موسكو تواجه واشنطن في سورية عسكريّاً وسياسيّاً

26 ابريل 2017
من القصف الروسي في كفرتخاريم (عمر حاج قدّور/فرانس برس)
+ الخط -

تقود روسيا جهود النظام السوري لاستيعاب محاولة استهداف النظام من جانب الإدارة الأميركية على خلفية هجوم خان شيخون الكيميائي، من خلال العمل على مسارين متوازيين: الأول عسكري عبر هجوم منسق في ريف حماة الشمالي وريف حلب الغربي يستهدف كما يبدو الوصول إلى إدلب، وهجوم عسكري آخر في شرق دمشق يستهدف خناق قوات المعارضة هناك تمهيداً للتخلص منها. والمسار الثاني سياسي، من خلال الإيحاء باستعداد النظام للتعاون الفوري والكامل مع لجنة التحقيق الدولية بشأن هجوم خان شيخون، إضافة للعمل على إحياء مفاوضات أستانة التي كانت تلفظ أنفاسها حتى قبل الحضور الأميركي المتجدد في الملف السوري.
وعلى الصعيد العسكري، واصلت قوات النظام مدعومة بالطيران الروسي محاولاتها التقدم في ريف حماة الشمالي بعد سيطرتها، قبل يومين، على مدينة حلفايا، وقبل ذلك طيبة الإمام وصوران، في مسعى منها للوصول إلى مدن اللطامنة وكفرزيتا ومورك، في الطريق إلى خان شيخون التي تبعد أقل من 20 كيلومتراً عن موقع قوات النظام حالياً في حلفايا.

وبعد أن واجهت تلك القوات مقاومة متزايدة من جانب فصائل المعارضة، صعّدت من عمليات القصف الجوي عبر طيران النظام والطيران الروسي، فقتلت 14 شخصاً وأصابت آخرين قرب مدينة كفرتخاريم شمال غربي إدلب، فيما خرج المستشفى الميداني في المدينة عن الخدمة، جراء تعرضه لقصف مباشر من الطيران الروسي، وهو يقدم خدمات لأكثر من 3000 مدني في المنطقة.

وأصدر مجلس المدينة المحلي على حسابه في موقع "فيسبوك" قراراً بوقف الدوام المدرسي تخوفاً من استهداف الطيران الحربي للمدارس. كما جرح أربعة أشخاص، جراء قصف لطائرات حربية روسية على بلدة بسنقول. وكانت طائرات تابعة للنظام استهدفت السوق الشعبية في مدينة خان شيخون، ما أسفر عن مقتل ستة مدنيين بينهم طفل وجرح عشرة آخرين.

من جهتها، أفادت فصائل المعارضة بأنها تمكنت من استيعاب الهجوم في ريف حماة الشمالي والبدء بهجمات معاكسة استعادت خلالها بعض المواقع التي خسرتها. في هذا الصدد، قال المتحدث باسم "جيش العزة" النقيب مصطفى معراتي، لـ"العربي الجديد"، إن "النظام يحاول استعادة المناطق التي تم تحريرها بدعم جوي روسي، إضافة إلى دعم بري من ايران وحلفائها من الأفغان وحزب الله". وأكد أن "جيش العزة وبقية الفصائل، تمكنوا من امتصاص الصدمة وضرب النظام ومن معه وتكبيده خسائر فادحة". وحول ما قيل عن أن قوات النظام تخطط من خلال عملياتها العسكرية الحالية للوصول إلى خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي، استبعد ذلك تماماً.

بدوره، أكد المتحدث الإعلامي باسم "جيش النصر" العامل في ريف حماة الشمالي محمد رشيد، أن "فصائل المعارضة تمكنت من إيقاف هجوم النظام بعد تكبيده والمليشيات التي تقاتل معه، خسائر كبيرة". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "فصائل المعارضة استعادت، يوم الإثنين، قرية زلين ومناطق أخرى، حيث ما زالت المعارك محتدمة على أكثر من محور"، مؤكداً "مقتل 25 عنصراً من قوات النظام بقذائف مدفعية أطلقها مقاتلو جيش العزة".



ولفت إلى أنه "تمّ تدمير آليات عدة للنظام وقاعدة صواريخ كورنيت وجرافة، يوم الثلاثاء، إضافة إلى قتل مجموعة من عناصر النظام في بلدة حلفايا بعد استهدافهم بقذائف المدفعية". ونفى رشيد وجود خلافات بين الفصائل التي تقاتل النظام، كما نفى تشكيل غرفة عمليات مشتركة بينها، مرجعاً سبب التراجع في صفوف المعارضة خلال الأيام الأخيرة إلى "كثافة القصف الروسي، بعد وضع الروس كل إمكانياتهم في المعركة".

وكانت تصريحات صادرة عن مسؤولين في كل من "هيئة تحرير الشام" وحركة "أحرار الشام الإسلامية"، أشارت إلى وجود خلافات بين الجانبين أعاقت مشاركة مقاتلي الأخيرة في المعارك، ما ساعد على نجاح هجوم النظام في المنطقة. وأضافت فصائل المعارضة أنها "استعادت السيطرة على ثلاث قرى وحاجز شمال مدينة حماة، وهي المصاصنة وزلين والبويضة وحاجز السيرياتيل، التابعة لناحية كفر زيتا شمال غرب حماة، مع قتل وإصابة العشرات من عناصر النظام، إضافة لتدمير أربع دبابات وسيارات بواسطة صواريخ تاو". وذكرت أن "كلاً من هيئة تحرير الشام وحركة أحرار الشام الإسلامية وجيش العزة والفرقة الوسطى وأجناد الشام وجيش النصر والحزب الإسلامي التركستاني وجيش إدلب الحر، شاركوا في هذه المعارك".

وكانت قوات النظام استعادت، في الأيام الأخيرة، السيطرة على ثلاث مدن رئيسية في ريف حماة الشمالي، وهي صوران وطيبة الإمام وحلفايا، في ظل هجوم تدعمه المقاتلات الروسية والمليشيات الأجنبية وأبرزها "الحرس الثوري" الإيراني، "لواء فاطميون" الأفغاني، و"حركة النجباء" العراقية.

وفي الجبهة الرئيسية الأخرى التي تتحرك عليها قوات النظام، وهي جبهة محيط دمشق، قصفت طائرات النظام والطائرات الروسية، أمس الثلاثاء، منطقتي القابون وتشرين ومناطق أخرى في الغوطة الشرقية. وقالت مصادر النظام، وكذلك مصادر محلية في الغوطة إن "قوات النظام حققت بعض التقدم في منطقة القابون وسيطرت على بناء الكويتي وشركة الكهرباء في المحور الشرقي للحي". كما قُتل مدني واحد وأصيب العشرات، صباح أمس، جراء قصف قوات النظام والمليشيات على مدينة حرستا بريف دمشق بمئات قذائف المدفعية، فيما شنّت مقاتلات حربية غارات على قرى ومدن الغوطة الشرقية مستهدفة بشكل خاص مدن عربين ودوما وحرستا.



سياسياً، أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أمس الثلاثاء، أن موسكو ستواجه محاولات تغيير نظام الحكم في سورية. وأضاف عقب مباحثاته مع الأمين العام لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، لامبيرتو زانيير، أنه "نلاحظ محاولات بعض زملائنا دفن قرار مجلس الأمن الدولي حول التسوية السياسية على أساس الحوار بين الأطراف السورية، والعودة إلى مسألة تغيير النظام. بالتأكيد نحن سنواجه ذلك، وواثقون من أن مجلس الأمن الدولي لن يتخلى عن مواقفه المبدئية التي يتضمنها قرار مجلس الأمن الدولي 2254". وقال وزير الخارجية الروسي إن "الجانب الروسي يتخذ جميع التدابير اللازمة من أجل منع وقوع حوادث عرضية في أجواء سورية".

تصريحات لافروف جاءت بعد بيان صادر عن وزارة الخارجية الكازاخستانية أعربت فيه عن أملها بأن يحضر الاجتماع المقبل بشأن سورية في أستانة، يومي 3 و4 مايو، ممثلو الأطراف السورية كافة، بما في ذلك المعارضة.

وذكر نائب وزير الخارجية الكازاخستاني، مختار تليوبيردي، أن "بلاده تأمل في مشاركة جميع الأطراف في المفاوضات المقبلة، بينها ممثلون عن الدول الضامنة والحكومة السورية والمعارضة"، مشيراً إلى أن "من الطبيعي أنه لن تكون هناك مفاوضات مكتملة الأركان في حال عدم حضور أي طرف من الأطراف، وكازاخستان لا تزال تنتظر تأكيد مشاركة الأطراف في هذا اللقاء المقبل". وحول قرار الولايات المتحدة فرض عقوبات جديدة على مركز بحثي في سورية، اعتبرت الخارجية الروسية أن "لا أساس قانوني له بسبب عدم وجود أدلة تثبت استعمال دمشق أسلحة كيميائية". وقال نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف، إن "بلاده اقترحت إرسال فريق مستقل من الخبراء للتأكد من كل هذه المزاعم. وللأسف، لم يؤيد الأميركيون هذه المبادرة".

في غضون ذلك، جدّدت روسيا تحذيراتها حول مما وصفته بـ "مسرحيات" استخدام الكيميائي في سورية. وتحدثت وزارة الخارجية الروسية عن اقتراب وقوع ما سمته "استفزازات" جديدة، تُحاكي استخدام السلاح الكيميائي في سورية قريباً، بما فيها مناطق ريف دمشق. ونقلت "إنترفاكس" الروسية عن مدير قسم عدم الانتشار والرقابة على التسلح في الوزارة، ميخائيل أوليانوف، قوله، "سيكون هناك تمثيليات جديدة من هذا النوع، ومن المحتمل أن تحصل في ريف دمشق وربما في القريب العاجل". لكن أوليانوف لم يستبعد وقع هجوم كيميائي في خان شيخون وتساءل فقط عمن أدخل الأسلحة الكيميائية إلى تلك المنطقة، معتبراً أن "النظام تخلص بالفعل من كل ترسانته الكيميائية". من جهتها، قالت وزارة الدفاع الروسية، إن النظام السوري "مستعد لوقف عمليات قواته في خان شيخون للسماح بوصول خبراء إلى هناك" للتحقيق في استخدام السلاح الكيميائي.



المساهمون