نابلس تلخص المشهد الفلسطيني

12 اغسطس 2015
+ الخط -
في تكثيف بالغ الدلالة والخطورة، تشهد نابلس ومخيما بلاطة وعسكر في شمال شرق مركزها أحداثاً متعددة الأسباب، وتمظهرات بالسلاح، وإطلاق نار يرافق تظاهرات مطلبية، على النحو الذي يلخص أزمة السلطة الفلسطينية في سائر الأراضي المحتلة والمحاصرة. وقبل تفسير هذه الظاهرة، في حدود نابلس ومحيطها، ننوه إلى أن جزيئات الاجتماع السياسي الفلسطيني قد بدأت تتفكك، بمعنى أن ما يجري في نابلس ومخيمي بلاطة وعسكر ليس نزاع فصائل وقوى أيديولوجية، وإنما هو بعض مخرجات "فتح" نفسها دون سواها في حالها هذه!
في محاولات السلطة، إخماد ظاهرة التمظهر بالسلاح أو إطلاق النار؛ لم تجرِ أية محاولة لشمل الجميع بالإجراء الضامن لحفظ النظام العام. لذا، بدل أن تنجح تلك المحاولات في إخماد الظاهرة، فعلت العكس، لأن الاستثناء يجر غضب المجموعات التي لم تحظ به، ثم تُركت الأسباب التي أنشأت الظاهرة، أصلاً، بغير معالجة تنظيمية أو سياسية واجتماعية. ولا يختلف اثنان على أن أصابع العدو تلعب في الخفاء، لأن بعثرة الاجتماع الفلسطيني هدف إسرائيلي، ولأن تكريس التباغض هدفاً، ولأن تحويل الناس إلى فئات وحلقات، أصغر فأصغر، هي لعبة الفتن التي يجيدها المحتلون. والمشهد الآن ينم عن خطورة، في ظرف أصبح الفلسطينيون فيه أحوج ما يكونون إلى اللحمة والتنبه لأخطار مُحدقة من كل جانب.
عندما نتقصّى جذر ظاهرة الفوضى والغضب الشعبي متعدد الأسباب، نرى أمامنا، أولاً، وضع حكومة بلا تفويض شعبي. وبالتالي، هي غير موصولة بمجتمع مُسيّس أصلاً، تعارض حماس صيغة تشكيلها، وتعتبر بها فتح فاقدة القدرة للتساوق معها، وهي غير ذات منحى سياسي أو فصائلي. وعلى مستوى فتح، ينشغل أعضاء اللجنة اللجنة المركزية، غير المنسجمة بطبعها، في تدابيرهم الفردية، أو في جلسات أحاديثهم المتعلقة بالمؤتمر العام السابع وتوقعاته، وما إذا كانوا يريدونه، أو لا يريدون. لكل منهم حسبته، لكنهم فقدوا فاعلية العمل على إيجاد مناخ موات في قواعدهم التنظيمية، يساعد على مواجهة التحديات. وفي الوقت الذي يروّج بعضهم أن الأوضاع الداخلية واشتراطات العدد، وعقبات تحديد الأعضاء، تجعل من الخطأ أن يعقد المؤتمر ارتجالاً، تجدهم لا يغيرون ولا يبدلون، ولا يبادرون إلى عملٍ خلاق، بمناقبية تبرر استمرار المركزية نفسها، إلى سنة أو سنتين مقبلتين. وبوسائل القياس الصحيحة، يُحسب كل تردٍ في علاقات فتح الداخلية رزية من رزايا الأطر القائمة. وعندما يُحسب الأمر بهذه الطريقة، يجتهد الجميع في تحميل المسؤوليات والأسباب، لا سيما عندما تظل الأمور على حالها.
في نابلس، نشأت في المعسكر الفتحاوي مشكلة تتعلق بالمجلس البلدي، في الانتخابات الأخيرة. كان غسان الشكعة ومجموعته واثقين من الفوز، وهم فتحاويون، بشفاعة إنجازات سابقة وفاعلية مشهودة. لكن مجموعة أخرى نافستهم، ولم تنجح. وقد كان ذلك من نتائج ضيق دائرة التشاور وارتهانها لحسابات فرعية وصغيرة، عند اختيار من يمثلون فتح في المنافسات الانتخابية. لكن الذين نجحوا لم يحافظوا على الروحية نفسها التي بسببها انتخبهم الناس، وربما كانت أطراف أخرى معنية بإعاقتهم أو بتعظيم أخطائهم. وفي هذه اللُجة، تسرب، من بين الثقوب، أصحاب مواويل، ولوحظت مظاهر وتحالفات فسرها كثيرون باعتبارها معركة بدأت مبكراً على النفوذ في وضع جديد لم يحن أوانه بعد!
للإنصاف، ليست حماس حاضرة في هذا الخضم، وإن كانت كامنة فيه. ولأنها لا تحكم، لا ترى الناس منها إلا ما هو كيّس. وعندما نضيف ما يظهر على الطرف الآخر إلى كياسة السكون الحمساوي المفترض في الضفة؛ فإن الرأي العام يتجه إلى مشاعر نافرة من الحكم وممن يُفترض أنهم يقفون وراءه. وفي المحصلة، يتفشّى في الأراضي المحتلة وضع يسمونه اللا تشكل السياسي أو الهيولي، وهذا مكمن خطر آخر، يحيق بمجتمع يتطلع إلى وعي جمعي واجتماع سياسي، يساعدان على الاستمرار في مقارعة الاحتلال.