مواقع هندية تتصدى للأخبار الكاذبة

19 ابريل 2018
يتعرض الصحافيون لانتهاكات عدّة في الهند (برهان كينو/Hindustan)
+ الخط -
شهدت الأوساط الإعلامية الهنديّة جدلاً حادًا، أوائل الشهر الحالي، عندما حاولت حكومة بهارتيا جانتا القومية الهندوسية شنّ "حرب زائفة" ضد الأخبار المزيّفة. هذا لأن التيار القومي الهندوسي وحكومته متهمان بالتواطؤ في الأخبار المزورة لمصالحهما السياسية، منذ أكثر من خمس سنوات. 

وما إن أعلنت وزيرة الإعلام الهندية، أسميرتي ايراني، أول الشهر الحالي، عن نوايا الحكومة لإيجاد آلية لمكافحة ظاهرة الأخبار المفبركة عبر إصدار أمرٍ يقضي بسحب أوراق اعتماد وبطاقات الصحافيين الذين يتم اتّهامهم، مجرّد الاتّهام، بنشر الأخبار الكاذبة، عبر بيان صحافي، حتى جاء رد فعل شديد للأوساط الاعلامية ضدها، والتي اعتبرتها وسيلة لخنق حرية الإعلام. ورأى الإعلاميون الهنود أنّ أية آلية لكبح الأخبار المزيفة لا بد أن تضعها المؤسسات الإعلامية بغير تدخل حكومي.
وأمر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، بعد ذلك، بيومٍ واحد، بسحب القواعد من دون أن يقدم سبباً للتغيير، وذلك بعد أقل من 24 ساعة على إعلان الإجراءات. ورحب الصحافيون بسحب القواعد لكنّهم لم يستبعدوا احتمال أن تكون "بالون اختبار" لفرض مزيد من القيود على الصحافة.


ومن بين الأخبار المزيفة التي نشرتها بعض القنوات الإخبارية والتي تتعلق بالعالم العربي، كانت تلك المتعلّقة بالخليج بارزةً. ويتحدث أحدها عن "فتوى عالم سعودي سمح لرجل أن يأكل زوجته عندما يشعر بشدة الجوع". نشرت هذا الخبر قناة "آج تاك" الإخبارية الهندية في 10 إبريل/نيسان 2017.
ونشرت قناة "تايمز ناو" الإخبارية الهندية خبرًا يقول إنّ ولي العهد الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان قام بتدشين فعالية هندوسية دينية وبدأ كلمته الافتتاحية بهذه المناسبة قائلاً "جاي سيا رام" (يحيا إله رام)، وذلك أثناء زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى الإمارات، في 10 فبراير/شباط من العام الحالي. وقالت قناة "زي نيوز" الإخبارية الهندية إنّ حكومة الإمارات حجزت ممتلكات داود إبراهيم، وهو رئيس إحدى أكبر عصابة إجرامية هندية ومتهم بالتورط في العمليات الإرهابية، في دبي، واعتبرتها حكومة حزب بهارتيا جانتا كنجاح دبلوماسي لها. لكن بعدها نفت السفارة الإماراتية لدى الهند قائلةً إنّ حكومة الإمارات لم تقم بمثل هذه الإجراءات ضد داود إبراهيم.



لكنّ معظم مثل هذه الأخبار المزيفة تنشرها المواقع الخاصة لبثّ المواد المفبركة لمصالح سياسية. وتكاثرت هذه المواقع الخاصة للأخبار المفبركة والمزيفة في غضون السنوات الخمس الأخيرة. وشاركت في فبركة الأخبار بعض وسائل الإعلام التقليدية.
وبدأت ظاهرة الأخبار المزيفة مع الثورة الرقمية في الهند. إذ مع وصول الإنترنت والهواتف الذكية إلى أيدي الجميع في المدن والقرى، انتشرت الأخبار، خصوصاً على "واتساب" و"فيسبوك". ومن دون التأكد من حقيقتها، تمّ تداول الأخبار على تلك المنصّات. واستغل كثيرون هذا الوضع لمصالحهم السياسية، خصوصاً القوميين الهندوس.


ولهذا انطلقت ثلاثة مواقع خاصة للتصدي للأخبار المزيفة، هي "إس إم هوكس سلاير" SMHoaxslayer، و"بووم لايف" Boomlive، و"ألت نيوز" AltNews. وتقوم هذه المواقع بمحاربة الأخبار المفبركة، كما أنّ مؤسسها ومعظم من يعملون فيها لديهم خلفية صحافية، ويتصدون للأخبار المزيّفة التي قد تكون في نصّ أو صورة أو مقطع فيديو.


براتيك سينها الذي درس هندسة البرمجيات، ويسكن في مدينة أحمد آباد في إقليم غوجرات، غربي الهند، أسس موقع "ألت نيوز" في فبراير/شباط 2017 للتصدي للأخبار المزيفة التي كانت تصله عبر وسائل التواصل الاجتماعي. في غضون عامٍ واحدٍ فقط، أصبح موقعه أكبر المواقع الهندية للتصدي للأخبار الكاذبة، ليتجاوز عدد المعجبين به الـ 75 ألفاً على فيسبوك والـ 51 ألف متابع على "تويتر". ويتكوّن فريق العمل من 3 متفرّغين للموقع، وشخصين غير متفرّغين.
ويقول سينها لـ"العربي الجديد": "نحن نتابع الأخبار على وسائل الإعلام التقليدية، ومنها الصحف والمجلات والقنوات التلفزيونية الإخبارية والمواقع الإخبارية، ونبحث عن المواد التي قد تكون مزيفة. أيضًا نرصد سرعة انتشارها بين عامة الناس. وبعد التأكد من أنها كاذبة نكتب عن الموضوع في الموقع مع جميع الدلائل حول فبركته".
ويضيف "على سبيل المثال، نشر الموالون لرئيس الوزراء ناريندرا مودي، أثناء زيارته إلى الولايات المتحدة، مقطع فيديو، زاعمين أنه موكبه في الولايات المتحدة. وصل الفيديو إلى شريحة كبيرة من الناس. فحصنا ووجدنا أنه كان لقطات لموكب باراك أوباما من عام 2010، فكتبنا عن الموضوع".
ويشير سينها إلى أنّه "أثناء العمل على التحقّق من الحقائق، نستنتج أنّ خلف كل هذه الأخبار المزيّفة مصالح سياسية. إذ يستهدف اليمين بين التيارات السياسية الهندية، خصوصاً حزب "بهارتيا جانتا" الحاكم، الأقليات الدينية، تحديداً المسلمين، لتشويه صورتهم في ذهن الأغلبية الدينية، عبر الأخبار المزيفة". ويؤكّد أنّ مثل هذه الأفعال مقلقة، لأن الهند تعددية الديانات والثقافات، وهذه العناصر تحاول خلق الاصطدام بين طائفة وأخرى لتستغل الوضع في مصالحها السياسية".


من جانبه، يقول صاحب موقع "إس إم هوكس سلاير"، بنكاج جين، لـ"العربي الجديد" إنّ موقعه من أوائل المواقع المكافحة للأخبار الكاذبة، إذ بدأ العمل عام 2015، بعد تولي ناريندرا مودي رئاسة الوزراء في حكومة حزب بهارتيا جانتا". وما زال جين يحتفظ بعمله في قطاع التحويلات، ويهتم أيضًا بهذا الموقع، وهو ليس لديه أية خلفية إعلامية.
ويشير إلى أنّه بدأ الموقع كصفحة على "فيسبوك" للتحقق من الأخبار التي كانت تصله عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومنها عبر "واتساب" و"فيسبوك" من أقربائه وأصدقائه. ويضيف "معظم هذه الأخبار كانت مزيفة وبعيدة عن الحقيقة. في البداية كنت أقوم بشرحها أثناء اللقاءات الشخصية والمناسبات بين الأسرة والأصدقاء. لكن وجدت أنها ظاهرة لا بدّ من التصدي لها. فقررت أن أبدأ صفحة في فيسبوك وتلاها موقع خاص للتحقق من الحقائق".
يعمل جين على الموقع بمفرده. ويقول لـ"العربي الجديد": "ليس لديَّ فريق عمل، ولا يمكن لي أن أعطي أكثر من ساعتين أو ثلاث ساعات يومياً للتحقق من الأخبار التي تصل إليَّ عبر وسائل التواصل الاجتماعي. هذا لأني صاحب العمل في قطاع التحويلات، وذلك هو مردودي المالي. يُرسل متابعيَّ على "فيسبوك" و"واتساب" الأخبار التي يشكّكون فيها وأقوم أنا بالتحقق من صحتها". ويضيف أنّه يستخدم هاتفه الذكي لمعظم أعمال التحقّق والتصدي للأخبار المزيفة.
ووصل عدد متابعي موقع "إس إم هوكس سلاير" إلى 64 ألفاً على "فيسبوك"، وأكثر من 31 ألف متابع على "تويتر".


أما موقع "بووم لايف"، فأسسه غوفيند إيثيراج عام 2016. وقبل أن يبدأ العمل على موقعه الخاص للتأكد من الحقائق والتصدي للأخبار المفبركة، كان له خبرة في مجال الإعلام، إذ عمِل كرئيس تحرير "بلومبرغ إنديا تي في".
وللموقع فريق عمل يشمل ثلاثة صحافيين، ويرأس تحريره جينسي جيكوكمدير. وتمّ استثمار هذه الخبرة في الموقع، ما يجعل الكتابة حول الأخبار المزيّفة والتحقق منها أسهل وأسرع. لكن عدد متابعيه على فيسبوك وصل فقط إلى ثمانية آلاف، و21 ألفاً على "تويتر".
المساهمون