يعيش المزارع في تونس طوال سنة كاملة، حالة يمتزج فيها إحساس الخوف، بالأمل، انتظاراً لقدوم موسم حصاد محصول الحبوب، وبيعه، في هذا الوقت من العام، بعد صبر طويل استمر على مدار مختلف الفصول.
ويشبه موسم الحصاد عند المزارع التونسي، الأفراح، في الريف، حيث يدعى إليه جميع أهل القرية، ويعد فيه الطعام، ويصدح فيه بأغاني شعبية، تتغنى بسنابل القمح والشعير وفقاً للتقاليد الموروثة منذ القدم.
وتمثل زراعة الحبوب أحد أهم القطاعات الزراعية في تونس، ويتصدر موسم حصاد الحبوب قائمة أنشطة القطاع الزراعي، الذي يساهم بنسبة تفوق 10 % من اجمالي الناتج المحلي، وتستقطب ما يزيد عن 8 % من إجمالي الاستثمارات في الاقتصاد الوطني، وتشغل نحو 16% من الأيدي العاملة النشطة.
تقاليد موروثة
وقال المشاركون في حفل انطلاق موسم الحصاد، إنه قبل الانطلاق في قطف أولى سنابل المحصول الجديد، تدق ساعة الاحتفالات استبشاراً بالموسم، وبالخير الذى يدرّه هذا المحصول، حيث يجتمع الرجال حول كبش الذبيحة لنحره، إذ يعتقدون أن تسييل الدم يطرد العين الخبيثة.
وبعد ذلك يتجهز الفرسان لامتطاء ظهور الخيل، المعدة بكساء مميز استعداداً للعرض، فيدور كل فارس مع حصانه في حلقة متواصلة، ويشرع في أداء حركات استعراضية، تشد انتباه الحاضرين من الصغار والكبار، الذين يصفقون مع كل حركة تثير إعجابهم، ووسط الحلقة يقف عازفو الطبل والزكار (الناي)، يؤدون مقطوعات موسيقية خاصة برقصة الخيل على غرار السعداوي (موسيقي شعبية).
وقال الفارس إبراهيم الزائري: الخيل والفرسنة (الفروسية) بركة، ومعها نعيش، والمزارع يربي الخيل، ودائماً ما تصحبه أينما ذهب، ومع الحصاد تشاركه فرحته، كذلك في موسم تقطيع صوف الأغنام يشارك الخيل في الاحتفال، خصوصاً بعد عناء الحرث والزرع والصبر طوال السنة، والتي تختم بعرس الحصاد.
وأضاف: ''مع بداية موسم الحصاد تجهز الذبيحة، ويطبخ الكسكسي (طعام شعبي)، استبشاراً بالخير القادم، فيوم الحصاد هو يوم الفرح والعرس، ويصار إلى إطعام كل المشاركين، ونتقاسم خيرات الارض، وما منّ الله به علينا''.
وقال أحد المزارعين المشاركين في الاحتفال، رفض ذكر اسمه: "قديماً كنا نستعمل المناجل، ويجتمع كل سكان قريتنا في الجزء الشمالي الغربي للحصاد، الكل يشارك، ويقف الرجال صفاً طويلاً بالتوازي مع طول الطبة (الأرض المخصصة للحصاد)، ويبدأ العمل مع انطلاق أغان تقليدية، تحتفي بالسنابل وببداية موسم البركة".
ويرتبط قطاع زراعة الحبوب، بشكل بقوة بكميات الأمطار، وهو ما يؤدي إلى تغيرات ملحوظة في كميات المحاصيل السنوية.
وأضاف أن النساء عليهن جمع ما تم حصده من حزم السنابل، وتكديسها في قطعة أرض منبسطة تخصص للدرسة (عملية فصل الحبة من السنبلة)، باستعمال عربة مصنوعة من الخشب (الجاروشة) يجرها حصان في شكل دائري، يمتطيها الدرّاس، والذى غالباً ما يجتمع حوله الأطفال الصغار يحاولون ركوب العربة معه بالتناوب.
الانتاج والاستهلاك
ولا تزال بعض القرى في تونس تحرص على أن تخزن من محصول الحبوب حصة للبذر، في السنة المقبلة، وعادة ما يتم اختيارها من أنقى وأجود الأنواع، كما تخصص كمية أخرى لطبخ الكسكسي، والخبز التقليدي، طوال السنة.
وقال فوزي المديوني، مزارع في منطقة سيدي فرج من محافظة بنعروس (جنوب) ، يجب في كل افتتاح لموسم الحصاد، دعوة كل الفلاحين، لكى يشتركوا في بركة الموسم، ويتعاون الجميع في الإعداد للاحتفال بالموسم، لأن في ذلك تدعيماً للتعاون بيننا.
وتعتمد عمليات الحصاد في تونس على آلات حديثة تسمى "الحاصدة – الدارسة"، والتي تجهز قبل أيام من انطلاق الموسم.
وتتوقع وزارة الزراعة التونسية أن يبلغ محصول الحبوب هذه السنة 2.2 مليون طن بزيادة بنسبة 83 بالمائة بالمقارنة مع السنة الماضية.
ويبلغ استهلاك تونس من الحبوب سنوياً نحو 25 مليون قنطار من القمح (2.5 مليون طن)، منها 22 مليون قنطار للاستهلاك الآدمي، بالإضافة إلى 10 ملايين قنطار من الشعير، و7 ملايين قنطار من الذرة للاستهلاك الحيواني.
أما عن طاقة التخزين، فتقدر بنحو 12 مليون قنطار، وبلغ عدد المجمعين الخواص (الشركات التي تنوب عن الحكومة في عمليات التخزين والتجميع)، 11 مجمعاً في موسم 2012.
وتخصص وزارة الزراعة قرابة المليون ونصف مليون هكتار،(الهكتار 10 آلاف متر مربع)، لزراعة الحبوب بأنواعها، وتتركز أغلبها في مناطق الشمال والوسط.