نازحون سوريّون صغار.. أحلام ومخاوف

16 ابريل 2015
يعبّرون بجمل متقطعة، عن أحلامهم بمستقبل جميل (العربي الجديد)
+ الخط -
يتمنون لو أن للحياة لوناً آخر، مثل ذلك الذي تركوه في قراهم وبلداتهم السوريّة حيث أبصروا النور. وبجمل متقطعة يعبّرون عن أحلامهم بمستقبل جميل. وقد تصل أقصى أمنيات بعضهم اليوم، إلى دفتر وقلم لكتابة فروضهم المدرسية وزيّ مدرسيّ أصفر مخصص لتلاميذ المرحلة الابتدائية، وشنطة تحمل رسم الشخصية الكرتونية الأحب إلى قلب كل واحد منهم.

هؤلاء هم أطفال سورية النازحون من بلدات حمص وحماة والهاربون من قصف الطائرات هناك إلى مخيمات البقاع في لبنان حيث يحاولون الاحتماء بشادر. كل واحد منهم يتذمّر من واقعه ويبكي حاله على طريقته.

عبد الرحمن (6 سنوات)، هو واحد من هؤلاء. يرجو كل من يلتقيه أن يعيده إلى المدرسة. هو يرغب في رؤية مدرّسته علا التي كانت تعطيه "دروساً في النظافة، وتعلّمني كيف أكتب اسمي وأقرأه بصوت عالٍ ليسمعه رفاقي في الصف فينادونني به". لكن مدرسة عبد الرحمن سبق أن أقفلت أبوابها بعدما طالب مالك الأرض التي شيّد عليها المخيم، النازحين بإخلائه.

ويخبر: "تعلّمت كيف أغسل وجهي، وكيف أبتعد عن الأوساخ والنفايات المرمية على الطريق ولا ألعب بها. لذا، أحمل دفتري وأرسم". امتلأ دفتر الصغير بالرسومات، فراح يرسم فوق ما سبق وابتدعته ألوانه سابقاً. ويسأل باستمرار عن مدرّسته، لافتاً إلى أنه سيعاتبها عندما يراها لأنها رحلت وتركته في خيمة بشعة لا يحب شيئاً فيها. لكنه لا يعلم أن مدرّسته علا أجبرت على الانتقال.

عايدة (8 سنوات)، هي رفيقة عبد الرحمن في المخيم. تتمنى أن تتعلّم مهنة تصفيف الشعر. هي تقف يومياً أمام المرآة لتلوّن شفتيها الصغيرتَين بأحمر الشفاه الذي تأخذه خلسة في كل مرة من حقيبة يد والدتها، مع مساحيق تجميل أخرى. وتزيّن جفونها بلون أزرق داكن وتكحّل عينيها الكبيرتين بالأسود، قبل أن تنهي تبرّجها بلمسة من البودرة الحمراء على خدودها الزهرية.

والصغيرة، التي تتفوّه بكلام أكبر بكثير من سنواتها المعدودة، تقول: "أتمنى أن يساعدني أحد لتعلّم هذه المهنة. أحب تصفيف شعر أختي ووالدتي. وأحياناً أبكي لأنني يائسة. ربما لن أستطيع تحقيق حلمي". وعندما تُسأل: "ماذا ترغبين أن تصبحي في المستقبل؟"، تجيب: "مش رح إطلع شي بالمستقبل".

ناريمان أيضاً من هؤلاء النازحين، لكنها أكبر سناً من عبد الرحمن وعايدة. هي مراهقة تبلغ من العمر 15 عاماً، تمتنع عن متابعة دراستها وتبرّر ذلك بالخوف الكبير من التعلّم في المدارس الرسمية في لبنان. تقول: "التعليم في المدارس السورية قاس. المدرّسون جديون. كانوا يعاقبوننا كثيراً، فيضربوننا على أيدينا ويلزموننا بالوقوف قبالة الحائط طوال ساعة كاملة. فكيف يكون الوضع في بلد ينزعج أهله منّا؟". وتسأل: "هل يعاملونني كما يعاملون التلاميذ اللبنانيين؟ وبماذا ينعتونني في الصف؟ بالسوريّة؟".

تشعر ناريمان بأن "المجتمع اللبناني يكرهني"، وتلوم الناس وكل من حولها على ما تعيشه من ظروف اجتماعية صعبة. هي تشتاق إلى غرفتها في حماة وإلى رفيقاتها اللواتي فقدت الاتصال بهن منذ عام 2011، وتتحدّث عن رغبتها في استرجاع "ثيابي وحقائبي البنّاتية". باختصار، تتمنى أن تعيش مراهقتها التي سُلبت منها.

محمد مراهق سوري آخر وجدت عائلته مأوى لها في مخيمات لبنان. هو يبلغ من العمر 17 عاماً، لكنه لم يعد يأبه لحقّه في التعليم. يدرك أنه ممنوع من ذلك، "شأني شأن كل لاجئ سوري مشرد. فكل واحد منّا يحمل صفة اللاجئ ما هو سوى مستضعف". ويربط محمد مستقبله بالوضع المادي المتدني لعائلته، ولا يتحدث إلا عن المال الذي برأيه يحفظ للاجئ كرامته إذا ما توفّر. ويقول: "بات للحلم سعر لا يقوى السوري المشرد على دفعه. الشعور بالأمن والأمان لا قدرة لنا على عيشه، بسبب ارتفاع بدلات الإيجار. واستغلال السوري بات حلالاً لدى عدد من المستثمرين وأصحاب الأملاك". يضيف أن "الخبز في سورية حُرمنا منه والوضع نفسه في لبنان".

اليوم، همّ محمد الوحيد هو جمع المال لمساعدة عائلته. لذا يعمل "عتالاً وماسح أحذية ودهاناً ومساعد ميكانيكي في ورشة لإصلاح السيارات. لا أمانع العمل بأي مهنة أستطيع تعلّم أساسياتها وإتقانها من دون الحاجة إلى شهادات جامعية". ويتوقّف قليلاً قبل أن يضيف: "شهادات جامعية محروم حتى من الحلم بها في منامي. من ثم، العمل مهما كان شكله، ليس معيباً بالنسبة إليّ. ولن آبه لأي شيء لن يشبع أفواه أشقائي ولن يريح قلبَي والدَيّ".