منحت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، ستًّا من كبريات الصحف الأوروبية، بينها "ذا غارديان" البريطانية و"إنفورماسيون" الدنماركية، مقابلة بمناسبة تولّي بلادها رئاسة الاتحاد الأوروبي بدءا من الأول من يوليو/تموز الحالي، للحديث عن واقع اقتصاديات الاتحاد الأوروبي ومستقبله.
وتعتقد ميركل أنه على أوروبا أن تستعد لـ"تخلّي أميركا عن دورها القيادي العالمي". ووفقا للمقابلة التي شاركت فيها أيضا "سوددويتشه زايتونغ" الألمانية و"لوموند" الفرنسية و"لا فانغوارديا" الإسبانية، و"لا ستامبا" الإيطالية، أن أوروبا تواجه تحديات كثيرة، إلى جانب الخروج البريطاني ووباء كورونا، ودور كل من الصين والولايات المتحدة الأميركية.
ميركل: أوروبا ليست مجهزة تماما لمواجهة تحديات أزمات كبرى، بما فيها أزمة اليورو حيث افتقدنا لأدوات لازمة ومناسبة. وجاءت أزمة تدفق اللاجئين في 2015 لتكشف ذلك الخلل في نظام اللجوء الأوروبي
ومن بين ما تناولته ميركل، في مقابلتها مع تلك الصحف، عن الآمال الأوروبية الكبيرة على بلدها لإيجاد حلول لتحديات كثيرة، أن أوروبا "واجهت أيضا في 2007، عندما كنت في منصب المستشارية، ورئاسة الاتحاد، تحديات كثيرة، وفي تلك الفترة كان قد تم التصويت على المعاهدة الدستورية الأوروبية سلبا في فرنسا وهولندا، وهو ما جعلنا نفكر في معاهدة أخرى، وجرى تبنّي معاهدة لشبونة. ولكن، لم يمر وقت طويل قبل أن تضربنا أزمة مالية عالمية ومطبات منطقة اليورو وتأثيرها، وهو ما أوضح مرارا أن أوروبا ليست مجهزة تماما لمواجهة تحديات أزمات كبرى، بما فيها أزمة اليورو، حيث افتقدنا لأدوات لازمة ومناسبة. وجاءت أزمة تدفق اللاجئين في 2015 لتكشف ذلك الخلل في نظام اللجوء الأوروبي".
وترى ميركل في وباء كورونا اليوم "تحديا بأبعاد مختلفة، لم نعرفها سابقا، فقد ضربنا الوباء جميعا. حيث توقف التطور الاقتصادي الإيجابي المنتشر في القارة، وتزامن ذلك مع تحولات فرضتها التغيرات المناخية والثورة الرقمية، واللتين باتتا تغيران حياتنا واقتصادياتنا".
وتذكر ميركل أنه عوضا عن التركيز مرارا وتكرارا على المسائل الوجودية "أعتقد أنه علينا جميعا ارتداء ملابس العمل، ومن مصلحة جميع الدول الأعضاء الحفاظ على السوق الداخلية والظهور متحدين عالميا، وفي مثل هذا الوضع الاستثنائي أضع ثقتي في تفهم واهتمام الدول الأعضاء بالمصالح الكبيرة التي تجمعنا".
وعرّجت ميركل على التسييس المرافق لكورونا، معتبرة أن نبرة التخاطب الدولي حادة، مقارنة بما حدث بعد أزمة 2008 العالمية "ففي ذلك الوقت كنا أمام نظام تعددي عالمي، وبدأنا في مجموعة العشرين لقاءات على مستوى القمة للاستجابة الموحدة للتحديات. الأمر اليوم ليس كذلك، ونحن مجبرون على بذل الجهود لمنع انتكاسة تأخذنا نحو سياسة حمائية. وإذا كانت أوروبا ترغب في أن يُستمع لها على المستوى العالمي فعليها أن تكون قدوة، أؤمن بذلك. ولكن ليس لدي أوهام بأننا سنكون في مواجهة مفاوضات صعبة".
وعن إنشاء صندوق مواجهة توابع أزمة كورونا، دعما لاقتصاديات الدول المتضررة، ترى ميركل أن ذلك "مسألة تضامن، ومن غير المناسب الحديث عن بلدان شمال وشرق وجنوب أوروبا، فالأمور بهذه الطريقة تصبح إما أسود أو أبيض، ومن الأفضل أن نضع أنفسنا مكان الدول الأخرى لنفهم وجهة نظرهم ومشاكلهم".
وأضافت ميركل، في ذات الاتجاه، عن تشكل جبهة دول التقشف، أن إسبانيا وإيطاليا تحملتا أعباء هائلة بسبب الجائحة "على المستويين الصحي، من حيث عدد الأرواح التي فقدت، وتأثيرات ذلك نفسيا، واقتصاديا، وفي مثل هذه الظروف من المنطقي والسليم ألا تفكر ألمانيا في نفسها فحسب، بل أن تكون مستعدة للانضمام إلى بادرة تضامن غير عادية، وهو ما قمت به مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون".
وعن انتشار الشعبوية والقومية المتعصبة، تعترف ميركل بأن "مشروع الصندوق قد لا يحل مشاكل أوروبا، ولكن وبدونه سيصبح الوضع أكثر سوءا، فالوضع الاقتصادي الصحي له نتائج إيجابية كثيرة، ولو انفجرت نسبة البطالة فهذا سيؤدي إلى انفجارات سياسية تقوي تهديد ديمقراطيتنا، فلأجل أن تنجو أوروبا عليها أن تنجو اقتصاديا".
وتعتقد ميركل أن أوروبا عاشت منذ 1989، مع انهيار الكتلة الشرقية، ثورة على ما خلفته حقبة الديكتاتوريات على مدى 40 سنة من بعد الحرب العالمية الثانية، والكتلة الشرقية كانت أمامها سنوات قليلة للتأسيس لهويتها الوطنية الجديدة.
ميركل: لو انفجرت نسبة البطالة فهذا سيؤدي إلى انفجارات سياسية تقوي تهديد ديمقراطيتنا
وأشارت في السياق إلى أن أوروبا تواجه تحديات انتهاك مبادئ دولة القانون (وهي إشارة لتطورات سلبية في المجر وبولندا تؤرق الأوروبيين)، وأن "أوروبا بالطبع ستناقش هذه المسائل، فإحدى السمات المميزة للديمقراطية أن يكون للمعارضة فرصة عادلة للعودة إلى الحكم، وأن تُكفل للمعارضة مجموعة من الحقوق الواضحة، مع توفر كاف للنقاش في البرلمانات، وبنفس القدر فرص متساوية للحديث عبر وسائل الإعلام العامة واستقلال القضاء واحترام قواعد اللعبة الديمقراطية".
وفي السياسة الخارجية، ترى ميركل أنه بسبب جائحة كورونا ليس من الممكن عقد لقاء قمة مع الصين في سبتمبر/أيلول القادم. ومع تصاعد التوتر الغربي-الصيني، تعتقد المستشارة أنه "يجب الحفاظ على هدف تعزيز العلاقة الأوروبية الصينية، خصوصا أننا نتشاطر مصالح مشتركة كقضايا المناخ، ولدينا الوقت لمناقشة السياسات الاستثمارية للوصول إلى اتفاق معها، وعلينا أن نناقش سياسات الإنماء في أفريقيا، حيث تتبع الصين مسارا مختلفا".
وعن سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عقبت ميركل على إعلانه سحب قواته من ألمانيا بالقول إن على حلف الناتو "أن ينظر إلى نفسه على أنه تحالف له قيمته الكبيرة لكل عضو فيه، والقوات الأميركية في ألمانيا لا تساهم فقط في حماية البلد والجزء الأوروبي من الناتو، بل في حماية المصالح الأميركية نفسها".
وجواباً على سؤال ما إذا كان الوقت قد حان لانتهاج استقلال أوروبي في استراتيجيته العالمية، ذكرت ميركل بعالم اليوم بالقول "لننظر إلى العالم، لدينا أسباب قاهرة للبقاء ملتزمين جماعيا بخطط دفاعية عبر الأطلسي، وبطبيعة الحال يتعين على أوروبا أن تتحمل العبء أكثر مما كانت عليه أثناء الحرب الباردة، لقد كبرنا على أساس أن أميركا باقية في ريادة العالم، أما إذا كانت الآن راغبة في الانسحاب من هذا الدور فسيكون علينا النظر بعناية فائقة في العواقب".
وتختم ميركل أن الأوروبيين متنبهون للدور الروسي في تقويض ألمانيا والديمقراطيات الأوروبية "ولحملات التضليل والحروب الهجينة، باعتبارها جزءا من ترسانة روسيا". وأردفت متحدثة عن عمليات اغتيال يحتمل أن روسيا ارتكبتها في برلين صيف العام الماضي أن "ممارسات وسلوك موسكو هي لزعزعة الاستقرار، لكن يبقى من المهم الدخول في حوار بناء معها، سواء تعلق الأمر بسياستها في سورية وليبيا أو في دول الجوار الأوروبية، حيث تسعى إلى نفوذ استراتيجي، ولهذا سأواصل المساعي للتعاون".