قصص الموت في سورية التي شغلت وسائل الإعلام طويلاً والتي باتت مادة استقطاب للمشاهدين والقراء، تخفي وراءها اليوم واقعاً آخر لدى النازحين السوريين إلى لبنان. فقد سئم هؤلاء من الإعلام والوعود الفارغة، وبدأ بعضهم بطلب المال أو المساعدات الغذائية لإطعام أطفالهم، مقابل عرض تلك القصص.
يقول النازح عبد الكريم لـ "العربي الجديد"، إنّه لم يترك صحافياً إلاّ وروى له الظروف القاسية التي يعيشها في خيمته الصغيرة، وذلك مقابل وعود بتأمين الغذاء لعائلته. لكنّ الشهور مرت ولم يتلق شيئاً. يضيف: "لم يعد يأبه أحد بأحوالنا. نعيش ظروفاً اقتصادية صعبة وواقعا متدهورا. منذ مجيئنا إلى لبنان والأبواب تغلق أمامنا. انتقلنا من بيروت بسبب غلاء الإيجارات، واستأجرنا مساحة صغيرة من أحد سكان منطقة زحلة بمبلغ 200 ألف ليرة لبنانيّة (137 دولاراً أميركياً) ندفعه من خلال العمل لديه في البستان وزرع الخضار".
يتابع: "في كل حادث يطال النازحين السوريين تقصدنا القنوات من أجل تحقيقات صحافية مكتوبة ومرئية لا نفع لها. تارة يكتبون عن غلاء الإيجارات واستغلال النزوح السوري، وتارة أخرى يكتبون عن معاناتنا مع التمييز العنصري وانعكاس الأوضاع الأمنية على وجودنا في البلد المضيف".
ويشير ساخراً إلى أنهم "اليوم يلجأون إلينا كمادة دسمة عن مصاعب الشتاء وأعداد الأطفال الذين يموتون مع كل عاصفة جديدة. يعدوننا بالمازوت والمساعدات، إلا أننا لا نجد في النهاية من حلّ سوى إشعال الحطب". يضيف: "أحوالنا من سيئ إلى أسوأ. كنت أعتقد أن نشر قصة عائلتي مع التشرد سيساعدنا. اليوم بت أرفض الحديث". ويؤكّد: "العالم بأكمله لا يكترث لمعاناة اللاجئين".
عاصم، معاناته شبيهة بما وصفه عبد الكريم. فهو أنقذ عائلته من موت محتم في منطقة القلمون، وجاء إلى لبنان ليعمل في مجال النجارة. سجّل اسمه في مكتب الأمم المتحدة من أجل الحصول على المساعدات المادية والغذائية، ولم يترك جمعية أو مستوصفاً إلا وطرق بابه في زحلة.
يندّد عاصم بالتصريحات الدولية والاتفاقيات الإنسانية التي تعطي المواطن الحق بعيش حياة كريمة. ويقول لـ "العربي الجديد": "توقفت المساعدات الطبية منذ ثلاثة أشهر، وبطاقة المساعدات الممنوحة من مفوضية اللاجئين السوريين في لبنان توقفت أيضا". يتابع: "في بداية أزمة النزوح إلى لبنان، كانت المساعدات من الجمعيات الأهلية تأتي باستمرار. إلا أنها بدأت تتوقف تدريجياً. رحنا نطالب الجمعيات بتأمين احتياجات الأطفال والنساء الضرورية، لكننا لم نتلق سوى الوعود".
ويسأل مستغرباً: "يقولون في الإعلام يومياً إنه تمّ التبرع للنازحين بالمال أو وزّعت عليهم المساعدات. أين هي هذه الأموال الممنوحة لشعب مشرّد لا مستقبل واضح له؟". ويقول: "يأتون بالنشاطات الترفيهية لأطفالنا وينسون الحليب والأدوية التي هم بحاجة إليها أكثر من الترفيه والضحك". يضيف: "الدعايات الإعلامية باتت تصوَّر بدمنا والجميع يرغب بالظهور وإبراز دوره على أجسادنا".
بكلمات حزينة يصف عاصم وضع الأطفال في مخيمات النزوح. هو يشكر كل من يحاول رسم الضحكة على وجوه أطفاله، لكنه يتمنى لو أنّ العالم يرأف بأرواحهم ويساعدهم للصمود بوجه الموت. فيقول: "صورونا عراة.. بلا مأوى.. وعلى أبواب المساجد نطلب المال لنأكل. تحدثوا عن المجازر والانتهاكات بحقوقنا. فليتركونا لبؤسنا أو فليعملوا على إنقاذنا من الجحيم اليومي الذي بدأنا نعتاده".
بدورها، لم تعد أمينة تكترث للحقيقة. هي تروي للإعلام والصحف وناشطي المنظمات الإنسانيّة ما يرغبون في سماعه من قصص مثيرة، بحسب قولها. تضيف: "لا مانع لدي من قول الأكاذيب، ومنها أنّني أرملة أو أنّ زوجي قتل في الحرب، بالإضافة إلى سرد تفاصيل مشوقة عما حدث معنا أو نقل مشاهد حدثت مع غيري ونسبها إليّ. لكن قبل التحدث أطلب المال فيعطوني 10 آلاف (7 دولارات) أو 20 ألف ليرة (14 دولاراً) لقول ما لدي من معلومات، يعتقدون أنهم هم الوحيدون الذين حصلوا عليها مني". وتتابع: "أضحك عليهم بكلمتين وأذهب".
بالنسبة إلى أمينة، "لا يستفيد من مراسلي الإعلام سوى الأطفال. يلعبون أمام الكاميرا ويتخذون الوضعيات التي يطلبها المصورون. وكلما كانت ثيابهم رثة وحالتهم مزرية، كلما كانت الصورة أجمل". وتلفت إلى أن "أطفالنا لا يعلمون أنهم بعد سنوات، إذا بقوا أحياء فسيشكلون وثائق مصورة عن المآسي التي عاناها أطفال النازحين السوريين وعن حرمانهم من تلك الطفولة".
يقول النازح عبد الكريم لـ "العربي الجديد"، إنّه لم يترك صحافياً إلاّ وروى له الظروف القاسية التي يعيشها في خيمته الصغيرة، وذلك مقابل وعود بتأمين الغذاء لعائلته. لكنّ الشهور مرت ولم يتلق شيئاً. يضيف: "لم يعد يأبه أحد بأحوالنا. نعيش ظروفاً اقتصادية صعبة وواقعا متدهورا. منذ مجيئنا إلى لبنان والأبواب تغلق أمامنا. انتقلنا من بيروت بسبب غلاء الإيجارات، واستأجرنا مساحة صغيرة من أحد سكان منطقة زحلة بمبلغ 200 ألف ليرة لبنانيّة (137 دولاراً أميركياً) ندفعه من خلال العمل لديه في البستان وزرع الخضار".
يتابع: "في كل حادث يطال النازحين السوريين تقصدنا القنوات من أجل تحقيقات صحافية مكتوبة ومرئية لا نفع لها. تارة يكتبون عن غلاء الإيجارات واستغلال النزوح السوري، وتارة أخرى يكتبون عن معاناتنا مع التمييز العنصري وانعكاس الأوضاع الأمنية على وجودنا في البلد المضيف".
ويشير ساخراً إلى أنهم "اليوم يلجأون إلينا كمادة دسمة عن مصاعب الشتاء وأعداد الأطفال الذين يموتون مع كل عاصفة جديدة. يعدوننا بالمازوت والمساعدات، إلا أننا لا نجد في النهاية من حلّ سوى إشعال الحطب". يضيف: "أحوالنا من سيئ إلى أسوأ. كنت أعتقد أن نشر قصة عائلتي مع التشرد سيساعدنا. اليوم بت أرفض الحديث". ويؤكّد: "العالم بأكمله لا يكترث لمعاناة اللاجئين".
عاصم، معاناته شبيهة بما وصفه عبد الكريم. فهو أنقذ عائلته من موت محتم في منطقة القلمون، وجاء إلى لبنان ليعمل في مجال النجارة. سجّل اسمه في مكتب الأمم المتحدة من أجل الحصول على المساعدات المادية والغذائية، ولم يترك جمعية أو مستوصفاً إلا وطرق بابه في زحلة.
يندّد عاصم بالتصريحات الدولية والاتفاقيات الإنسانية التي تعطي المواطن الحق بعيش حياة كريمة. ويقول لـ "العربي الجديد": "توقفت المساعدات الطبية منذ ثلاثة أشهر، وبطاقة المساعدات الممنوحة من مفوضية اللاجئين السوريين في لبنان توقفت أيضا". يتابع: "في بداية أزمة النزوح إلى لبنان، كانت المساعدات من الجمعيات الأهلية تأتي باستمرار. إلا أنها بدأت تتوقف تدريجياً. رحنا نطالب الجمعيات بتأمين احتياجات الأطفال والنساء الضرورية، لكننا لم نتلق سوى الوعود".
ويسأل مستغرباً: "يقولون في الإعلام يومياً إنه تمّ التبرع للنازحين بالمال أو وزّعت عليهم المساعدات. أين هي هذه الأموال الممنوحة لشعب مشرّد لا مستقبل واضح له؟". ويقول: "يأتون بالنشاطات الترفيهية لأطفالنا وينسون الحليب والأدوية التي هم بحاجة إليها أكثر من الترفيه والضحك". يضيف: "الدعايات الإعلامية باتت تصوَّر بدمنا والجميع يرغب بالظهور وإبراز دوره على أجسادنا".
بكلمات حزينة يصف عاصم وضع الأطفال في مخيمات النزوح. هو يشكر كل من يحاول رسم الضحكة على وجوه أطفاله، لكنه يتمنى لو أنّ العالم يرأف بأرواحهم ويساعدهم للصمود بوجه الموت. فيقول: "صورونا عراة.. بلا مأوى.. وعلى أبواب المساجد نطلب المال لنأكل. تحدثوا عن المجازر والانتهاكات بحقوقنا. فليتركونا لبؤسنا أو فليعملوا على إنقاذنا من الجحيم اليومي الذي بدأنا نعتاده".
بدورها، لم تعد أمينة تكترث للحقيقة. هي تروي للإعلام والصحف وناشطي المنظمات الإنسانيّة ما يرغبون في سماعه من قصص مثيرة، بحسب قولها. تضيف: "لا مانع لدي من قول الأكاذيب، ومنها أنّني أرملة أو أنّ زوجي قتل في الحرب، بالإضافة إلى سرد تفاصيل مشوقة عما حدث معنا أو نقل مشاهد حدثت مع غيري ونسبها إليّ. لكن قبل التحدث أطلب المال فيعطوني 10 آلاف (7 دولارات) أو 20 ألف ليرة (14 دولاراً) لقول ما لدي من معلومات، يعتقدون أنهم هم الوحيدون الذين حصلوا عليها مني". وتتابع: "أضحك عليهم بكلمتين وأذهب".
بالنسبة إلى أمينة، "لا يستفيد من مراسلي الإعلام سوى الأطفال. يلعبون أمام الكاميرا ويتخذون الوضعيات التي يطلبها المصورون. وكلما كانت ثيابهم رثة وحالتهم مزرية، كلما كانت الصورة أجمل". وتلفت إلى أن "أطفالنا لا يعلمون أنهم بعد سنوات، إذا بقوا أحياء فسيشكلون وثائق مصورة عن المآسي التي عاناها أطفال النازحين السوريين وعن حرمانهم من تلك الطفولة".