موريتانيا... "عبودية تحت ستار"

30 يوليو 2016
ما زالت العبودية تمارس بشكل غير علنيّ (فرانس برس)
+ الخط -
ما زالت قضية مكافحة العبودية تشغل الموريتانيين وتؤثر سلباً في سمعة البلاد وترتيبها في التقارير الدولية المعنية بحقوق الإنسان ومكافحة الاتجار في البشر. وعلى الرغم من القوانين والإجراءات التي تحاول من خلالها الحكومة التخفيف من تأثير عقود من الرق واستغلال شريحة الحراطين (العبيد السابقين)، فإنّ الواقع يؤكد أنّ قرى منطقة آدوابه تضم عشرات الآلاف من العبيد السابقين الذين يعانون من الفقر والجهل والإهمال شبه المتعمّد من السلطات. وما زال كذلك المئات من أبناء هذه الشريحة يعملون كخدم للمنازل ورعاة للإبل في مناطق مختلفة من البلاد، ويواجهون ظروفاً حياتية صعبة. وهو ما تطلق عليه المنظمات الحقوقية "عبودية تحت ستار".

ولعلّ افتتاح "محاكم الرق" يؤكد أنّ معضلة محاربة العبودية ما زالت عصيّة على الحل في موريتانيا، بسبب بنية المجتمع القبلي الذي يرفض التخلي عن كثير من الممارسات والتقاليد المتعلقة بالتراتبية الاجتماعية ودور العبيد فيها. يضاف إليه إهمال الدولة تحرير أبناء هذه الشريحة من الفقر والجهل، ما يدفعهم إلى العودة إلى أحضان ملاّكهم السابقين لضمان لقمة العيش حتى لو كانت تحت ظلال العبودية.

يقول الباحثون، إنّ القضاء على العبودية يرتبط بتوعية المجتمع، وإقناع الزعامات الدينية والقبلية بالمشاركة في حملات نبذ العبودية والممارسات الاسترقاقية. فبعض العادات الاجتماعية والمعتقدات تحول دون القضاء على العبودية في مناطق الشرق والوسط، حيث يعتقد السكان أنّها جائزة شرعاً. ويدعو الباحثون الى ضرورة حلّ هذه المعضلة التي تهدد السلم الوطني والأهلي، خصوصاً مع ارتفاع نسبة الحراطين في المجتمع إلى ما يفوق 28 في المائة من عدد السكان، واتساع الهوة الاقتصادية بينهم وبين طبقة البيظان التي كانت تستعبدهم.

عاشت موريتانيا عهوداً طويلة من الرق. وكانت الأسر، حتى وقت قريب، تملك جواري وخدماً تتوارثهم كما تتوارث العقار والمال. اليوم زالت بعض الحالات من هذه الصورة، لكنّ العائلات الكبيرة تغدق المال على عبيدها للاحتفاظ بهم ولو بشكل طوعي. ومنهم من يبعدهم إلى داخل الصحراء للعمل في رعي الإبل وزراعة الأرض ويقيّد حريتهم. وفي قرى منطقة آدوابه وداخل الأحياء الفقيرة والعشوائية على أطراف المدن يعيش أبناء العبيد السابقين ظروفاً صعبة بسبب الفقر والحرمان والإهمال والإقصاء من الحياة العملية على أسس عرقية وعنصرية.

من جهته، يطالب الناشط الحقوقي، محمود ولد مبارك، في حديثه إلى "العربي الجديد" بإشراك أبناء العبيد في وضع خطط حقيقية لمحاربة العبودية، وبالتوقف عن الاعتقال المستمر للناشطين المناهضين للعبودية الذين يتعرضون للتعذيب والإهانة في السجون بسبب احتجاجهم على استمرار العبودية وسوء معاملة أبناء العبيد.

وفي استعراض تاريخي لوضع الرق في موريتانيا، ألغت البلاد عام 1981 نظام العبودية. لكنّ تشبث القبائل العربية بهذه الممارسات، وغياب الإرادة الحقيقية للدولة، وضعف الترسانة القانونية جعل قانون إلغاء العبودية حبراً على ورق، على الرغم من أنّه ساهم بمرور الزمن في وقف العمل بصكوك ملكية العبيد.

عام 2007، أصدرت موريتانيا قانوناً يجرّم العبودية، ويسمح بمحاكمة المتاجرة بالعبيد. منذ ذلك الوقت بدأت على حياء محاكمات المتهمين بالاستعباد. ونجح معظم المتهمين في الإفلات من العقاب بسبب نفوذهم وعدم وضوح القوانين.

وشكّل عام 2015 نقطة تحول، إن لم يكن في محاربة العبودية، فعلى الأقل في إصدار قوانين واتخاذ إجراءات ستساهم في انحسار هذه الظاهرة مستقبلاً. فقد أصدرت الدولة قانوناً يصنف الجرائم المرتبطة بالاسترقاق كجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم. كما يعاقب القانون الجديد المروجين للعبودية في الإنتاجات الثقافية والفنية، ويتوعد رجال الأمن بعقوبات قاسية في حال تقاعسوا عن الإبلاغ أو التحقيق في قضايا العبودية.

كما رخص القانون إنشاء محاكم خاصة لمحاكمة المتهمين بممارسة الاستعباد لأول مرة في البلاد. وسمح لمنظمات المجتمع المدني بالتقدم بشكاوى في المحاكم نيابة عن الضحايا.

وفي العام نفسه، أطلقت السلطات حملة متأخرة للتوعية بخطورة الممارسات الاسترقاقية من خلال تخصيص خطب الجمعة في المساجد لموضوع محاربة العبودية، وإنشاء مدارس خاصة بأبناء العبيد السابقين الذين لم يستفيدوا من التعليم. كما أصدر عدد من كبار فقهاء البلاد فتاوى دينية تحرّم العبودية وتلغي العمل بصكوك ملكية العبيد من الناحية الشرعية.

دلالات