ها هو ميلان يُسجل انتصارين على الوصيف والبطل في أسبوع. هو تفوق لم يأتِ من صدفة أو فراغ، لا بل جاء نتيجة عمل وجهد كبيرين داخل الملعب وخارجه. قصة عن عودة ميلان الجميل، عن عودة تُشبه كثيراً قصة "سيمبا"، والجميع يعرف من هو "سيمبا" طبعاً.
تشهد الكرة الإيطالية اليوم عودة واحد من أكبر أنديتها، لا بل أحد عظمائها في دوري أبطال أوروبا خصوصاً. هي العودة التي تُشبه كثيراً قصة فيلم "الأسد الملك" الشهير، قصة عودة سيمبا المحفورة في ذاكرتنا جميعاً. هي القصة التي ستُسرد وكأنه فيلم سينمائي تحت عنوان "عودة سيمبا إيطاليا".
غياب حزين وقاتم
في عام 1994، أنتجت شركة "ديزني" الأميركية فيلم "الأسد الملك" أو "Lion King"، الفيلم الذي يتناول حكاية ملك الغابة الذي يُرزق أسداً يُسميه "سيمبا". بعد ذلك تبدأ الأحداث المثيرة، من وفاة الأب موفاسا، وصولاً إلى هرب سيمبا لسنوات طويلة وغيابه عن صخرة الملك في الغابة.
وبعد سنوات طويلة يعود "سيمبا" أكبر وأقوى وأكثر نضجاً، وهدفه استعادة مكانته في الغابة، مكانة والده الذي غدرت به السنوات. من هذه المشاهد تبدأ قصة ميلان في السنوات العشرين الأخيرة، فبعد أن كان ملكاً لأوروبا في سنوات 2003 و2007، وبطلاً محلياً في موسم 2010-2011، غاب الفريق عن الساحة.
ميلان الذي لطالما أرعب المنافسين، وكان حبيب الجماهير، أنهى موسم 2013-2014 ثامناً. نعم ميلان خارج المنافسات الأوروبية، بعيد عن المربع الذهبي، بعيد عن منصات التتويج، بعيد عن كل شيء تقريباً. وبعد موسم واحد فقط أنهى موسمه في المركز العاشر، المركز الذي لا يليق أبداً بعراقته وتاريخه.
في تلك الفترة عاشت جماهير فريق ميلان أسوأ أيامها. فقدت الحماسة لمتابعة مباريات فريقها، تضررت معنوياً وذهنياً. وحينها دخل الفريق في نفق أسود، مجهول المصير والمستقبل. هو غياب يُشبه ما حصل مع "سيمبا" تماماً، يوم لم يُساعده والده المُتوفى (تاريخه) ولا عائلته (جماهيره) ولا شيء أبداً.
مرت السنوات و"سيمبا" إيطاليا، أي ميلان، في ضياع. حاول الاستيقاظ مجدداً، لكنه كان يتلقى الصدمات توالياً، فيكفي أنه لم يلعب في أوروبا لموسمين، وهذه جريمة بحق الكرة الإيطالية طبعاً، هذا عدا عن غيابه عن منصات التتويج محلياً باستثناء لقب "السوبر" الإيطالي في عام 2017.
عودة "سيمبا" إيطاليا
في السنوات الأخيرة عاشت جماهير ميلان على أمل العودة المُنتظرة، وفي كل موسم كان الأمر ينتهي بخيبة آمل كبيرة. وكل أحلام الجماهير كانت تنتهي مع نهاية كل موسم. لكن مهلاً، هذا الأمر انتهى حرفياً، لأن ما بعد فترة التوقف بسبب "كورونا"، ليس كما قبله تماماً.
عاد ميلان بعد فترة التوقف وكأنه فريق آخر، يُشبه كثيراً نسخة كارلو أنشيلوتي، لكن هذه المرة تحت قيادة مدرب شُجاع اسمه ستيفانو بيولي. الفريق حقق 4 انتصارات في أول 5 مباريات لعبها بعد التوقف، وأضاع فرصة الفوز أمام سبال بطريقة غريبة جداً، واللافت أنه تفوق على روما، لاتسيو ويوفنتوس.
يبدو أن "سيمبا إيطاليا" بدأ يقترب شيئاً فشيئاً من صخرته الملكية (هي الصخرة التي وقف عليها والد سيمبا في عام 1994 وكان ملكاً للغابة). هي الصخرة نفسها التي وقف عليها ميلان في سنواته الذهبية وسيطر على الكرة الإيطالية، وكان يُرعب الكبير قبل الصغير.
قد يخرج البعض ويُقلّل من قيمة ستيفانو بيولي، أو أن النتائج الأخيرة مجرد صدفة. حسناً، لا مفرّ من هذا الكلام، لكن ما فعله ميلان أخيراً يؤكد أن الفريق استعاد الكثير من هيبته ومن أدائه المُميز، والأهم أنه بدأ يفرض شخصيته الكروية دون خوف من أحد، حتى يوفنتوس، وهو ما لا يجب التقليل من شأنه.
عاد "سيمبا إيطاليا"، وهذا التشبيه مُنح لأن ميلان هو بطل في نظر الجماهير الإيطالية وجماهير كرة القدم، فميلان لطالما كان مثالاً للكرة الجميلة والمُمتعة. "سيمبا إيطاليا" اليوم في الطريق الصحيح إن كان سيبقى مع بيولي أو المدرب الجديد رالف رانغنيك.
"سيمبا إيطاليا" استعاد الكثير من روحه في المباريات وكأنه ولد من جديد وهو في طريقه لاستعادة ما فاته في السنوات الماضية بعد غيابه عن "الصخرة" التي لطالما كان ملكها. عاد "سيمبا إيطاليا" إليكم من جديد، وعلى جماهير ميلان أن تستعد لمرحلة مُشرقة، لأن التاريخ سيُنصف ميلان حتماً.
هو الوقت فقط سيؤكد للجميع إن كانت هذه هي العودة الحقيقية التي انتظرتها جماهير ميلان، وإن لم تحصل، فهو على الأقل أمتع الجميع في بعض المباريات أخيراً، وجعل الجماهير تعود بالذاكرة إلى أيام الزمن الجميل الذي صنعه "الروسونيري".