ناخبون كبار وناخبون صغار

03 مايو 2014

البرلمان اللبناني في جلسته 30 إبريل لانتخاب الرئيس (Getty)

+ الخط -
أقل من شهر، وتنتهي ولاية رئيس الجمهورية اللبنانية، ميشال سليمان، وعلى الرغم من أن الدستور اللبناني يحدد مهلة شهرين قبل انتهاء ولاية الرئيس لانتخاب رئيس جديد، إلا أن المجلس النيابي اللبناني لم يتمكن في جلسته الأولى من انتخاب رئيس، حيث نال المرشح الوحيد الذي أعلن ترشحه رسمياً (المفارقة أن الدستور اللبناني لم يحدد آلية للترشح لرئاسة الجمهورية، وترك الخيار مفتوحاً حتى لحظة إعلان النتيجة) سمير جعجع، 48 صوتاً من أصوات النواب الذين حضروا الجلسة الأولى، بينما اقترع 52 نائباً بورقة بيضاء، فيما نال هنري حلو 16 صوتاً. وبالتالي، فإن جلسة الانتخاب الأولى انتهت من دون فوز أي شخص بالرئاسة، وخصوصاً أن الدستور يحدد الحصول في الجلسة الأولى للاقتراع على نسبة ثلثي أعضاء المجلس النيابي (86 من أصل 128 عدد أعضاء المجلس النيابي اللبناني)، على أن يصار إلى عقد جلسات أخرى، يمكن لمَن يحصل فيها على أصوات النصف زائداً واحداً من الفوز بالرئاسة، أي 65 صوتاً. المهم في ذلك كله أن دراسة الأرقام التي تمخضت عنها الجلسة الأولى للانتخاب تؤكد أن تنسيقاً جرى بين كتل نيابية وسياسية، أفضى إلى هذه النتيجة.
والواضح أن فريق 8 آذار، الذي يقوده حزب الله، بالاشتراك مع النائب ميشال عون، ويضم حركة أمل وآخرين من حلفاء النظام السوري (عون مرشح غير معلن حتى اللحظة)، صوّت بورقة بيضاء، حرصاً على عدم منح صوته لأي مرشح من جهة، وحتى يصل بمرشحه، ميشال عون، ليكون مرشح توافق، كما يتمنى عون ويعمل.
في مقابل ذلك، فإن فريق 14 آذار، الذي يقوده سعد الحريري وسمير جعجع، بالشراكة مع أمين الجميل، اصطفّ خلف جعجع، وأعطى أصواته له، فنال جعجع 48 صوتاً. وأما هنري حلو الذي نال 16 صوتاً، فقد كان مرشح رئيس كتلة جبهة النضال الوطني، وليد جنبلاط، والذي أراد منح صوته لعضو كتلته حلو، للخروج من ضغط 8 و14 آذار، والبقاء في المنطقة الرمادية، أو كما يحلو للبعض تسميتها منطقة الوسط، ولا شك أن نواباً انضموا إلى هذا الخيار، فأعطوا أصواتهم في هذا الاتجاه، باعتبار أنهم مستقلون ويرفضون تصنيفهم مع فريق من فريقي الانقسام.
الواضح من معادلة الأرقام هذه، أن هناك ناخبون كبار وناخبون صغار. الكبار هم الذين يقررون كيفية توجيه الاقتراع بالأصوات في جلسات التصويت، وهم رؤساء التكتلات والكتل النيابية، وعددهم يكاد لا يتجاوز أصابع اليدين. حسن نصر الله وميشال عون ونبيه بري عن فريق 8 آذار، وسعد الحريري وسمير جعجع وأمين الجميل عن 14 آذار، ووليد جنبلاط عن النواب الوسطيين. سبعة نواب كبار يقررون، بل ربما، أحياناً، أقل من ذلك، والبقية، مع احترامنا للنواب ودورهم ومسؤوليتهم، يسيرون من دون تردد في خيارات وقرارات الناخبين الكبار، وإلا ما معنى أن يكون التصويت بهذه الطريقة في الجلسة الأولى للانتخاب؟
 
وإذا أردنا أن نتبحّر أكثر في معادلة الأرقام والإيحاءات، لوجدنا أن هناك فوق الناخبين الكبار ناخبون أكبر، ليس بمعنى الذهاب إلى المجلس النيابي، وحضور الجلسة والإدلاء بالصوت في صندوقة الاقتراع، فهذه، مع احترامنا للنواب، هي وظيفة الناخبين الصغار، وحتى وظيفة رؤسائهم في تكتلاتهم. المقصود بالناخبين الأكبر هم الذين يديرون المشهد الانتخابي من خلف الستارة، ولا يظهرون في المشهد من خلال الإيحاءات، والقيام بأدوار الوساطة، وتذليل العقبات. هؤلاء هم الناخبون الأساسيون والحقيقيون، وليس الكبار فقط. السعودية من جانب، فرنسا من جانب آخر، الولايات المتحدة من جانب، إيران من جانب، وكان النظام السوري في وقت من الأوقات، لكن أزمته مع شعبه حوّلته إلى مجرد ملعب للآخرين، فتحوّل في منطق الفعل من موقع الفاعل إلى موقع المفعول به. هؤلاء، إذن، هم الناخبون الفعليون الحقيقيون الذين يديرون المشهد اللبناني من خلف الستارة، وتجري المفاوضات والمباحثات بينهم، بعيداً عن الأضواء والعدسات الإعلامية، إلا قليلاً، وبما يخدم مصالحهم وآليات عملهم.
في الاستحقاق الرئاسي اللبناني، لا يبدو، إلى الآن، أن الطبخة الرئاسية اكتملت ونضجت أمام الناخبين الكبار، كلّ بحسب حساباته الخاصة، وبالتالي، فإن الملعب متروك للناخبين الصغار ورؤسائهم، لتقطيع الوقت و"التسلية"، بشروط وشروط مضادة، و"حرتقات" على الطريقة اللبنانية. وعندما يحين موعد الاقتراع الحقيقي للمرشح الذي يحظى بثقة الناخبين الأكبر، فإن الناخبين الآخرين سيسيرون به، أياً يكن هذا المرشح، وبعد ذلك، يخرج علينا كبراؤنا يقولون لنا إن الاستحقاق كان لبنانياً مئة في المئة.
قبل شهور، كان أحد الفرقاء يرفض الدخول إلى الحكومة، إلا إذا انسحب خصمه من القتال في سوريا، وبعدها تراجع ودخل الحكومة من دون تحقّق شرطه. وفي مقابل ذلك، كان خصمه يرفض التنازل عن صيغة 9-9-6 لتشكيل الحكومة، فإذا به يتراجع، ويقبل بصيغة 8-8-8، وهذا جرى، ببساطة، بعد الأوامر، نعم الأوامر، التي جاءت من الناخبين الحقيقيين في الخارج. إنها لعبة الخارج في بلدنا لبنان، بكل أسف.