03 أكتوبر 2024
مواطن حسن السيرة والسلوك
حسب تأكيداته المتكرّرة، هو لم يرتكب طوال حياته عملا يخالف عليه القانون، بل لم يخطر في باله أبدا أن يقترب من أي منطقةٍ قد توصله إلى أي مركز أمني، أو محكمة، فهو "مواطن" إلى حد كبير، يبذل كل ما أعطي من قوةٍ كي يكون مثالا للصلاح، والاستقامة القانونية، وقد وفّرت له هذه الميزة فرصة أن يكون رجلا أقرب إلى الدماثة والأخلاق والنبل، لأنه لا يحب المشكلات والاشتباك مع أحد، ولا يتقن مثل هذه الفنون أصلا. لهذا يؤثر حل أي إشكال مرشح للتطور بـ "سعة صدر" واستيعاب للآخر، ولجوء دائم إلى التفاهم والحوار، و"فض النزاعات بالمفاوضات"، واستبعاد خيار العنف، بل شطبه أصلا من القاموس. وبسبب هذه "الأخلاق العالية"، تراه من المبشرين الدائمين بمبادئ القانون الدولي الإنساني، وشرعة حقوق الإنسان، واتفاقية جنيف الثانية (بالمناسبة هو لا يعرف عن الأولى شيئا) واتفاقية حقوق الطفل. وقد أورثته هذه النفسية ثقافة متبحرّة في مسائل حقوق الإنسان عموما، والشرائع الدولية المشابهة.
مع كل هذه السيرة الذاتية المسالمة الوديعة، يختزن في أعماقه خوفا وهلعا من أي رمز من رموز السلطة، فهو لا يقوى على التحديق في عيني شرطي، ويهيّأ له أنه لو استجمع شجاعته كلها (إن كان ثمة شجاعة في داخله)، ونظر إلى وجه شرطي مليا، لأورده هذا "التحدّي!" مهاوي الهلاك. لذا يتحاشى النظر إلى أي من رموز السلطة، حتى ولو كان نافخ قربة في موسيقات الأمن العام، مع احترامه الجم للموسيقى، وكل ما يمت إلى الفن بصلة.
مخاوف الرجل الوديع من السلطة ونفوذها الواسع، لم تقف عند هذا الحد، فقد تسبّبت له هذه "الأخلاق الرفيعة" بسلوك طريق السلامة، فلم يتخلف يوما عن دفع فاتورة هاتف أو كهرباء، ولم تحدّثه نفسه يوما بالوصول إلى دائرةٍ حكوميةٍ إلا برفقة "قبضاي" من أصدقائه، بل إنه يؤثر ألا يتجول كثيرا بسيارته، كي لا يرتكب أخطاء مرورية، تعرّضه للمساءلة. لهذا فإن عدد الشوارع التي يعرفها محدود جدا، وهو يحفظها بكل تفاصيلها وشواخصها المرورية، وحين يقترب من إشارة مرور، يخفض من سرعته المنخفضة أصلا، كي يعطيها المجال لاختيار اللون الذي تريده، حتى وإن كانت خضراء، فلا يدري أحدُ متى تتحول إلى اللون البرتقالي، فما بالك بالأحمر. وشعاره الدائم في الحياة: لا تنم بين القبور ولا تحلم أحلاما مزعجة، ولو استطاع ألا ينام أبدا في فراشه حتى لفعل، فلا يضمن أحد نوعية الحلم الذي سيداهمه.
الغريب (بعد كل هذه الاحتياطات الأمنية) أن صاحبنا دائم النظر في نوعٍ خاص من الإعلانات الحكومية، وهي تبليغات المحاكم، فهو يكاد لا يفوت إعلانا في صحيفة يدعو "المتهم الفلاني مجهول محل الإقامة" إلى المثول أمام القاضي في قضية ما، من دون أن يقرأه ببالغ الاهتمام، فهو مهيأ دائما لقراءة اسمه يوما في إعلان ما متّهما، ولا يريد أن يحسب أحد أنه فارّ من وجه العدالة. حين سألته عن سر اهتمامه بهذا اللون من الإعلانات، قال: ما حدا بعرف، يمكن أكون ارتكبت مخالفة قانونية ما من دون أن أدري. الاحتياط واجب، يجب أن أكون مستعدا لذلك اليوم العصيب. .. ويضيف: أنا مثلا أجهل محتوى اتفاقية جنيف الأولى، ألا يمكن أن أرتكب حماقة تخالف أحد بنود هذه الاتفاقية اللعينة؟
ويضيف: يعني، يا صاحبي، كل من علق في أقبية العروبة والإسلام، أو حتى في سجون العجم التي تتمتع بالأصالة والمعاصرة، أو شُبح، أو صعقته الكهرباء، أو رأى النجوم في عز الظهر، كان مذنبا؟ من يدري، متى يأتي دوري، لا سمح الله.
مخاوف الرجل الوديع من السلطة ونفوذها الواسع، لم تقف عند هذا الحد، فقد تسبّبت له هذه "الأخلاق الرفيعة" بسلوك طريق السلامة، فلم يتخلف يوما عن دفع فاتورة هاتف أو كهرباء، ولم تحدّثه نفسه يوما بالوصول إلى دائرةٍ حكوميةٍ إلا برفقة "قبضاي" من أصدقائه، بل إنه يؤثر ألا يتجول كثيرا بسيارته، كي لا يرتكب أخطاء مرورية، تعرّضه للمساءلة. لهذا فإن عدد الشوارع التي يعرفها محدود جدا، وهو يحفظها بكل تفاصيلها وشواخصها المرورية، وحين يقترب من إشارة مرور، يخفض من سرعته المنخفضة أصلا، كي يعطيها المجال لاختيار اللون الذي تريده، حتى وإن كانت خضراء، فلا يدري أحدُ متى تتحول إلى اللون البرتقالي، فما بالك بالأحمر. وشعاره الدائم في الحياة: لا تنم بين القبور ولا تحلم أحلاما مزعجة، ولو استطاع ألا ينام أبدا في فراشه حتى لفعل، فلا يضمن أحد نوعية الحلم الذي سيداهمه.
الغريب (بعد كل هذه الاحتياطات الأمنية) أن صاحبنا دائم النظر في نوعٍ خاص من الإعلانات الحكومية، وهي تبليغات المحاكم، فهو يكاد لا يفوت إعلانا في صحيفة يدعو "المتهم الفلاني مجهول محل الإقامة" إلى المثول أمام القاضي في قضية ما، من دون أن يقرأه ببالغ الاهتمام، فهو مهيأ دائما لقراءة اسمه يوما في إعلان ما متّهما، ولا يريد أن يحسب أحد أنه فارّ من وجه العدالة. حين سألته عن سر اهتمامه بهذا اللون من الإعلانات، قال: ما حدا بعرف، يمكن أكون ارتكبت مخالفة قانونية ما من دون أن أدري. الاحتياط واجب، يجب أن أكون مستعدا لذلك اليوم العصيب. .. ويضيف: أنا مثلا أجهل محتوى اتفاقية جنيف الأولى، ألا يمكن أن أرتكب حماقة تخالف أحد بنود هذه الاتفاقية اللعينة؟
ويضيف: يعني، يا صاحبي، كل من علق في أقبية العروبة والإسلام، أو حتى في سجون العجم التي تتمتع بالأصالة والمعاصرة، أو شُبح، أو صعقته الكهرباء، أو رأى النجوم في عز الظهر، كان مذنبا؟ من يدري، متى يأتي دوري، لا سمح الله.