في شباط/ فبراير عام 2013، كان الجيدة، وهو طبيب في شركة "قطر للبترول"، عائداً من رحلة إلى تايلاند لزيارة شقيقه الذي أُصيب بسكتة دماغية، عندما تلقّى رسالة تفيد بأنّ زوجته بحاجة إلى عملية في البحرين، ولذلك عاد إلى الخليج لرؤيتها عبر مطار دبي.
خلال وجوده في المطار، وأثناء عودته من المصلّى بعد أن أدى صلاة المغرب، فوجئ الجيدة بحارس أمن يوقفه في نقطة مراقبة الهجرة. وبعد تفتيشه واستجوابه، طلب الحارس من الجيدة الحضور إلى مركز الشرطة للتوقيع على وثيقة تؤكّد أنّ السلطات قد قابلته.
"قلتُ لا لن أذهب، أريد التحدّث إلى سفارتي وأحتاج إلى محامٍ"، يصف الجيدة ما حصل معه، مضيفاً أنّ "الحارس قال: حسناً، أنت على حق، تأتي معنا إلى مركز الشرطة فقط، ونحن سوف نسمح لك بالتحدّث مع السفارة هناك".
جرى نقل الجيدة إلى سيارة، ليفاجأ بتكبيل يديه، وعصب عينيه، ثم اقتيد إلى مبنى في مكان مجهول، حيث أُجبر على خلع ثوبه التقليدي وارتداء "بيجاما".
وبعد أن اقتيد في ممر، وهو معصوب العينين مرة أخرى، تلقّى الجيدة لأول مرة عدداً من الاستجوابات، وكلها تركز بشكل كبير على الحكومة القطرية وعلاقتها مع "جماعة الإخوان المسلمين" وحركة "حماس" الفلسطينية.
يقول الجيدة، مستذكراً قصة استجوابه: "بدأ [المحقق] يسألني لماذا تتدخّل قطر في كل شيء؟ قلتُ، لا أعرف، لا أستطيع الإجابة عن ذلك، هذا سؤال يوجّه للحكومة القطرية".
يشير الجيدة إلى أنّه سُئل عمّا إذا كان يعرف رجلاً إماراتياً يقطن في الإمارات، لافتاً إلى أنّه اعترف بأنّه قابل رجلاً، لم يكن يعرفه شخصياً، من دون أن يفصح أكثر عن هويته.
"ثم قلتُ أنا لا أعرفه، وهنا تلقيّتُ صفعة واحدة على وجهي... وقد صُدمت... لم أتلقَّ أبداً مثل هذه الصفعة منذ سنوات الطفولة".
ثم سأل الحراس الجيدة عمّا إذا كان قد جلب أي أموال إلى الإمارات، متهمين إياه بإحضار مبلغ 100 ألف درهم (27 ألف دولار).
في هذه الأثناء، تعرّض الحراس للجيدة بالضرب المتكرر، والذي خلّف على جسده آثار كدمات متعددة، ولا سيما على ظهره ورقبته وساقيه. ولمدة ثلاثة أيام أخرى، احتُجز في زنزانة صغيرة، وجرى استجوابه مرات عدة من دون تركه يخلد إلى النوم.
يقول الجيدة إنّه أُعطي مياهاً مخدّرة من قبل الحراس، ما دفعه لبدء ضحك من دون أي سبب، والتحوّل ليصبح ثرثاراً جداً.
وقد اتصل موقع "ميدل إيست آي"، والذي نشر قصة الجيدة، بالسلطات الإماراتية للتعليق، ولكن السلطات لم ترد.
كذلك تعرّض الجيدة، وفق ما يقول، للكم في المعدة، ما تسبّب له بآلام في البطن، في حين ضرب الحراس أيضاً باطن قدميه بالعصي لدقائق وفي وقت واحد.
ويتابع الجيدة أنّ الحراس هددوا بإطلاق النار عليه، وسحب أظفاره ودفنه حتى رقبته في الرمال. "قال لي الحارس لا تقلق، لدينا السلطة حتى لقتلك"، مستذكراً كلام الحراس عندما قالوا له "سنقتلك، ولن يعرف أحد عنك، لدينا هنا قبر، ونحن سوف نقتلك، ولن يعرف أحد".
في مركز الاحتجاز السري هذا، قضى الجيدة ستة أسابيع، من دون أي اتصال بأفراد أسرته أو محامٍ، لافتاً إلى أنّه، وتحت ضغوط من الإيذاء البدني، أعطى الحراس أسماء وهمية عديدة من أنصار "جماعة الإخوان المسلمين" وحركة "حماس"، بما في ذلك اسم جاره الفلسطيني الذي توفي قبل سنوات عدة.
في الوقت نفسه، كانت سلطات الإمارات تقوم بحملة كبيرة ضد مؤيّدي "حزب الإصلاح"، فرع الإخوان المسلمين الإماراتي، في عام 2012.
وبينما بدأ "الإصلاح" منظمة قانونية في الإمارات عام 1974 تنامى حذر السلطات هناك من التأثير المتزايد للإسلاميين في المنطقة، وتعزيزهم بديلاً ديمقراطياً ليبرالياً للملكيات الراسخة.
في آذار/ مارس 2013 جرت محاكمة 94 شخصاً، يُعتقد أنّهم جميعاً أعضاء في "حزب الإصلاح"، في أبوظبي، بعد اتهامهم بـ"بناء شبكة سرية لتخطيط انقلاب في الإمارات العربية المتحدة".
من جانبهم، أكّد أعضاء "حزب الإصلاح" مراراً أنّهم يدعون إلى الديمقراطية في الإمارات، وفتح مساحة أكبر للأحزاب السياسية.
وفي هذا السياق، رجّح الجيدة بأنّ اعتقاله من قبل السلطات الإماراتية كان مدفوعاً بالقمع المناهض للإخوان المسلمين، على الرغم من كونه مواطناً في دولة مجاورة.
وأضاف "أعتقد أنّ الإمارات تريد أن تورّط منطقة الخليج كلها في هذه المشكلة. أرادوا أن يقولوا لجميع دول مجلس التعاون الخليجي: يجب عليكم أن تفعلوا ما نقوم به".
لكن الجيدة نفى أن تكون له أي صلة بـ"حزب الإصلاح" أو "جماعة الإخوان المسلمين"، مؤكداً في الوقت عينه أنّه كان من المعجبين بهم، وبالشيخ يوسف القرضاوي الذي يقطن في الدوحة.
يقول الجيدة "أنا شخص متديّن. حقاً أحب الشيخ يوسف القرضاوي، وكتبه، ولكن ليس لدي أي علاقة معه. أنا أعرفه، هو شخص مشهور، من لا يعرفه أصلاً؟ لكنّني لم أزره قط ولم تكن لدي علاقة معه".
ويتابع الجيدة سرد قصته قائلاً إنّه "نُسي" من قبل الحراس، وبقي في خلية الاحتجاز لمدة ستة أسابيع، حتى من دون أن يتم استدعاؤه للاستجواب. بعد تلك الأسابيع الستة أُحيل الجيدة إلى مبنى النيابة العامة، حيث سُمح له أخيراً برؤية السفير القطري، واثنين من أبنائه حسن وعبد الرحمن، قبيل إعادته إلى خلية الاعتقال.
قضى المواطن القطري ثمانية أشهر في مرفق الاحتجاز قبيل تقديمه للمحاكمة، بينما صنّفته، خلال هذه الفترة، منظمة العفو الدولية "سجين رأي". وقد طلبت سلطات الإمارات منه التوقيع على اعتراف من 35 صفحة، لم يتمكّن من قراءتها وهو معصوب العينين.
خلال الفترة التي قضاها الجيدة في الاحتجاز، تدهورت العلاقات بين قطر والإمارات، تزامناً مع دعم أبوظبي والرياض الانقلاب العسكري في مصر، وسحبهما سفيريهما من قطر في مارس/ آذار 2014.
وفي الشهر نفسه، أُحيل الجيدة أخيراً إلى محكمة في دبي، حيث اتُهم رسمياً بتقديم دعم لوجستي ومالي لـ"جماعة الإخوان المسلمين". وقبل فترة وجيزة من بدء المحاكمة، أُرسل الجيدة إلى سجن الريزين الشهير في الإمارات، حيث تم احتجازه إلى جانب كثير من سجناء الرأي الآخرين.
وعلى الرغم من أنّ الظروف كانت أفضل مما كانت عليه في مكان احتجازه السابق، إلا أنّ الجيدة كان يُمنع من الخروج للهواء الطلق، ومن حضور صلاة الجمعة. كذلك كان عليه في وقت لاحق أن يخضع لعملية جراحية لإزالة ورم، الأمر الذي استغرق 52 يوماً لمعالجته، كما يقول.
استمرت محاكمة الجيدة لمدة عام، حتى أبلغه النائب العام صراحة بأنّ قضيته "سياسية"، قائلاً له بوضوح "ليس لدينا شيء ضدك، ولكن إذا تحسّنت العلاقات الآن بين الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والإمارات، فسوف يتم الإفراج عنك".
في مايو/ أيار 2015، اقتيد الجيدة من السجن إلى سيارة قادته لمدة ساعة معصوب العينين، قبيل أن تتوقف فجأة ويغادرها سائقوها وقد شغلوا مذياعها.
يستذكر الجيدة تلك اللحظة قائلاً "فجأة، عندما خرجوا من السيارة، تركوا الراديو. وكان هناك خبر قصير: إطلاق سراح اثنين من القطريين من الإمارات العربية المتحدة".
كان البث الإخباري أول إشارة للجيدة بأنّ سراحه قد أطلق أخيراً، قائلاً "صرخت: الله أكبر! قبل أن يعودوا ويقولوا لي ماذا تفعل؟ لا شيء، أنا فقط أقول الله أكبر!".
وجرى نقل الجيدة إلى مطار دبي، حيث تم نقله على متن طائرة ركاب مع سجين قطري آخر. وقبيل أن يسمح له بالصعود على متن الطائرة، طلب منه حارسه الإماراتي ألا يغرّد على "تويتر" عن قصته.
"قلتُ له إنني لست نشطاً على تويتر، لكنني سأشكوكم إلى الله"، يقول الجيدة، مضيفاً أنّ الحارس قال له "اشكُ إلى الله، لا مشكلة، ولكن لا تغرّد".
منذ إطلاق سراحه من السجن، تمكّن الجيدة من استعادة وظيفته القديمة في "قطر للبترول". وعلى الرغم من معنوياته المرتفعة التي يعزوها إلى إيمانه الديني القوي، إلا أنّه عانى من صعوبات في النوم بعد الإفراج عنه.
وبينما يعبّر عن رضاه على جهود الحكومة القطرية للإفراج عنه، إلا أنّ حرصه آنذاك على علاقات دولته مع جيرانها، دفعه إلى عدم الحديث عن قصة احتجازه في العلن.
ويعبّر الجيدة عن أسفه حالياً، بعدما وصلت العلاقات بين الدوحة وأبوظبي إلى أدنى مستوياتها، إذ انضمت الإمارات إلى حصار قطر، مع كل من السعودية والبحرين ومصر، في 5 يونيو/ حزيران الماضي.
يقول في هذا الإطار: "لم أتخيّل يوماً أنّ الوضع سيكون مثل هذا في دول مجلس التعاون الخليجي. هناك كثير من العلاقات الاجتماعية المتداخلة بين جميع دول المجلس. لدي أخوات في البحرين.. عمتي في الكويت... لدي بعض الأقارب في السعودية".
مستشهداً بقصة اعتقاله يرى الجيدة أنّ قطر تتعرّض الآن على المستوى الوطني لنفس المعاملة التي تلقّاها على يد دولة الإمارات.
"أنا شخص واحد من السهل أن تختلق قصصاً عني وتقول أكاذيب. لكن الآن ضد الدول... هم يفعلون هذه الأشياء".
ومع ذلك، يعرب الجيدة عن تفاؤله بأنّ المشاكل بين قطر وجيرانها، مثل مشاكله الخاصة، ستحلّ في نهاية المطاف، خاتماً بالقول: "أظن أنّه سيتم حلّها أخيراً... ولكن عادة الجرح، حتى لو شفي، سوف تبقى له ندبات".
(العربي الجديد)