؤسسات الخيرية دور إنساني فعال وأنقذت حياة الآلاف، في حين كنا نتوقع ذلك من الحكومة التي تملك إمكانات أكبر. وأذكر هنا مؤسسة "إيدهي الخيرية" ومؤسسة "تشيبا"، اللتَين كانتا تعملان على مدار الساعة لنقل المصابين إلى المستشفيات والمراكز الصحية وتوفير الإسعافات الأولية لبعضهم في المنازل. وليس هذا فحسب، بل كانتا تقومان بدفن الموتي. لكنهما عجزتا في النهاية عن ذلك، نظراً لحجم الكارثة وقلة الإمكانات المتوفرة لديها. إلى ذلك، لا ننسى دور أثرياء البلاد الذين قدّموا الدعم بطرق مختلفة عبر المستشفيات الخاصة والمؤسسات الخيرية، بالإضافة إلى المساعدة والدعم المالي لأسر الضحايا، لا سيّما الفقراء منهم.
اقرأ أيضاً: علي أصغر خان
- وما هو دور الجيش؟
الجيش الباكستاني دوماً في الطليعة عند وقوع الكوارث والأزمات، كذلك الأمر في كراتشي حيث تعمل فرق الإغاثة التابعة له على مدار الساعة في مختلف مناطقها. وللمستشفيات الميدانية والمراكز الصحية التي استحدثها الجيش أمام المستشفيات المركزية، دور متميّز في إنقاذ أرواح آلاف المواطنين. والمتضررون من الحرّ الشديد يتوجهون إلى مراكز الجيش قبل الذهاب إلى المستشفيات التي تعاني من قلة الوسائل والإمكانيات. كذلك توزّع فرق الجيش المياه الباردة والثلج وغيرها من الضروريات على المواطنين في أرجاء المدينة.
- تدّعي الحكومة أن سبب كثرة الوفيات هو موجة الحرّ غير المسبوقة، فيما يعيده ناشطون إلى الحرّ وكذلك إلى أزمة الكهرباء والمياه التي فاقمت المشكلة. ما رأيكم؟
ما لا يمكن إنكاره هو أن كراتشي شهدت هذا العام موجة حرّ غير مسبوقة. حتى المسنون في المدينة، لا يتذكرون حراً كحرّ هذا العام. لكن ثمّة حقيقة أخرى لا تقبلها الحكومة، وهي أن أكثر الضحايا هم من المناطق والقرى المحرومة من الكهرباء والمياه. أقول إن سبب وفاة المواطنين هو الحرّ إلى جانب أزمة المياه والكهرباء. والحكومة تعرف ذلك لكنها تهرب من المسؤولية.
- وماذا بخصوص أزمة الكهرباء والمياه، وهل ثمّة جديد بعد تحرّك السلطات؟
أقول وبكل صراحة إن لا جديد في الموضوع، وكان الأمر أسوأ في شهر رمضان المنصرم، إذ كانت المدينة تُحرم من التيار الكهربائي لساعات طويلة. في كل مرّة، تقدّم الحكومة وعوداً جديدة وتتوعّد بمحاسبة المتورطين في القضية. لكن في نهاية المطاف الأزمة تستمر والمواطن يعاني.
بالنسبة إلى المياه، ما من أزمة حقيقية إنما هي من صنع بعض المسؤولين. ثمّة مافيا تبيع المياه للمواطنين، بالتالي يأتي استمرار الأزمة لصالحهم. ويمكننا أن نرى في كل صباح، طوابير طويلة من المواطنين أمام مراكز المياه، والمسؤولون يشاهدون ذلك. البعض يقرّ بأن الأزمة من صنع السياسيين، لكن أحداً لا يجرؤ على رفع صوته.
- ما الحلّ إذاً؟
في اعتقادي، الحلّ يكون بتشكيل نظام البلديات في أسرع وقت ممكن، وإلا فإن الأمور تتجّه إلى التدهور أكثر. إلى متى ينتظر الشعب؟ العقبة الأساسية في سبيل تشكيل البلدية هي الأحزاب السياسية نفسها. الأموال التي من المفترض أن تصرف على تطوير المدينة من خلال البلدية، يصرفها نواب البرلمان المنتمون إلى تلك الأحزاب، التي لا ترغب في نظام البلديات. كذلك، يكمن جزء من الحل في احتواء الصراع السياسي القائم ما بين الحكومة المركزية والحكومة الإقليمية.
ناشط اجتماعيّ
محمد فاضل من مدينة بشاور في شمال غرب البلاد، وهو يعمل منذ عام 2001 في المجال الاجتماعي والحقوقي، ويدير، منذ ذلك الوقت، مؤسسة "بسترا" الإنسانية المهتمة بشؤون الأطفال والأرامل والنساء والتي تطاول نشاطاتها الطبقات الفقيرة. تابع فاضل دراسته في جامعة بشاور وحصل على شهادة بكالوريوس في الأدب الأردي، قبل أن ينال شهادة ماجستير في المجال نفسه. في خلال دراسته الجامعية، كان يهتمّ بشؤون الطلاب، ونشط كعضو فاعل في النقابات الطالبية.
اقرأ أيضاً: الحَرّ القاتل يحرق أكثر من 1200 باكستانيّ