التقنيات في عالم السينما مهمّة ومطلوبة. لكنها تنزع عن السينما طقوسَ مُشاهدتِها، دافعةً إياها (الطقوس) إلى الانمحاء. قبل التقنيات، هناك تفاصيل تؤرق المُشاهد السينمائي الأصيل، كأن يُسمح لمتفرّجين كثيرين أن يأكلوا ويشربوا ويُثرثروا، فيبثّون مناخًا معاديًا لمُشاهدة فيلم في صالةٍ، يُفترض بها أن تكون سينمائية، أي أن تلتزم طقوس المُشاهدة الفعلية. لاحقًا، ستتبدّل أمورٌ كثيرة داخل الصالات نفسها، إذْ سيصير هناك ما يُعرف بصالات "الشخصيات المهمّة جدًا"، المُجهّزة بكل ما لن يكون له أي علاقة لا بالسينما ولا بصناعة الأفلام ولا بطقوس المُشاهدة، ناهيك عن السؤال الأخلاقي (معنى احترام الذات والآخر) منعدم الوجود كلّيًا.
هذا حاضرٌ بشكلٍ آخر، في مكانٍ آخر: الأفلام المعروضة في الطائرات. هذه مصيبة تُشوِّه الفيلم، وإنْ تكن غالبية الأفلام المختارة في الرحلات المختلفة كوميدية أو تجارية أو عادية. فللمُشاهدة متطلّبات لن تتوفّر في تلك الصالات الفخمة جدّا، ولا في تلك الطائرات وإنْ يختر مسافرون عديدون قسمي "رجال الأعمال" و"الدرجة الأولى".
تلك الصالات مُصيبة. فالمقاعد مناسِبَة لنومٍ عميق، والحقّ الفردي بشراء طعام وشراب يحول دون مشاهدة طبيعية حتى لمن يطلب الطعام والشراب، وليس فقط لجاره المهووس بالسينما. لكن المهووس بالسينما لن يأتي إلى تلك الصالات، ولن يُفكِّر لحظة واحدة في تمضية وقتٍ داخلها، ولن يدفع ثمنًا باهظًا لدخول صالة مكوّنة من كلّ ما يُعيق مشاهدة سليمة وطبيعية. وجود تلك الصالات كارثة تحلّ على السينما وصناعتها، إذْ تُربّي أجيالاً من لامبالين، لهم "جذور" في متفرّجين يمارسون كلّ شيء داخل الصالة العادية باستثناء فعل المُشاهدة.
المصائب عديدة في الصالات العادية: "بوب كورن" ومستلزماته، وأجهزة هواتف خلوية، وثرثرة مع رفاق يأتون جماعات كمن يذهب إلى جبهةٍ للقضاء على عدو، وتعليقات متتالية على كلّ ما يحدث أمام القابعين في مقاعدهم على شاشات كبيرة، كأنهم ضالعون في مهنة الصناعة، أو كأنهم أذكى من صانعي الأفلام، رغم أن وجودهم في الصالات منحصرٌ، غالبًا، بأفلام غالبيتها الساحقة غير جديرة بأي نقاشٍ.
فكيف ستكون الحالة في صالات "الشخصيات المهمّة جدًا"؟ هل يظنّ مبتكرو تلك الصالات في مدن عربية أن القادمين إليها هم، فعليًا، "شخصيات مهمّة جدًا"؟ هل يرى هؤلاء أن تأمين أشكالٍ جمّة من "الراحة الجسدية" كفيلٌ بمُشاهدة ممتعة؟
أما أفلام الطائرات، المعروضة على شاشاتٍ تكاد عينا المرء الملاصق بها تُصابان بعمى لشدّة صغرها وقربها منهما، فلن تكون "صحّية" إطلاقًا، جسديًا وفكريًا ومُشاهدة وتواصلاً وتنبّهًا. ورغم أنها معروضة لتمضية وقتٍ في فضاء معلّق بين سماء عالية وأرضٍ بعيدة، إلا أن متابعتها ـ وإنْ يكن معظمها كوميديًا أو غنائيًا أو غير محتاجٍ لأي تفكير وتأمّل ـ مسيئة لفعل المُشاهدة.
لهذا، تبدو مشاهدة الأفلام في غرفة المنزل "خط دفاع أخيراً" عن طقوس مُشاهدة سينمائية آمنة.
تلك الصالات مُصيبة. فالمقاعد مناسِبَة لنومٍ عميق، والحقّ الفردي بشراء طعام وشراب يحول دون مشاهدة طبيعية حتى لمن يطلب الطعام والشراب، وليس فقط لجاره المهووس بالسينما. لكن المهووس بالسينما لن يأتي إلى تلك الصالات، ولن يُفكِّر لحظة واحدة في تمضية وقتٍ داخلها، ولن يدفع ثمنًا باهظًا لدخول صالة مكوّنة من كلّ ما يُعيق مشاهدة سليمة وطبيعية. وجود تلك الصالات كارثة تحلّ على السينما وصناعتها، إذْ تُربّي أجيالاً من لامبالين، لهم "جذور" في متفرّجين يمارسون كلّ شيء داخل الصالة العادية باستثناء فعل المُشاهدة.
المصائب عديدة في الصالات العادية: "بوب كورن" ومستلزماته، وأجهزة هواتف خلوية، وثرثرة مع رفاق يأتون جماعات كمن يذهب إلى جبهةٍ للقضاء على عدو، وتعليقات متتالية على كلّ ما يحدث أمام القابعين في مقاعدهم على شاشات كبيرة، كأنهم ضالعون في مهنة الصناعة، أو كأنهم أذكى من صانعي الأفلام، رغم أن وجودهم في الصالات منحصرٌ، غالبًا، بأفلام غالبيتها الساحقة غير جديرة بأي نقاشٍ.
فكيف ستكون الحالة في صالات "الشخصيات المهمّة جدًا"؟ هل يظنّ مبتكرو تلك الصالات في مدن عربية أن القادمين إليها هم، فعليًا، "شخصيات مهمّة جدًا"؟ هل يرى هؤلاء أن تأمين أشكالٍ جمّة من "الراحة الجسدية" كفيلٌ بمُشاهدة ممتعة؟
أما أفلام الطائرات، المعروضة على شاشاتٍ تكاد عينا المرء الملاصق بها تُصابان بعمى لشدّة صغرها وقربها منهما، فلن تكون "صحّية" إطلاقًا، جسديًا وفكريًا ومُشاهدة وتواصلاً وتنبّهًا. ورغم أنها معروضة لتمضية وقتٍ في فضاء معلّق بين سماء عالية وأرضٍ بعيدة، إلا أن متابعتها ـ وإنْ يكن معظمها كوميديًا أو غنائيًا أو غير محتاجٍ لأي تفكير وتأمّل ـ مسيئة لفعل المُشاهدة.
لهذا، تبدو مشاهدة الأفلام في غرفة المنزل "خط دفاع أخيراً" عن طقوس مُشاهدة سينمائية آمنة.