نازح بيئي... مواطن

30 يناير 2018
راعية عرفت النزوح الداخلي (مصطفى أوزر/ فرانس برس)
+ الخط -
وقف قبالتي بطوله الفارع على ساق واحدة تشبه العصا المرتكزة أرضاً على مسافة من قدم مفلطحة تشي بكمّ المسافات التي قطعتها. نوح ابن الثلاثين أو أكثر بقليل، يبدو ككهل عركته الحياة. ألم تفعل؟

ويحدّثك بلغة يمزج فيها لغة القرآن التي تعلمها باكراً بتراكيب حديثة، لعلّه استقاها من الراديو الذي لا يفارقه. "البلاد دي فيها خير كثير... هناك فقدنا سعية كثيرة". جملة قصيرة يقرّر فيها حال مئات الرعاة القادمين من غرب أفريقيا خلف مواشيهم، بعدما ضربت مناطقهم موجات الجفاف الكبرى، فنزحوا إلى حيث الغنى البيئي في ولايات الشرق والجنوب الشرقي السودانية (القضارف والنيل الأزرق). هنا، ما زال المطر يهطل وإن بكميّات أقلّ، لكنّ الأنهار والخيران والأراضي المنخفضة (الميعات) توفّر لهم ما افتقدوه هناك.

وكما أنّ الأراضي رحبة، كذلك هي الصدور، لا بل أكثر رحابة. وذلك يكفي ويسمح للقادمين بمشاركة الماء والكلأ، إذ إنّ السابقين أنفسهم كانوا قد قدموا إلى هنا من مناطق اللاحقين. يُذكر أنّ منهم من آثر الإقامة في طريق عودته من الأراضي المقدّسة، ومنهم من جاء بحثاً عن فرص عمل في مشاريع زراعية فاستوطن متيقّناً. ويكفي قليل من التذاكر حول الجغرافيا والتاريخ لتهيئة سبل الاستئناس والبقاء، ثمّ إنشاء مستوطنات وفق مقدّرات التعايش.

كثيراً ما يُنسَب النزوح الداخلي في أفريقيا إلى الحروب. لكنّ تقريراً صادراً عن شبكة رصد السودان، كشف أنّ للكوارث الطبيعية الناتجة عن التغيّر البيئي دورها، فقد أجبرت عشرات الملايين على النزوح من منازلهم في 33 دولة أفريقية في عام 2015. وحول عمليات رصد النزوح، قالت المقرّرة الخاصة للاتحاد الأفريقي حول اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين والنازحين، مايا السهلي فاضل، إنّ "رصد النزوح الداخلي تحسّن في العقود الأخيرة، لكنّ ثمّة ثغرات كثيرة ما زالت في معرفتنا"، مؤكدة أنّ الجفاف ومشاريع التنمية هما أبرز عوامل النزوح في أفريقيا.

ويتحدّث روجر زيتر وجيمز موريسي عن الضغوط البيئية والتهجير وتحدي حماية الحقوق، وذلك في إطار ما يُثار حول فجوة الحماية التي يعاني منها المُهجّرون بفعل الكوارث البيئية، نظراً إلى ما يكفله القانون الدولي والمحلي لمجموعات المُهجّرين في مناطق عدّة. وفي ضوء الاستثناء الذي قامت به "اتفاقية كمبالا" أو اتفاقية الاتحاد الأفريقي لحماية النازحين داخلياً في أفريقيا ومساعدتهم لعام 2009، فإنّه لا وجود للصكوك أو القواعد القانونية الدولية التي تتعامل على نحو خاص مع حماية حقوق من يُعزى سبب تهجيره إلى العوامل البيئية أو المناخية. أمّا نوح ورفاقه فقد نالوا أكثر ممّا كفلته لهم القوانين، من قضايا السلامة والأمن والكرامة، والحد من ظروف الاستضعاف، إلى جانب تأمين بعض الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والثقافية وحرية التنقل.

*متخصص في شؤون البيئة

المساهمون