مواقف يهودية تدين إسرائيل

11 مايو 2015

المؤرخ المعادي للصهيونية إيلان بابيه

+ الخط -
بعد 67 عاماً من النكبة، والاحتلال الأول من الحركة الصهيونية، بموجب وعد بلفور البريطاني، لجزء من الوطن الفلسطيني، و48 عاماً على الاحتلال الثاني ما تبقى من فلسطين، لم يعد صعبا العثور على أصوات يهودية تدين الاحتلال، وتطلب من إسرائيل والإسرائيليين الاعتذار من الشعب الفلسطيني؛ والاعتراف بزيف سردياتهم عن "أرض الميعاد" التوراتية الزائفة، من قبيل دعوات من سُموا يوماً بالمؤرخين الجدد، ومثال دعوة الكاتب، جدعون ليفي، الذي وصف المجتمع الإسرائيلي بأنه مجتمع "عنصري لا يكترث بسياسات دولته وجرائمها ضد الفلسطينيين الذين لا يعتبرهم بشرا".

أما أستاذ علم الاجتماع في جامعة حيفا، يهودا شنهاف، فقد حمل على إسرائيل تجاهلها اللاجئين والمهجرين، على الرغم من مسؤوليتها عن نكبتهم. فيما ذهب الحاخام إلياهو كاوفمان إلى تحميل إسرائيل المسؤولية عن كل عمليات السلب والنهب وتشريد الشعب الفلسطيني، متوقعا انهيارها بعد عقود قليلة. وبحسب تعبيره، فإن "نهاية إسرائيل مسألة وقت"، كونها "دولة عنصرية تحرّض بعض سكانها على البعض الآخر، كي تكرس نظام الفصل العنصري فيها".


ماذا كنت لتفعل لو كنت فلسطينيا؟

لطالما سألت نفسي: لماذا هذا المجتمع الإسرائيلي الذي يدّعي الأخلاقية، ويتجاهل الجريمة التي يرتكبها في حديقته الخلفية (ضد الفلسطينيين تحت الاحتلال)، وكيف يتعايش مع هذه التناقضات؟ كيف يتأقلم الإسرائيليون مع هذه الجرائم المستمرة بحق الفلسطينيين باسمهم؟ وكيف يعتبرون أنفسهم حضاريين، وهم ينعمون بحياتهم بارتياح ورخاء على حساب العنف الذي يمارسونه ضد الفلسطينيين تحت الاحتلال الشرس على بعد أقل من 20 دقيقة؟. يقول ليفي.

جاءت أقوال ليفي هذه في مؤتمر عقد في واشنطن يوم 10 أبريل/نيسان 2015 تحت عنوان "اللوبي الإسرائيلي: هل هو جيد للولايات المتحدة؟ هل هو جيد لإسرائيل؟"، نظمه معهد تقرير واشنطن عن الشرق الأوسط، وهو معهد بحثي غير ربحي، يُعنى بالصراع العربي الإسرائيلي، ويفضح انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي على جميع المستويات، خصوصاً في مجلته الشهرية "تقرير واشنطن عن الشرق الأوسط" مع مثقفين إسرائيليين وأميركيين، يهود وغير يهود، والكتاب الفلسطينيين الأميركيين، من أمثال ميكو بيليد وبيتر فولك، وديما الخالدي، وهويدا عراف، وبول فندلي (عضو الكونغرس المتقاعد الذي كتب كتاب: "كانت لديهم شجاعة" الحديث عن ابتزاز اللوبي الإسرائيلي في ثمانينيات العقد الماضي، ما أنهى حياته السياسية).

وقال ليفي "كم من الإسرائيليين حاولوا، ولو للحظة، وضع أنفسهم في مكان الفلسطينيين، وماذا كانوا ليفعلوا؟" واستطرد "سأعطيكم مثلاً: سألت هذا السؤال لرئيس وزراء إسرائيل السابق، إيهود باراك: ماذا كنت لتفعل لو كنت فلسطينيا؟ فأجابني الإجابة الصادقة الوحيدة الممكنة، قال لكنت انضممت إلى منظمة إرهابية، حيث ليس هناك بديل". وأضاف "أثار سؤالي غضباً بين أوساط المجتمع الإسرائيلي الذين لم يتحملوا وضع الإسرائيليين في قالب الفلسطينيين الذين يعتبرونهم دون البشر".

ويخلص ليفي إلى القول: "المجتمع الإسرائيلي هذا مجتمع عنصري، لا يكترث ولا يتأثر بإجرام دولته، وكأنه في كوكب آخر. هؤلاء هم الإسرائيليون أنفسهم الذين شاركوا أثناء خدمتهم العسكرية في تكريس سياسة القمع والبطش بالفلسطينيين تحت احتلالهم. هم أنفسهم الإسرائيليون الذين كانوا على الشواطئ ينظرون إلى الطائرات والمروحيات الإسرائيلية تمر من فوق رؤوسهم، متجهة إلى غزة، لتصب النار والدمار والموت على غزة، الصيف الماضي".

والعبرة التي يخلص إليها ليفي هي "اليأس من المجتمع الإسرائيلي الذي يمارس هذه الجرائم والانتهاكات من دون تأثر، لأنهم خدروا أنفسهم بالفظائع المرتكبة ضد الفلسطينيين، عقداً وراء عقد، كونهم أقنعوا أنفسهم، أولا: بأنهم هم الشعب المختار، وثانياً بأنهم (الإسرائيليون) هم الضحية، وثالثاً والأخطر من أي شيء آخر أنهم أقنعوا أنفسهم بأن الفلسطينيين ليسوا بشراً. وبالتالي، افعل بهم ما تشاء من دون اكتراث"، مذكراً بمقولة رئيسة وزراء إسرائيل السابقة، غولدا مائير، التي قالت إنه "بعد المحرقة النازية يحق لليهود أن يفعلوا ما يشاؤون من دون اكتراث".

ويستنتج جدعون ليفي أنه لن يكون هناك أمل من الإسرائيليين أنفسهم، فهم "مخدرون تجاه الشعور بجرائمهم، ولا بد أن يحدث التغيير، هنا، في الولايات المتحدة وفي الغرب بشكل عام". ويضيف: "اللوبي الإسرائيلي مضر بالولايات المتحدة وبإسرائيل، وهو كالذي يعطي المدمنين مزيداً من الأموال، لشراء مزيد من المخدرات، لأنه يساهم في التضليل بأن خمسة ملايين يهودي (في إسرائيل) أكثر حكمة من بقية العالم".

سردية الاعتذار

وكتب ليفي، أخيراً، ما يشبه سردية الاعتذار، في مقابل سردية الاحتلال، فقال موجها كلامه للإسرائيلي: "ليس مخجلا أن تعتذر، فالمخجل أكثر هو أن لا تقوم بهذا. الاعتذار قوة، وليس ضعفا، وفي الطريق للمصالحة (مع الفلسطينيين) مجبرون على التوقف في المحطة الأولى، محطة الاعتذار. ففي أحجية بنتفينون ميجال لا نعتذر للجميع، ليس أيضا حتى على أعمال القتل، الاغتيالات والخطف (قتل أبوجهاد، على سبيل المثال، وخطف الشيخ عبدالكريم عبيد)، حتى عن المستوطنات لا نعتذر، لا عن الاضطهاد والطرد والسلب.

لكنه لا يرى من ذلك جدوى، فالاعتذار ينبغي أن يكون عن كل الأفعال والممارسات، لا عن بعضها. ليؤكد أنه لو كان هناك جدوى، "لكنت أرغب في الاعتذار، من الشعب الفلسطيني بأكمله، ولأجياله. عن 1948، وعن 1967 وعن كل ما تلاها. فالاعتذار عن 1948 لم يكن ليحول الدولة التي قامت أقل عدلاً، بل كان سيجعلها عادلة أكثر. عن الطرد الجماعي وعن منع العودة، عن التطهير العرقي في عدة مناطق، وعن عدد من المجازر التي هي جزء من المعركة، كان مسموحا بل يجب الاعتذار. إن ما حدث في 1948 لم يتوقف أبدا، فروح عام 1948 لم تتوقف، وهي ما زالت قائمة إلى يومنا هذا، في النظرة الأساسية لدولة إسرائيل لأبناء الأرض من الفلسطينيين، بالشعور بالفوقية عليهم، وبقوة العنف، وبالتغييب وبالعنصرية، وهو الأمر الذي لم يتغير في سياسة الاضطهاد، التمسك قدر المستطاع، منذ ذلك الحين إلى اليوم، بأن إسرائيل قوة عظمى إقليمية، يجب الاعتذار عن ذلك.


قريباً من الهاوية

وعبّر الأديب الإسرائيلي، عاموس عوز، عن تشاؤمه من مستقبل إسرائيل، وقال إنها تقف قريبا من الهاوية، ووصف المجتمع الإسرائيلي بأنه "متصدّع"، ووصف في مقابلة مع القناة الإسرائيلية الثانية الواقع الإسرائيلي بأنه "سيئ جدا"، وقال إن "الصهيونية ليست في حال جيد. نحن نقف قريبا جدا من الهاوية. من دون حل الدولتين، ستنشأ دولة أبرتهايد عنصرية أو دولة عربية. ولا أحسد أبناءنا وأحفادنا على أي من الحالتين". وحين سئل عن انتقاداته لعصابات "فتيان التلال" وعصابات "دمغة الثمن" ووصفهم بالنازيين، قال: "لا أعتذر عن تسمية مجموعة إسرائيلية بالنازيين الجدد، هناك تشابه كبير بينهم وبين تلك المجموعات في أوروبا، هؤلاء يحرقون المساجد وهؤلاء يحرقون المساجد". وعوز من كبار الكتاب والأدباء الإسرائيليين، وترجمت كتاباته إلى لغات كثيرة، وأجريت المقابلة بمناسبة كتابه الجديد "البشرى وفق يهودا".


الغرب.. أو جريمة الأب

مفكر يهودي بارز هاجم الغرب، بسبب تساهله إزاء الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، منوهًا إلى أن الحكومات الغربية جعلت ما قام به النازيون ضد اليهود قبيل الحرب العالمية الثانية وإبّانها، مسوغا للتعامل مع إسرائيل كدولة؛ يحق لها ما لا يحق لغيرها من الدول. وقال المفكر ديمتري شومسكي، في مقال نشره موقع صحيفة "هآرتس": "على مدى 50 عاماً، تسيطر إسرائيل على الأراضي المحتلة، وتقيد حرية الحركة للشعب الذي احتلته، وتقوم بتوطين مواطنيها في الأراضي الفلسطينية، وتفرض نظاما عسكريا على الفلسطينيين، ما يشكل انتهاكا فظًا للقانون الدولي، من دون أن يفكر المجتمع الدولي في إجبارها على دفع ثمن ما".

وتساءل عن الأسباب التي دفعت العالم الغربي إلى معاقبة الاتحاد الروسي، عندما ضم شبه جزيرة القرم، وفرض مقاطعة عليها، في حين لم يحرك ساكنا إزاء إصرار إسرائيل على مواصلة احتلال الأراضي الفلسطينية. وأضاف: "لا خلاف على أن أوضاع الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي أكثر قسوة بعشرات المرات من الأوضاع التي يعيشها الأهالي في القرم، بعد ضمها لروسيا"، موضحا أن سكان القرم تحولوا إلى مواطنين روس، ويتمتعون بكل الحقوق التي يتمتع بها الروس، في حين دشنت إسرائيل نظام فصل عنصري واقعي في المناطق الفلسطينية. وشدد شومسكي على أن الغرب يتعامل مع إسرائيل "ممثلة للعالم الديمقراطي المتنور، وسط غابة من الديكتاتوريات، في وقت تمنح فيه المستوطنين اليهود كل الحقوق السياسية، وتقمع مئات الآلاف من الفلسطينيين".

وقال شومسكي إن إسرائيل "تنافس أقذر الديكتاتوريات في جرائمها المنظمة ضد الفلسطينيين"، منوها إلى أن "نادي الدول الديمقراطية الغربية بزعامة الولايات المتحدة، يتحرك للدفاع عن إسرائيل لتواصل عدوانها"، ونوه إلى أن الغرب يسمح لإسرائيل بأن ترد على المقاومة المشروعة للفلسطينيين بقتل مئات من الأطفال والنساء، كما حدث في الصيف الماضي. وأكد شومسكي أن الغرب سمح لإسرائيل بامتلاك السلاح النووي، من أجل التمتع بمكانة إقليمية، تجعلها قادرة على المس بحقوق الإنسان الفلسطيني، بدون أن تخشى ردة فعل عالمية. وشدد على أن أوروبا "المسيحية" تحاول التكفير عن أخطائها تجاه اليهود، عبر السماح لإسرائيل بممارسة الإرهاب المنظم.


إسرائيل مصدر للشرور

وعبر الكاتب الإسرائيلي، آرييه شافيت، عن قلقه الشديد من تعاظم ظاهرة توجه الإسرائيليين إلى الحصول على جواز سفر أجنبي، بسبب عدم ثقتهم في إمكانية بقاء إسرائيل. وقال إن فرص قدرة الكيان الصهيوني على البقاء تراجعت، بسبب العمى الذي أصاب القيادة الصهيونية، والجمود الفكري الذي يتسم به أداء هذه القيادة. وفي مقال نشرته "هآرتس"، أوضح شافيت أن اللاسامية وكراهية إسرائيل وصلت إلى حدود غير مسبوقة، هي الأعلى منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، مشيرا إلى أن الدبلوماسية الإسرائيلية تنتقل من فشل إلى آخر. وقال إن المحافل الأكاديمية في العالم باتت تعتبر إسرائيل مصدر الشرور في العالم، مشدداً على أن طلابا يهودا هم الذين يقودون حركة المقاطعة العالمية ضد إسرائيل في الولايات المتحدة، ما يدلل على تآكل القناعة الشعبية اليهودية بعدالة المواقف الإسرائيلية.

أخيراً، يمكن العودة إلى فترة مبكرة من تأسيس فكرة إسرائيل، وقيامها فوق تراب الوطن الفلسطيني، حيث وجد هناك من يعارض الوعد أو الوعود التي قدّمت للحركة الصهيونيّة، لا بل ذهب بعيدا في رفض اعتبار اليهود أمّة، وبالتالي، رفض تحويل فلسطين إلى "وطن قومي" لتلك "الأمّة" المزعومة أو المختلقة. وهذا حال وزير شؤون الهند (اليهودي الوحيد في مجلس الوزراء البريطاني، السيّد مونتاجو)، كما عبر في رسالة إلى لورد سيسيل (14/9/1917)، ما يفنّد مزاعم الصهيونيّة إزاء فلسطين، وما يقوّض وعود تحويلها إلى دولة يهوديّة، ورفض تكوين "أمّة جديدة" في فلسطين. من هنا، تأكيده على أنه "لا توجد أمّة يهوديّة، على الرغم من اعتناق كثيرين بدرجات متفاوتة الدّيانة نفسها".

47584A08-581B-42EA-A993-63CB54048E47
ماجد الشيخ

كاتب وصحفي فلسطيني مقيم في لبنان. مواليد 1954. عمل في الصحافة الكويتية منذ منتصف السبعينات إلى 1986، أقام في قبرص، وعمل مراسلا لصحف عربية. ينشر مقالاته ودراساته في عدة صحف لبنانية وعربية.