ناتو عربي لمصلحة واشنطن

30 يوليو 2018
+ الخط -
يواصل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مواقفه المتناقضة بشأن السياسة الخارجية الأميركية، فتارة يعتبر إيران والصين وغيرهما أعداء، ثم يعود ويمنح بكين استثناء من الحظر التجاري، ويلمح إلى إمكانية عقد صفقة جديدة مع إيران.
العنوان الرئيس الذي يغلف به ترامب تلك المتناقضات هو وعده الانتخابي الرئيس، أن تكون "أميركا أولاً". وفي سبيل الوصول إلى هذا الهدف، يندفع إلى الانسلاخ من المنظمات الدولية، والتخلي عن الالتزامات التي اضطلعت بها واشنطن عقودا. بمنطق أن شعار "أميركا أولاً" يستلزم تخفيف الأعباء الاقتصادية والعسكرية، وتحميل الشركاء والحلفاء أكبر قدر ممكن من تلك الأعباء.
سلوك ترامب انعكاس مباشر لعقليته التجارية، ومنطق الصفقات الذي يوجه قراراته. واتساقاً مع التنصل من الالتزامات الدولية، يتجه ترامب إلى إدارة صراعات واشنطن ومشكلاتها الأمنية والسياسية بأموال غيره. لذا هو يسعى إلى بناء تحالفٍ ضد إيران، يضم دولاً تقدّم التمويل، وأخرى تضع جيوشها تحت التصرّف، وثالثة توفر الغطاء الدبلوماسي والسياسي. بينما لا تقدّم واشنطن شيئاً، ربما باستثناء السلاح الذي تحصل على ثمنه مسبقاً، وكثير من الطنطنة الإعلامية لتسخين الأجواء، وتأجيج الفتنة بين من يعتبرهم ترامب أعداءه ومن يتوهمون أنهم حلفاء الولايات المتحدة.
هذه هي، ببساطة، المعادلة الجديدة التي يتبعها دونالد ترامب، وجنرالاته في إدارة السياسة الأميركية وتحالفاتها. وقد أعلنها صريحةً من اللحظة الأولى له في البيت الأبيض، بل قبل ذلك في أثناء حملته الانتخابية، بأن واشنطن لا بد أن تحصل على مقابل ما تقدمه للعالم، وأن لا شيء مجاناً. ويبدو هذا التفكير البراغماتي منطقياً في العصر الراهن، حيث تحكم المصالح، لا الإيديولوجيات، لذا ينجح ترامب في خطواته الانفصالية عن العالم، وفي ابتزازه دولا تظن أنها بحاجة إلى حماية واشنطن لها، وتدرك أن عليها دفع ثمن الحماية.
وعلى الرغم مما يتعرّض له ترامب من انتقادات حادة، واعتراضات من معظم الدول الغربية والحليفة لواشنطن، إلا أنها ترضخ، في النهاية، لمنطقه، أولاً لأنه يعكس الواقع الراهن، وثانياً لأنها لا تملك فرض إرادتها عليه. وهو ما يؤكد أيضاً أن موازين القوة وحسابات المنطق في صالحه. لذا، ليس على ترامب حرج في السعي إلى تشكيل تحالفٍ ما، سواء عربي أو إسلامي أو أياً كانت تركيبته، لمواجهة إيران. من هنا، تأتي الدلالة الرمزية في تسمية ذلك المشروع الجديد "ناتو عربي"، فهو أقرب إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي تشكل من دولٍ تجمع بينها الخشية من عدو واحد مشترك.
يدّعي ترامب أن واشنطن تنسلخ من "الناتو" الأصلي، لتقاسم الأعباء، بينما السبب الحقيقي أن العدو الرئيس الذي تأسس "الناتو" خصيصاً لمواجهته، لم يعد عدواً، على الأقل من وجهة نظر أميركا ترامب.
وفيما يقود ترامب مساعي تشكيل "ناتو جديد"، يغض الطرف عن أن العدو المفترض لهذا الناتو (إيران) لا يحظى بإجماع الدول المرشحة لعضوية ذلك التحالف. وأن دول الخليج التي تشكل الدائرة الضيقة التي يعتمد عليها في مساعيه تلك تسودها خلافات بينية، فضلاً عن اختلافات جذرية في الموقف تجاه إيران. والانقسام والتفكيك الذي قد تفضي إليه سياسة ترامب تجاه "الناتو" الأصلي، حاصل بالفعل بين مجموعة الناتو العربي المزعوم. ويشهد على ذلك المشروع الذي لم ير النور، لتشكيل تحالف عسكري عربي/ إسلامي للتدخل في سورية، بديلا عن القوات الأميركية. إذ لم يلق المشروع استجابة عربية كافية، كما لم يكن واضحاً من العدو الحقيقي أمامه.
ليست مواجهة إيران هدف ترامب الحقيقي، أو على الأقل ليست الهدف الرئيس، وإنما تسويق مزيد من الأسلحة الأميركية واستنزاف أموال دول الخليج وثرواتها. وبعد أن تركت واشنطن سورية لروسيا وإيران وبشار، من دون قوات عربية ولا غير عربية. يسعى ترامب إلى "ناتو عربي" ضد إيران، فيما يعلن من دون خجل أنه على استعداد لإبرام اتفاق جديد مع طهران. إنه يغازل إيران بنفسه، ويعاديها بأموال العرب ومقدّراتهم.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.