نائب الرئيس الأميركي إلى عمّان لفرملة الاستدارة الأردنية

18 يناير 2018
من الاحتجاجات الأردنية ضد قرار ترامب (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -

قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشهر الماضي الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، اختبر الشراكة بين الولايات المتحدة والأردن، وأدى إلى تحوّل في نظرة عمّان إلى دورها الإقليمي. وهو ما دفع نائب الرئيس الأميركي مايك بنس إلى إضافة الأردن في جولته الإقليمية في 21 يناير/كانون الثاني الحالي، لاحتواء تداعيات الأسابيع الأخيرة ومحاولة فرملة استدارة عمّان. ثلاثة عناوين رئيسية تحرّك ردود فعل السياسة الأردنية في ملف القدس، في حسابات الربح والخسارة لقيادتها. أول تلك العناوين هو سياسات الهوية الأساسية في علاقات الأردن الخارجية، فالدور الديني والمعنوي للهاشميين في القدس تراث قديم عمره قرن واكتسب أهمية في مجتمع محافظ مثل الأردن، والديمغرافيا في المملكة بأبعادها الفلسطينية مسألة حساسة في الهوية الأردنية، ما أدى إلى حركة اعتراضية شعبية ضد نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، أرخت بظلالها على القيادة الأردنية التي اختارت استيعاب هذه الضغوط بدلاً من تحديها.

ثاني تلك العناوين هو التحديات الأمنية التي فرضتها وقائع السياسة الإسرائيلية، فقد كان السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين أولوية للأمن القومي الأردني. وقد تعامل الطرفان الإسرائيلي والأميركي بخفة مع مبدأ "حلّ الدولتين"، بالتالي فما تخشاه المملكة أكثر من أي شيء آخر هو تحويل الأردن إلى وطن بديل للفلسطينيين.

ثالث تلك العناوين هي أزمات الاقتصاد الأردني، لا سيما منذ عام 2016، مع وصول معدل البطالة إلى 18 في المائة العام الماضي، وتجاوز الدين العام سقف الـ 36 مليار دولار. فالأعباء المالية ازدادت على اقتصاد قائم أساساً على المعونة الخارجية، خصوصاً في ظلّ استمرار أزمة اللاجئين السوريين، كما لم يتم تجديد منح دول مجلس التعاون الخليجي. حتى أن البرلمان الأردني أقرّ أخيراً ميزانية الدولة التي تضمنت توصيات صندوق النقد الدولي بتعليق الإعانات الحكومية، بما في ذلك على الخبز، ما أفسح المجال لقيام احتجاجات شعبية في الفترة المقبلة.

في هذا الصدد، إن الملك الأردني عبدالله الثاني، في مواجهة تضارب مصالح مع الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل، أي المحور الذي اختصر ركائز سياسة المملكة الخارجية. والقلق في عمان ناجم عن أن ترامب غير متفهم لقرار الملك الأردني بقيادة حملة دبلوماسية مناهضة لقرار القدس. وهي ليست المرة الأولى التي وجد فيها الأردن نفسه في موقع مناقض للمصالح الأميركية والسعودية، ففي عامي 1990 و2003، رفضت عمّان الموافقة على الحل العسكري ضد العراق، بعد اجتياح الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الكويت عام 1990. وهمّشت الولايات المتحدة وحلفاؤها الخليجيون الأردن لفترة أربع سنوات حتى توقيعه اتفاق السلام مع إسرائيل عام 1994. كما أنه وعلى الرغم من اعتراض الملك عبد الله على الغزو الأميركي للعراق عام 2003، فقد سمح بنشر صواريخ باتريوت أميركية على طول الحدود الأردنية العراقية، شرط عدم بدء الغزو من الأراضي الأردنية. وبين حربي العراق الأولى والثانية، أدى الأردن دوراً محورياً في السياسات الأميركية في الشرق الأوسط، من مكافحة الإرهاب إلى ردع النفوذ الإيراني.



علاقة الملك عبد الله كانت معقدة مع آخر ثلاثة رؤساء أميركيين، غير أن قرار ترامب حول القدس دفع باتجاه برودة في العلاقات، فقد هدّد الرئيس الأميركي الشهر الماضي بقطع المساعدات عن كل البلدان، بما في ذلك الأردن، الذي صوّت مع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي طالب واشنطن بالتراجع عن قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. مع ذلك هناك تطمينات أميركية للأردن بأن المساعدات، التي بلغت 1.3 مليار العام الماضي، لن تتوقف. كما بدأت مشاورات لبحث طلب عمان توقيع مذكرة تفاهم جديدة، لكن القلق في عمان بأن إدارة ترامب قد يكون لديها شروط سياسية مقابل المعونة.

أما العلاقة مع السعودية فهي غير منقطعة لكنها ليست في أفضل حالاتها، حتى أن الديوان الملكي الأردني نفى تقارير الإعلام الأردني بأن "القيادة السعودية شجعت انقلاباً على السلطة داخل الأسرة الهاشمية، والمواقع الإلكترونية بالغت في أرقام ترحيل المواطنين الأردنيين من السعودية". لكن فعلياً هناك أيضاً توترات فعلية بين البلدين لم تحصل سابقاً، مثل تبادل انتقادات علنية بين السفير السعودي وبرلمانيين أردنيين، وقصة اعتقال وإطلاق سراح الملياردير الفلسطيني الأردني صبيح المصري من قبل السلطات السعودية. والشعور في الرياض هو أن القيادة الأردنية لم تقف مع السعودية خلال محطات رئيسية في السنتين الأخيرتين. وعندما تم الاعلان عن قرار فرض الحظر على قطر، اكتفى الأردن بتخفيض التمثيل الدبلوماسي الأردني في الدوحة، من دون قطع العلاقات. وفي يناير/كانون الثاني 2016، حين هاجم متظاهرون إيرانيون البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران، لم تقطع عمان علاقاتها الدبلوماسية مع طهران.



حتى العلاقة مع إسرائيل باتت متوترة منذ الصيف الماضي، ففي شهر يوليو/تموز 2017 قتل حارس أمني في السفارة الإسرائيلية في عمّان أردنيين اثنين، ما دفع المملكة إلى رفض عودة السفير الإسرائيلي إلى الأردن قبل محاكمة القاتل. وفي الشهر ذاته حصل الافتراق بينهما في الملف السوري بعد رفض إسرائيل للاتفاق الأميركي-الروسي برعاية أردنية لخفض التوتر في جنوب سورية. وزادت قضية القدس من حدة التوتر مثيرة تساؤلات حول مصير التعاون الاقتصادي بين البلدين في مشاريع مثل تصدير الغاز الإسرائيلي إلى الأردن ومشروع بناء قناة تربط البحر الأحمر بالبحر الميت. وكلها مشاريع سلّطت الضوء على الاعتماد الأردني على إسرائيل الذي حاولت المملكة الحدّ من ضروراته. كل هذه القيود جعلت من الصعب على الأردن قطع العلاقات بشكل كامل مع إسرائيل.

وبعد توسع دورها الإقليمي في سورية والعراق خلال مرحلة تنظيم "داعش"، اضطرت المملكة بعد قرار القدس إلى التراجع، فالمحادثات المحتملة بين السعودية وإسرائيل قد تنهي دور الأردن التقليدي في عملية السلام، وكقناة خلفية بين الدول الخليجية واسرائيل. وحتى خلال المحادثات الأميركية السعودية خلال الفترة الأخيرة حول خطة سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كانت القيادة الأردنية خارج الصورة.

اتخذ الأردن خطوات في الفترة الأخيرة عكست محاولات الاستدارة الإقليمية مثل التقارب مع تركيا. كما التقى رئيس مجلس النواب الأردني أخيراً عاطف الطراونة، بالسفير الإيراني في عمّان مجبتي فردوسي، في خطوة لم تتم على الأرجح من دون موافقة أو إيعاز من الديوان الملكي. والأردن مهتم باستعادة التبادل التجاري مع إيران، لكن الملك قد يكون أكثر تريثاً في الانفتاح على طهران لتجنب المزيد من التوتر في العلاقة مع الولايات المتحدة والسعودية.