المياه الصالحة للشرب حاجة ملحة بالنسبة إلى المهجّرين وإلى أهالي الشمال السوري على حدّ سواء. وبهدف تأمينها، يلجأ نازحون كثر إلى نقلها وتخزينها، في حين يحفر عدد من الأهالي آبارا جوفية لضمان توفير المياه ويعمدون كذلك إلى ضخّها لمصلحة آخرين.
وتختلف الخطط التي تلجأ إليها المجالس المحلية، فيعمد مجلس مدينة الدانا على سبيل المثال إلى الإعلان عن مواعيد ضخّ المياه لأحياء المدينة عبر صفحته على موقع "فيسبوك"، في حين يتلقى شكاوى الأهالي المتعلقة بأعطال شبكة المياه. أمّا في بلدة ميدانكي بريف عفرين، فالسكان يفتقرون إلى المياه طوال الأسبوع، إذ إنّها لا تُضخّ إلا في يوم واحد فقط.
مازن الشامي نازح من الجنوب إلى مدينة الدانا، يوضح لـ "العربي الجديد" أنّ "إيصال المياه إلى أحياء المدينة جاء من خلال خطة للمجلس المحلي تنصّ على تحديد مواعيد وتوزيع المياه وفقها للأهالي والنازحين على حدّ سواء".
بالنسبة إلى الشامي، فإنّ "عمل المجلس خطوة سبّاقة نشكرهم عليها. فعودة المياه عبر الشبكة المحلية أمر ممتاز يخفف معاناة الجميع ويقلل من أعباء مصاريف نقل المياه وتخزينها".
ويشير إلى أنّ "المبلغ الذي حدّده المجلس يتراوح ما بين ألف و1500 ليرة سورية (ما بين دولارَين أميركيَّين وثلاثة دولارات) وهو معقول نوعاً ما في مقابل الحصول على المياه دورياً"، ويأمل تعميم التجربة.
أمّا عيسى الحسن النازح من الغوطة الشرقية والمقيم ببلدة ميدانكي، فيقول لـ "العربي الجديد" إنه "خلال شهر رمضان الماضي، كانت المياه تضخّ للمنازل من بحيرة ميدانكي يوماً واحداً في الأسبوع فقط، وهو يوم الخميس. وصحيح أنّ المياه لم تكن تكفي، غير أنّها كانت تفي بالغرض نوعاً ما وتخفف عنّا عناء ومصاريف نقل المياه بالصهاريج التي تجرّها الجرارات". ويضيف الحسن أنّ "الصهاريج التي تنقل المياه متوفّرة اليوم، غير أنّها ليست الحلّ لمشكلة دائمة. فكميات لا بأس بها من المياه تهدر على الطريق وخلال ملء الخزانات هنا، في حين أنّ بعضاً منها يصل ملوّثاً وغير صالح للشرب".
في السياق، يتحدث عمر قصير الذي كان يدرس الهندسة البيئية في حمص، عن حلول لمشكلة المياه ونقلها. ويوضح لـ"العربي الجديد" أنّ "أفضل الحلول وأكثرها نجاعة هو صيانة الشبكات القديمة ولو بمجهود من الأهالي وإعادة تشغيل المضخات الخاصة بالآبار الجوفية، بالإضافة إلى حفر آبار أخرى وتركيب مضخات جديدة في المناطق التي لم تصلها شبكات مياه في السابق".
كما يلفت إلى أنّه "من الممكن استخدم الأنابيب البلاستيكية في هذه الشبكات، ومن غير الضروري طمرها تحت الأرض بعمق مناسب وعزلها بطبقات من الرمل والحصى مثلما تفعل الشركات الحكومية أو مثلما يقتضي العمل المهني. بالتالي، بجهود فردية، يمكن تمريرها بجانب الطرقات وطمرها تحت عشرة سنتيمترات أو عشرين من التراب، فقط لحمايتها من التعرّض المباشر لأشعة الشمس أو البرد القاسي، الأمرالذي قد يتسبب بتشقق الأنابيب".
ويتابع قصير أنّه "عند احتساب تكاليف نقل المياه بالصهاريج، من وقود وكميات مياه مهدورة، يتبيّن لنا أنّه من الأفضل للأهالي تشارك شبكة محلية في كل حيّ مع الاكتفاء ببئر واحد تُضَخ المياه عبره منه. ومن شأن تلك الشبكة التي تكون منظمة نوعاً ما توفير الجهد والمال". ويشير قصير إلى أنّ ثمّة جانباً مهماً لا يراعيه عدد كبير من الأهالي ومن الذين حفروا الآبار الجوفية، إذ إنّهم يظنون أنّ مشكلتهم انتهت. هم يقصدون تلوّث المياه. وهنا، أنصح جميعهم بأخذ عيّنات من مياه آبارهم وفحصها لكشف مدى صلاحيتها للشرب وإذا كانت تحتوي على جراثيم ضارة أم لا".
من جهته، يقول سلمو إبراهيم وهو ابن بلدة الشيخ حديد لـ"العربي الجديد" إنّه "بصراحة، لم يختلف الأمر علينا بأيّ شيء بالنسبة إلى الحصول على مياه الشرب. فنحن نعتمد منذ زمن بعيد على خزانات للمياه نجمع فيها مياه الأمطار خلال الشتاء ونحتفظ بها للصيف بهدف الاستخدامات اليومية ما عدا الشرب".
ويضيف أنّ "النظام لم يكن مهتماً مطلقا بالبلدات النائية في عفرين، وكان مصرّاً على جعلها فقيرة. واليوم نأمل بالحصول على شبكات مياه والتخلي عن الجرارات والصهاريج، لأنّها متعبة ومرهقة جداً وقد عايشنا ذلك أعواماً".