اقرأ أيضاً إيران ما بعد الاتفاق: حسابات الداخل ومتطلبات الإقليم
وبدت مصر المنكفئة على ذاتها منذ اﻹطاحة بحكم "اﻹخوان المسلمين" في منتصف عام 2013، وكأنه قد تم تحييدها ولم تعد تلك القوة الإقليمية المؤثرة، أو كما يصفها رئيسها عبدالفتاح السيسي بـ"حجر الزاوية في الشرق اﻷوسط والعالم العربي".
وفي تصرف دبلوماسي غريب يعبر عن حالة الغياب اﻹقليمي، أصدرت وزارة الخارجية المصرية بياناً يقول: "نتابع باهتمام الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين مجموعة الست الكبرى وإيران حول الملف النووي الإيراني، ونعكف حالياً على دراسة بنوده فور الحصول على نص كامل للاتفاق لدراسته وتقييم مضمونه بدقة".
وأعرب البيان عن "أمل مصر في أن يكون الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الطرفين شاملاً متكاملاً، ويؤدي إلى منع نشوب سباق للتسلح في منطقة الشرق الأوسط وإخلائها بشكل كامل من جميع أسلحة الدمار الشامل، بما فيها الأسلحة النووية، وبما يؤدي إلى تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة، ويتفق مع بنود معاهدة منع الانتشار النووي".
وتظهر تفاصيل البيان موقفا فقيرا من حيث المضمون بالنسبة لموقفي إسرائيل والسعودية المعارضين بشدّة للاتفاق، أو موقف اﻹمارات المرحب باﻻتفاق والمسارع لتهنئة طهران عليه.
وربما لعب هذا التناقض بين موقفي أكبر دولتين داعمتين اقتصادياً وسياسياً لنظام ما بعد "اﻹخوان"، دوراً في رغبة مصر البقاء على الحياد في هذا التوقيت البالغ الخطورة.
ويسير السيسي على اﻷشواك في علاقته مع إيران، فبعد تقارب ﻻفت قصير اﻷجل بين القاهرة وطهران في عهد "اﻹخوان"، اتخذ خطوتين إلى الوراء تحسباً لرد فعل سعودي، ولكنه في الوقت نفسه ﻻ يمانع في التقارب غير المباشر مع طهران من خلال حليف مشترك بينهما كروسيا، ﻻ سيما في ظل مواقف السيسي المناوئة للثورة السورية والتي تعتبر نظام بشار اﻷسد جزءاً من الحل في المستقبل.
ووسط مشاكل داخلية عديدة ومعركة قد يطول أمدها مع اﻹرهاب في سيناء، يبدو أن السيسي آثر عدم اعتناق موقف محدد من الملف النووي اﻹيراني في انتظار ما ستسفر عنه اتصاﻻت الوﻻيات المتحدة بالسعودية تحديداً، لتهدئتها وطمأنتها وتقديم ضمانات جديدة لعدم المساس بأمنها، واﻷمر ذاته بالنسبة لإسرائيل، الحليف اﻷمني اﻷقرب جغرافياً للسيسي.
أما الشارع المصري المثقل كاهله باﻷعباء اﻻقتصادية وازدهار الدولة اﻷمنية وفراغ المشهد السياسي، فاستقبل الاتفاق النووي اﻹيراني بمشاعر مختلطة بين القلق من معارك مستقبلية بين قوى إقليمية قد تدفع مصر إليها لسداد فواتير المساعدات؛ وهو نفس اﻷمر الذي كان يقلق المصريين من عملية "عاصفة الحزم" ضدّ الانقلاب الحوثي في اليمن.
كما يكتنف المصريين شعور آخر بالغيرة تجاه اﻹيرانيين الذين فرضوا إرادتهم على المجتمع الدولي وإسرائيل، بينما لا تزال خطوات مصر متعثرة في إنشاء مفاعل نووي فعال لتوليد الطاقة الكهربائية، رغم مرور سنوات عديدة على اختيار الموقع بمدينة الضبعة بمطروح شمال غرب البلاد، ومرور عدة أشهر على تلقي مصر وعوداً من دول كروسيا والصين بمساعدتها.
وقد تمخضت هذه الوعود عن عرض روسي وحيد في شهر مايو/ أيار الماضي من شركة روزاتوم المتخصصة في إنشاء المحطات النووية، ويبدو أنه لن يدخل حيز التنفيذ بسبب خلافات على القيمة المالية قياساً بفترة اﻹنشاء والتجهيز.