يحاول الموظف في حكومة غزة السابقة معروف الخطيب (41 عاماً) تدبير شؤون عائلته المكونة من خمسة أفراد، واحتياجاتها اليومية، بما ينسجم مع المبالغ المالية الضئيلة التي يتقاضاها بين الحين والآخر، من وزارة المالية في غزة، في ظل عدم تلقّيه أي راتب شهري من حكومة التوافق الوطني منذ نحو ثمانية أشهر.
وتعدّ عائلة معروف نموذجاً لمئات العائلات التي يعيلها موظفون يتبعون لحكومة غزة السابقة، والذين شاركوا اليوم الثلاثاء في مسيرة احتجاجية انطلقت من أمام مقر المجلس التشريعي وسط مدينة غزة، نحو مجلس وزراء حكومة التوافق غربي المدينة، بدعوة من نقابة الموظفين، للمطالبة بإنهاء أزمتهم وصرف مستحقاتهم المالية.
ولم تصرف حكومة التوافق الوطني، منذ تسلّمها الحكم في الثاني من يونيو/حزيران من العام المنصرم، أي راتب إلى موظفي حكومة غزة السابقة الذين عيّنتهم حركة "حماس" بعد عام 2007، والبالغ عددهم نحو 45 ألف موظف.
وقال الخطيب، لـ "العربي الجديد": "تقاضيت آخر راتب في شهر نوفمبر/تشرين الثاني لعام 2013، ومن بعده بدأت الديون المالية تتراكم عليَّ بشكل هائل، فلم أجد ملجأ لتوفير احتياجات أولادي، سواء التعليمية أو اليومية، إلا الاستدانة، في ظل عدم اكتراث حكومة التوافق بأوضاع الموظفين وتجاهل مطالبهم العادلة بشكل متعمّد".
وعكفت وزارة المالية في غزة، منذ نحو خمسة أشهر على صرف بعض السلف المالية من رصيد المستحقات المتأخرة لموظفي حكومة غزة، بحد أدنى بلغ ألف شيكل (250 دولاراً)، وأقصى 3500 شيكل (900 دولار)، فيما نظمت نقابة الموظفين عدة خطوات احتجاجية، للضغط على حكومة التوافق مع أجل تلبية مطالبهم.
ورفع المشاركون في المسيرة الاحتجاجية التي تزامنت مع إضراب جزئي شمل الوزارات والمديريات والمؤسسات الحكومية في غزة كافة منذ الساعة العاشرة والنصف صباحاً، لافتات تطالب بتلبية مطالبهم وإنقاذهم من أوضاعهم المتدهورة، مثل "كفى عبثاً بمصير آلاف الأسر"، و"راتب الموظف حق شرعي لا نقاش فيه".
وتقدم المسيرة الغاضبة عدد من سيارات الدفاع المدني ورجال الشرطة والإسعاف والطوارئ ورجال القضاء الشرعي، للفت الانتباه إلى أن الأزمة طالت جميع الموظفين، بينما أحرق بعض الموظفين مجسماً ورقياً لرئيس حكومة التوافق رامي الحمد الله، تعبيراً عن غضبهم تجاه ما وصفوه بـ "تخاذل الحكومة".
وتساءل الموظف حسن سعد عن سبب تهرّب حكومة التوافق من مسؤوليتها تجاه الموظفين، وعدم دمجهم في السجلات الحكومية، وقال سعد لـ "العربي الجديد" إن "الحكومة غير جادة في التعامل معنا، بل تزيد معاناتنا، لأنها حتى الآن لم تصرف رواتبنا الشهرية بانتظام عبر وزارة المالية وليس من وزارة الشؤون الاجتماعية".
وصرفت وزارة الشؤون الاجتماعية في حكومة التوافق، دفعة مالية واحدة بمقدار 1200 دولار، لصالح 24 ألف موظف مدني عيّنتهم حكومة غزة السابقة، وحرم منها موظفو وزارة الداخلية، وبعض الموظفين المدنيين، وذلك نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتبرعت بهذه الدفعة دولة قطر.
بدوره، شدّد القيادي في حركة الجهاد الإسلامي خالد البطش على أهمية إيجاد حل عاجل وعادل لأزمة موظفي حكومة غزة السابقة، بما يضمن حقوق الموظفين كافة وفق ما ينص عليه القانون واتفاق المصالحة الذي وقعت عليه الفصائل ونصّ على حل مشاكل الموظفين، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة.
وطالب البطش في كلمته خلال المسيرة، حكومة التوافق الوطني بتحمل كامل مسؤوليتها في قطاع غزة، والإسراع في إنهاء أزمة الموظفين من دون تراخٍ، وإعطاءهم حقهم في الأمان الوظيفي وصرف رواتبهم الشهرية ومستحقاتهم المالية المتأخرة كافة.
في السياق ذاته، حمّل رئيس نقابة الموظفين في غزة، محمد صيام، حكومة التوافق مسؤولية تدهور الأوضاع الحياتية للموظفين، نتيجة عدم صرف رواتبهم، مطالباً إياها بالوقوف على مسافة واحدة بين الموظفين الحكوميين كافة، وتنفيذ استحقاقات اتفاق المصالحة الذي يعزّز الترابط بين أبناء الشعب الواحد.
وقال صيام في كلمته نهاية المسيرة إن النقابة تستعد لتنظيم أكبر حراك نقابي داخلي وخارجي من أجل إنهاء أزمة موظفي حكومة غزة السابقة، والتجهيز للإعلان عن اليوم العالمي للتضامن مع قضيتنا، مبيناً أن النقابة لن تعترف بأي مبادرة أو لجنة تنقص من حقوق الموظفين.
وبيّن صيام أن نقابة الموظفين ستستمر في تنظيم فعالياتها الاحتجاجية الضاغطة على حكومة التوافق، حتى تلبية مطالب موظفي حكومة غزة السابقة كافة، المتمثلة في الاعتراف بشرعيتهم وحقوقهم المالية والوظيفية، ومن ثم دمجهم في السجلات الرسمية التابعة للسلطة الفلسطينية وصرف رواتبهم بشكل منتظم عبر وزارة المالية.