نازحو "خفض التصعيد" يضغطون على تركيا للعودة إلى منازلهم

13 سبتمبر 2020
تظاهرات في مناطق متفرقة من محافظة إدلب (فرانس برس)
+ الخط -

لا تزال مشكلة نازحي إدلب وما حولها نقطة عالقة منذ إبرام الاتفاق الروسي- التركي الذي أوقف العمليات العسكرية في الخامس من مارس/ آذار الماضي، وسبق ذلك نزوح أكثر من 1.7 مليون مدني من مدنهم وقراهم في كل من أرياف حماة الشمالي والغربي وإدلب الجنوبي والشرقي وحلب الغربي والجنوبي. 

وتتبع هذه المدن والقرى لـ"منطقة خفض التصعيد" (إدلب وما حولها)، ولم يتضمن الاتفاق الأخير بنوداً واضحة حول عودتهم إلى مدنهم وقراهم، سوى تمرير الإشارة إلى ذلك في ديباجة الاتفاق.

ويوجه نازحو إدلب وما حولها أصابع اللوم نحو الضامن التركي وفصائل المعارضة المتحالفة معه لأمرين، الأول الاستهتار بعملية الدفاع عن المناطق والمساحات التي قضمها النظام تدريجياً في معارك متفرقة منذ بداية العام الماضي، والثاني لعدم حسم مسألة إعادة النازحين ضمن بنود الاتفاق الأخير بشكل واضح وصريح.  

وخرجت، الجمعة الماضي، ثلاث تظاهرات في مناطق متفرقة من محافظة إدلب شمالي غرب سورية، شارك فيها نازحون من جميع المناطق التي دخلها النظام وحلفاؤه من "منطقة خفض التصعيد"، لمطالبة الضامن التركي بالوقوف عند مسؤولياته والضغط باتجاه عودة النازحين إلى مدنهم وقراهم، سلماً أو حرباً، بحسب المتظاهرين. 

 

وكانت أكبر التظاهرات الثلاث تلك التي تجمهر خلالها النازحون أمام معسكر المسطومة جنوبي مدينة إدلب، الذي يعد التجمع الأضخم للجيش التركي في محافظة إدلب، حيث طالب النازحون عناصر وضباط النقطة بالإجابة عن تساؤلاتهم حول مسألة عودة النازحين، ومبرر وجود القوات التركية في إدلب إذا لم تتخذ إجراءاتها ومسؤولياتها بحماية المدنيين.  

وأشار مصدر من بين المتظاهرين، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن المتظاهرين أمام المعسكر التركي في المسطومة انتدبوا من بينهم عددا من الأشخاص للقاء ضابط داخل المعسكر لنقل معاناتهم بعد أشهر طويلة من النزوح وضرورة التحرك لإنهاء تلك المأساة.

وقال المصدر ذاته، نقلاً عن أحد المتظاهرين الذين قابلوا الضابط التركي، إن الضابط أبلغهم أنه في غضون أسبوع سيكون هناك حل لمسألة النازحين، مؤكداً ذلك بأن تحركات ملموسة ستحدث على الأرض، دون الإفصاح عن ماهيتها.  

لكن أحد النازحين من ريف حلب الجنوبي، والذي فضل عدم الكشف عن اسمه في حديث مع "العربي الجديد"، شكك في رواية الضابط التركي، معتبراً أن كلامه يأتي ضمن سياسة التسويف وإطلاق الوعود التي لم ينفذ الأتراك أياً منها، مشيراً إلى أن "الجيش التركي لو كان مهتماً بعودة النازحين، لما سمح أساساً بتقدم النظام إلى مدننا وقرانا التي تنتشر نقاطه حولها".

المتظاهرون أمام المعسكر التركي في المسطومة انتدبوا من بينهم عددا من الأشخاص للقاء ضابط داخل المعسكر لنقل معاناتهم بعد أشهر طويلة من النزوح وضرورة التحرك لإنهاء تلك المأساة  

 

وقبل توقف المعارك بإعلان وقف إطلاق النار في بداية مارس/ آذار، هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان النظام وقواته بشن عمل عسكري ضده في حال لم ينسحب إلى ما وراء نقاط المراقبة التركية في "منطقة خفض التصعيد" (إدلب وما حولها)، وذلك على خلفية مقتل أكثر من ثلاثين جندياً تركياً بقصف للنظام طاول رتلاً تركياً جنوبي إدلب، ورغم أن تلك العملية العسكرية التركية بدأت في أواخر شباط/ فبراير المنصرم، بمشاركة فصائل المعارضة، وتكبد النظام وقواته وحلفاؤه خلالها خسائر فادحة، إلا أنها توقفت مع إعلان الاتفاق، من دون أن يعيد الأتراك مطالباتهم للنظام بالعودة إلى ما وراء نقاط مراقبتهم.  

ومنذ توقيع الاتفاق وإلى اليوم، دفع الجيش التركي بآلاف الجنود والآليات إلى إدلب لتعزيز نقاطه وإنشاء نقاط إضافية، ولا سيما بالقرب من خطوط التماس مع قوات النظام. 

وتشير إحصائيات غير رسمية إلى أن تعداد القوات التركية في إدلب فاق 20 ألف جندي، نسبة منهم من قوات "الكوماندوس" ذات التجهيز والتدريب العالي، في حين أدخل الجيش التركي إلى إدلب حوالي 8500 آلية، أغلبها من الدبابات والمدرعات المتطورة، بالإضافة إلى مدافع الميدان التي من ميزاتها ضرب خلف خطوط العدو، كما نشر الجيش التركي ثلاث منظومات للدفاع الجوي في مناطق مرتفعة في إدلب، اثنتان محليتا الصنع، وأخرى أميركية تم نصبها على قمة "النبي أيوب" في جبل الزاوية (950 متراً فوق سطح البحر) وهي أعلى قمة في إدلب.  

وبالإضافة إلى ذلك، يوجد آلاف المقاتلين من قوات المعارضة السورية الذين تدعمهم تركيا، والقادرين على التحرك والمناورة في إدلب بسهولة، كون معظمهم من أبناء المحافظة، وباتت لديهم الخبرة والكفاءة العالية في القتال والمواجهة، ولا سيما في معارك حرب الشوارع التي اعتادوا عليها خلال سنوات من الحرب.  

كل ذلك يجعل المدنيين في إدلب والنازحين على وجه الخصوص يزيدون من ضغطهم على الأتراك والفصائل للتحرك لحل مشكلة النزوح، التي زاد من معاناتها الازدحام السكاني وانتشار فيروس كورونا، بالإضافة للفقر وانخفاض فرص العمل، في ظل وجود عدد كبير من النازحين والسكان الأصليين في مناطق وسط وشمال إدلب، بالإضافة إلى آلاف المهجرين من محافظات سورية مختلفة.  

ولا يعتقد عبد اللطيف رحوم، وهو ناشط ونازح من مدينة معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي، أن المظاهرات والاحتجاجات أمام النقاط العسكرية التركية في إدلب يمكن أن تأتي بنتيجة إيجابية لحل مشكلة عودة النازحين إلى مدنهم وقراهم، معتبراً أن "هذه المظاهرات يجب أن تكون متوجهة للفصائل التي تحكم المنطقة بشكل رئيسي".

 

وأشار رحوم، في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أن "الفصائل هي المعنية بحل مسألة النازحين، إما بالضغط على حليفها التركي للتحرك، أو بفتح عمل عسكري ضد قوات النظام، التي لن تنسحب إلا بالقوة"، مبرزا أن "الموقف التركي اقتصر طوال الفترة الماضية على الأقوال دون الأفعال، في حين قضمت روسيا وحليفها النظام المساحات الواسعة أمام أعين الجميع، وكان الجانب التركي يطلق التصريحات فقط، سوى من الأيام الأخيرة للمعارك عندما وجه ضربات موجعة للنظام، وهذا يعني أنهم قادرون على ذلك".  

وأقرت مباحثات أستانة، بين كل من إيران وتركيا وروسيا، إدلب وما حولها، أو "منطقة خفض التصعيد الرابعة"، التي تضم كامل إدلب وأجزاء من أرياف حماة الشمالي والغربي، وحلب الجنوبي والغربي واللاذقية الشرقي، منطقة للمعارضة بإشراف وضمان تركي، ونشرت 12 نقطة مراقبة للجيش التركي في محيطها في مايو/ أيار 2017، وأعيد تثبيت حدود المنطقة باتفاق سوتشي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس أردوغان في سبتمبر/ أيلول 2018.  

إلا أن النظام، وبدعم روسي من الجو، وإيراني على الأرض، ضرب بالاتفاقات عرض الحائط، وبدأ بمعارك منذ إبريل/ نيسان من العام الماضي بقضم مساحات من تلك المنطقة بشكل تدريجي، فسيطر على كامل الريف الشمالي من حماة، ثم تقدم جنوبي وشرق إدلب، ونهاية العام الماضي وبداية العام الحالي كانت جولته الأخيرة بإتمام السيطرة على جنوبي إدلب حتى وصل إلى عمق المحافظة، وتغلغل جنوب وغربي حلب، واستخدم النظام والروس والإيرانيون خلال عمليات التقدم سياسية الأرض المحروقة من الجو والأرض، ما أدى لنزوح آلاف السكان من تلك المناطق كافة، وقد توجهوا إلى وسط وشمال المحافظة، وعانوا ولا يزالون ظروفاً صعبة في المخيمات وأماكن النزوح.  

ورغم أن الجيش التركي تحرك بشكل فاعل في الأيام الأخيرة من المعارك، إلا أن توقيع الاتفاق حال دون استعادة المناطق التي سيطر عليها النظام وحلفاؤه، ولا يزال المسؤولون الأتراك يتعهدون بإعادة النازحين إلى مدنهم وقراهم منذ توقيع الاتفاق، الذي يُنظر إليه على أنه هش وآيل للسقوط في أي لحظة.