نار المدارس الخاصة... موجة هروب إلى القطاع الحكومي في مصر

23 يوليو 2020
خلال امتحانات الثانوية العامة الأخيرة (زياد أحمد/ Getty)
+ الخط -

فوجئ أولياء أمور التلاميذ في مختلف محافظات مصر بقرار وزارة التربية والتعليم زيادة رسوم المدارس الخاصة مرة جديدة بنسبة 7 في المائة للعام الدراسي الجديد، الذي يبدأ رسمياً في 17 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، بعد تأجيل انطلاقته لمدة شهر بسبب وباء كورونا العالمي. هذه الزيادة أثارت حالة من الغضب والجدال بين أولياء الأمور، خصوصاً في

ظل مطالبة تلك المدارس لهم بدفع القسط الأول في أبعد تقدير خلال شهر أغسطس/ آب المقبل، بالرغم من ظروف البعض الصعبة، والضائقة المعيشية المترافقة مع أزمة كورونا.
وأدت زيادة أقساط المدارس الخاصة إلى هروب كثير من أولياء الأمور بأولادهم إلى المدارس الحكومية، وسط تعنت من الطرفين التربويين، إذ ترفض المدارس الخاصة إخلاء التلاميذ بحجج واهية تعود إلى انخفاض أعداد التلاميذ فيها، بينما تتعلل المدارس الحكومية برفض التلاميذ لعدم توفر أماكن لهم لديها. أما أولياء الأمور فقد اتهموا، بدورهم، وزارة التربية والتعليم بالخيانة، وتركهم فريسة للطرفين، وأنّها تتعاون مع أصحاب المدارس الخاصة على حسابهم، كونها المستفيد الأول من زيادة الرسوم من خلال زيادة الضرائب المفروضة على تلك المدارس.
من جهتهم، يعتبر أصحاب المدارس الخاصة في مصر أنّ تطبيق نظام التعليم الإلكتروني عن بُعد خلال العام الدراسي المقبل، 2020/ 2021، يتطلب تكاليف متزايدة، وهو ما دفعهم لمطالبة أولياء الأمور بسداد رسوم أعلى وفي وقت مبكر قبل بدء العام الدراسي الجديد. لكنّ أولياء الأمور يقولون إنّهم كانوا يأملون من الحكومة تأجيل أقساط الرسوم الدراسية لهذا العام بالكامل، نظراً للظروف المعيشية التي يمرون بها، بما في ذلك تعطل أعمالهم وأثر ذلك على كلّ شيء في حياتهم اليومية بالترافق مع أزمة كورونا. ويؤكد هؤلاء أنّ الزيادة المرتقبة، وهي 7 في المائة، زيادة على الورق فقط، إذ إنّه داخل المدارس قد تصل الزيادة إلى الضعفين، لعدم وجود رقابة حكومية تضبط ما يمكن أن يفعله أصحاب المدارس الخاصة، معتبرين أنّ إجراءات إدارات المدارس الخاصة بزيادة الرسوم، من دون مراعاة ظروفهم الاقتصادية والمعيشية الحالية، تؤذيهم مع أبنائهم.

في المقابل، يكشف مسؤول بارز في وزارة التربية والتعليم في القاهرة، أنّ هناك أزمة كبيرة تواجه المدارس الحكومية في المحافظات المصرية كافة، تتمثل بازدحام الفصول الدراسية بالتلاميذ، وبالتالي فإنّ إدخال تلاميذ جدد إلى هذه الفصول آتين من المدارس الخاصة سيمثل مشكلة خطيرة، إذ يمكن أن يزيد عدد التلاميذ في الفصل الواحد عندها إلى أكثر من 100. وهو ما سوف يؤدي إلى استمرار وجود ثلاث دوامات دراسية خلال اليوم الواحد في عدد من المدارس ببعض المحافظات. ويعتبر أنّ رفض المدارس الحكومية استقبال تلاميذ جدد من المدارس الخاصة مبرر، قائلاً: "هم على حق، فالنقص في الأبنية التعليمية بالمحافظات أمر محير، في الوقت الذي تعلن فيه الوزارة كلّ عام أنّها قامت ببناء عدد من المدارس... وبالرغم من هذه الإعلانات لا انخفاض في أعداد التلاميذ. كذلك، لا توجد أراضٍ خالية لبناء مدارس جديدة في المناطق ذات الكثافة السكانية المرتفعة، وهو ما يمثل أزمة أخرى بدوره". يضيف المسؤول - الذي يرفض الكشف عن هويته - أنّ زيادة كثافة التلاميذ داخل الفصول في مصر أدت إلى ضعف معدلات التحصيل العلمي، وزيادة الدروس الخصوصية بالتالي وارتفاع أسعارها، لتعويض ما فات التلاميذ داخل المدرسة، وبالتالي نحن بانتظار ما هو أسوأ في العملية التعليمية، خصوصاً في مرحلة التعليم ما قبل الجامعي.
والتقت "العربي الجدبد" مع عدد من أولياء الأمور، لمناقشة أزمة زيادة رسوم المدارس الخاصة، وخططهم المستقبلية، خصوصاً لجهة نقل أولادهم من المدارس الخاصة إلى الحكومية، معتبرين أنّ زيادة رسوم المدارس الخاصة، وموعد سداد القسط الأول، قبل ثلاثة أشهر من بداية العام الدراسي الجديد، مبكر جداً نظراً لعدم وضوح رؤية كيفية استمرار العام الدراسي مستقبلاً في ظل الظروف الحالية. وأشاروا إلى أنّ بعض المدارس تتقاضى رسوماً إضافية تحت مسميات مختلفة، منها أنشطة ثقافية ورياضية، ما يجعل الأهل مضطرين للدفع، إذ أصبحت تلك المطالبات باباً آخر للكسب. يقول أحمد عبد الستار، وهو مهندس، إنّ لديه ابنين في الابتدائي والإعدادي بمدرسة خاصة، وقرر نقلهما إلى مدرسة حكومية، كونه مطالباً بسداد 7 آلاف جنيه (437 دولاراً) عنهما خلال الفصل الدراسي الأول، موضحاً أنّ المدارس الخاصة قررت تقديم موعد سداد الرسوم بعدما أيقنت هروب أولياء الأمور عقب الزيادة الجديدة التي قررتها وزارة التربية والتعليم، من دون أيّ اعتبار للظروف الحالية التي تمر بها البلاد، مشيراً إلى أنّه كان من الأجدر ردّ قيمة 25 في المائة كحد أدنى من رسوم العام الدراسي الماضي، أو طرح تلك النسبة من رسوم العام الجديد.

ويشير محمد مهدي، وهو موظف وولي أمر تلميذ ابتدائي في مدرسة خاصة، إلى أنّ "أغلب أولياء الأمور ظروفهم صعبة في الوقت الحالي بسبب جائحة كورونا، وفي الوقت نفسه فوجئت بالمدرسة تطلب منّي دفع رسوم العام الدراسي الجديد، بزيادة 600 جنيه (37 دولاراً ونصف) خلال الفصل الدراسي الأول ليصبح مطلوباً مني دفع 3600 جنيه (225 دولاراً)، وحين قررت نقل ابني إلى المدرسة الحكومية واجهت عشرات المشاكل ما بين مادية وأوراق ومستندات، ورفْض المدرسة الحكومية قبول ابني بالرغم من كونها قريبة جداً من مكان سكني".
وتنتقد إيمان علي، وهي ربة منزل، قرار زيادة المدارس الخاصة رسومها، في الوقت الذي لم تصدر أيّ جهة حكومية داخل البلاد إعلاناً عن انتهاء جائحة كورونا، ولا يدري أحد كيف ستنتظم الدراسة، مشيرة إلى أنّ ولي الأمر يعيش في أزمة فالمدرسة تلزمه بدفع جزء من الرسوم، وهناك قائمة طلبات ملزمة يطلبها المعلمون بالمدارس تتنوع بين أدوات للأنشطة، بالإضافة إلى عدم وجود قرارات رسمية نافذة وملزمة تحميهم من مؤسسات تعليمية تحولت إلى مؤسسات تجارية ترتكز في عملها على مبدأ العرض والطلب، بعيداً عن أيّ معطيات تعليمية وتربوية.

المساهمون