موسم المهرجانات الصيفية في تونس

04 اغسطس 2015
البالي الجيورجي جيورجيان لاجند في قرطاج
+ الخط -
يعدّ الصيف في تونس منذ سنوات عديدة موسم المهرجانات بامتياز، وبلغ الأمر بالتونسيين أن أصبح كل شبر في البلاد تقريبًا له مهرجانه. وبطبيعة الحال رافقت الظاهرة عدة تساؤلات أبرزها يتعلّق بقيمة المهرجانات في المشهد الثقافي وفائدتها، أو لنقل دورها في التنمية الثقافية، وطرحت ضرورة إعادة هيكلة هذه المهرجانات وتنظيمها بطريقة تجعلها أكثر فائدة. ولقد طرحت المسألة الأخيرة بقوّة قبل الثورة الشعبية بقليل، خاصّة بعد أن تكاثرت المهرجانات من دون أن يكون ذلك مترافقًا بتطوّر على مستوى نوعية العروض المقدمة.
طفت على السطح أسئلة جديدة بعد تغير المشهد السياسي، وبعد تحرّر الممارسة الثقافية، إذ لم تعد الثقافة مرتبطة بأجندة سياسية معينة لخدمة النظام القائم بعد سقوط الاستبداد، ودخول البلاد في مرحلة البناء الديمقراطي، وهي أسئلة وليدة التحولات الكبرى التي يشهدها المجتمع التونسي ومن بينها سؤال رئيس: أي ثقافة نريد؟
ويقرّ الجميع بأن ضعف الإنتاج الثقافي والفقر الثقافي خاصّة لدى الجهات المعنية، يعدّ واحدًا من الأسباب التي مكّنت الإرهاب من التسلل إلى تونس، وأن البلاد في حاجة اليوم إلى مشروع ثقافي جديد، ينمّي ملكة النقد ويساعد على تقوية المناعة لدى المواطن ضدّ المشاريع الظلامية والتغريبية.
وفي وقت انتظر فيه التونسيون أن تكون الثقافة ضمن أولويات الجمهورية التونسية الثانية، يتواصل العمل تقريبًا بالأسلوب نفسه، إذ لم يشهد الموسم الجديد أيّ تغيير على مستوى إعادة الهيكلة أو مراجعة طرق العمل، هذا إذا ما تركنا جانبًا الجهود الفردية لبعض المشرفين على المهرجانات الساعين إلى تقديم برامج ونشاطات ترضي الجماهير إلى حدّ ما، وفي حدود الإمكانيات المتوفرة. ما زالت الإشكاليات الأساسية نفسها مطروحة، وخاصّة تعيين المسؤولين عن المهرجانات في الدقائق الأخيرة، إضافة إلى المشكلة المادية، حيث تمّ تخفيض ميزانية مهرجان قرطاج الدولي لهذا العام إلى حوالى النصف.
ويبدو أنّ التغييرات العديدة على رأس وزارة الثقافة في ظرف بضع سنوات (بعد الثورة) تسبّب بشكل مباشر في تعطيل الإصلاحات المنتظرة خاصة في ما يخصّ المهرجانات. وفي انتظار الإصلاحات الجوهرية الموعودة، يتواصل الجدل عند كلّ موسم جديد.
انطلق موسم المهرجانات هذا العام كالعادة في بداية شهر يوليو/تموزويتواصل إلى منتصف شهر أغسطس/آب. ويلاحظ أنه خلافًا لما كان متوقعًا لأسباب أمنية، فإن الجمهور لم يغب عن المهرجانات، بل أقبل بكثافة خاصة على العروض الجماهيرية الكبرى.

اقرأ أيضاً: مسرحية "السقيفة"؛ ما هذا الجدل؟

وتواصل وزارة الثقافة الإشراف مباشرة على مهرجاني قرطاج والحمّامات الدّوليين، وتترك للسلطات المحليّة إدارة المهرجانات التي تقام في عواصم الولايات وفي عدد من المناطق التابعة لها، وذلك في ظلّ انتقادات شديدة توجه للوزارة بسبب اهتمامها المفرط بمهرجانين كبيرين، مقابل إهمال بقية المهرجانات، بما في ذلك مهرجانات دوليّة تقام بمدن تونسية كبرى. ورغم أن وزارة الثقافة تساعد المهرجانات التي لا تخضع لإشرافها بشكل مباشر، من خلال المنح المالية والعروض المدعومة، إلا أن التفاوت بين إمكانيات مهرجاني قرطاج والحمامات الدوليين من جهة، وبقية المهرجانات من جهة ثانية يبقى قائمًا ويطرح إشكالًا كبيرًا .
وقد رافقت الإعلان عن برامج مهرجان قرطاج الدولي موجة من الانتقادات، تمّ التركيز فيها على برمجة سهرة لفن "الهيب هوب" على المسرح الأثري في قرطاج. إذ وجه الـ "الغاضبون" سهام نقدهم إلى الفنانة سنيا مبارك مديرة المهرجان، وهي فنانة معروفة بذوقها الفني وميلها إلى الموسيقى الكلاسيكية العربية والشرقية، وانتقدوا دعوة فنان الراب التونسي "كافون" في سهرة الهيب هوب المنتظرة (16 أغسطس/آب المقبل)، فهو من منظورهم دون المستوى المطلوب ويقدّم فنًا، في رأيهم، "هابطًا". كما انتقد كثيرون دعوة الفنان الفلسطيني الشاب محمّد عساف، فهو من منظورهم لا يملك تجربة ولا رصيدًا فنيًا يخوله المشاركة في مهرجان عريق بحجم مهرجان قرطاج الدولي.
والحقيقة أن كل مديري مهرجان قرطاج الدولي الذين تعيّنهم وزارة الثقافة، ومن بينهم سنيا مبارك، يضعون في اعتبارهم عاملين أساسيين؛ أولًا إن مهرجان قرطاج ليس حكرًا على جمهور دون غيره، إذ هو مهرجان متنوّع ومنفتح على كل الأذواق. ولا بدّ من الإشارة إلى أن فن "الراب" له جمهوره، وقد علا شأنه خلال أجواء الثورة التونسية، من خلال بثه الرّوح الثورية لدى التونسيين، بأغانيه الناقدة والساخرة، مثل أغاني فنان الرّاب "الجنرال"، الذي تسببت أغنيته "ريس البلاد" في دخوله السجن في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي، قبل أن يفرج عنه بعد الثورة ليتحول إلى بطل وطني.

نقد غير محق؟

لماذا إذن النقد الشديد؟ حتى أن الكثير من الإعلاميين والنقاد تجاهلوا بقية برامج المهرجان التي تجمع بين الطربي وفن الباليه والموسيقى الكلاسيكية وموسيقى الشعوب. وقد جازف المهرجان ببرمجة سهرة خاصة بفن "اللايت باينتينغ" أو التصوير على الضوء، وهو فن حديث استفاد من تكنولوجيا الاتصال الحديثة ومن الرقميات، وذلك رغبة في الاستجابة لميول الجمهور المتغيرة والمتطورة.
تعكس ردود الأفعال تناقضًا كبيرًا وعدم وضوح في الرؤية بخصوص الثقافة التي يريدها التونسيون، ويقال في هذا السياق إن مهرجان قرطاج ليس مهرجانًا تجاريًا، وأنه يضطلع بدور هام في التثقيف. لكن من جهة أخرى، كلما اختار المهرجان برامج ونشاطات تغيب عنها الأسماء التجارية يتم توجيه نقد لاذع لإدارته على أساس أنه قدم برمجة باهتة لا نجوم فيها، وأن المهرجان بصدد فقدان بريقه في العالم، والتنكر إلى تاريخه الحافل بأسماء النجوم العالمية وأكبر الفرق الموسيقية.
اندلع في هذا العام بالذات جدل كبير بخصوص ما أُطلق عليه غياب المشروع الثقافي الذي تبنى المهرجانات وفقًا لمفهومه. فأغلب المهرجانات هي عبارة عن نسخ متكررة، وما يعرض في مهرجان ما يعاد في مهرجان آخر. لذا يطالب كثيرون بالتوجه نحو التخصص في مجالات فنية بعينها، مما يساهم في خلق أرضية تساعد على النهوض بالفنون التي تحتاجها الشعوب لتحقق الرقي المطلوب.
والنقاش مفتوح اليوم حول تقنين عمل المهرجانات، وقد تم إعداد نصوص قانونية، هي اليوم جاهزة على طاولة المسؤولين لتحويل هذه التظاهرات إلى مؤسسات عمومية من دون صبغة إدارية. ويعتبر المدافعون على مشاريع القوانين المتعلقة، بمأسسة المهرجانات أنها الحل الأمثل للخروج من الحالة العشوائية ولتمكين المسؤولين على هذه التظاهرات من إعداد البرمجة في ظروف طيبة ومساعدتهم على التحرّر من ضغط عامل الوقت بالخصوص.
المساهمون