مواطنون "درجة عاشرة" في سورية

22 نوفمبر 2018
الجميع متهم حتى يثبت العكس (دليل سليمان/ فرانس برس)
+ الخط -
يعيش كثير من السوريين اليوم تحت وطأة تصنيفات السنوات الماضية، التي لا تعبر عن الحقيقة في معظم الأحيان، لكنّهم قد يكتسبون التصنيف بسبب المنطقة أو الدين أو العائلة، ما يجعلهم عرضة للعديد من الأخطار.

أبو عبد الكريم الحوراني، من سكان حوض اليرموك في ريف درعا، جنوب سورية، يقول لـ"العربي الجديد": "كنت في بداية الحراك المطالب بالحرية والكرامة عام 2011، أشارك في التظاهرات. كنت أشعر أنّي أعبّر عن 40 سنة من القهر والانكسار أمام الأمن. تطورت الأحداث وظهرت الفصائل الإسلامية، ولسوء الحظ بايع جيش خالد بن الوليد الذي كنت فيه تنظيمَ داعش، وبدأ التنكيل بنا والقتل باسم تطبيق الشريعة، فتوقفت عن أيّ نشاط منذ ذلك الحين". يضيف: "اليوم، بعدما خرج التنظيم بتسوية مع الروس والنظام، ودخلت القوات النظامية، أشعر أننا جميعاً متهمون بأنّنا عناصر في تنظيم داعش. يظهر ذلك في شكل التعاطي معنا من قبل عناصر النظام، وهي تهمة جاهزة لأي شخص يعتقل في المنطقة. حتى إنه يمكن لتقرير كيدي أن يتسبب في اعتقال شخص وتغييبه لمجرد اتهامه بأنه من التنظيم أو متعاطف معه". يتابع: "لا أشعر بالاستقرار، بل أشعر أنّي لن أنعم بالأمان طوال حياتي على هذه الأرض. قبل سيطرة التنظيم كنا معرّضين للاعتقال من قبل النظام إذا كان لدينا قريب في أحد فصائل الجيش الحر، أو كنا من بلدة خرجت منها تظاهرات مناهضة له".




من جهته، يقول فارس، من أبناء الغوطة الشرقية، لـ"العربي الجديد": "يبدو أن لا تسوية يمكن أن تغير نظرة النظام وشرائح من المجتمع إلينا، على أننا تكفيريون. نحن مدانون حتى نثبت العكس، ولا أدري كيف يمكن أن نثبت ذلك. وفقط لأنّ أحد أقاربي كان في جبهة النصرة فقد وضعت عائلتنا كلّها تحت سيف الاتهام". يضيف: "يبدو أنّنا أصبحنا مواطنين درجة عاشرة، نؤخذ بذنب غيرنا، ولقد بدأت تتشكل لديّ قناعة، بأنّ هذه التهم هي أداة ترهيب جديدة، يتم عبرها ابتزازنا لنسلّم بالأمر الواقع".

من جانبه، يقول جهاد، من أبناء دير الزور، لـ"العربي الجديد": "نحن متهمون بأنّنا على أقل تقدير بيئة حاضنة للإرهاب، ولا يريدون تصديق غير ذلك. جرى تهجير عائلات كاملة تحت هذه التهمة، وهناك من اعتقل، فكأنّ الإرهابي سيسلم نفسه، للنظام أو قوات سورية الديمقراطية "قسد!؟". يضيف: "هناك مناطق في سورية دفع أهلها ضريبة مضاعفة، كدير الزور والرقة وبلدات ومدن من ريف حمص ودمشق ودرعا، فحملنا وزر سيطرة التنظيم من دون أي مبرر، وقتل التنظيم منا الآلاف بحجج شرعية كالكفر، حتى وصلت إلى حدّ أنّ الشاب يمكن أن يعدم إن كان يدخن، وبغض النظر عن العمر، فهناك أطفال جرى إعدامهم لأسباب تافهة، وكان أطفالنا يستقطبون إلى المعسكرات القتالية والشرعية، والعالم يتفرج علينا، واليوم يريدون أن يحاسبونا على وجود التنظيم. لماذا لم يبادر النظام والعالم لتخليصنا من التنظيم كما فعلوا عندما قرروا القضاء عليه؟ لماذا تُركنا تحت سكاكينهم أكثر من عامين، واليوم نُعيَّر بأنّ التنظيم كان في مناطقنا، ونتهم به".

أما زياد، وهو شاب لم يبلغ الثلاثين بعد، فيعيش وحيداً مع أخواته الأربع ووالدته، في إحدى ضواحي دمشق. يقول لـ"العربي الجديد": "اسمحوا لي أن أتحفظ على ذكر اسم بلدتي، لكنّها واحدة من المناطق التي شاركت في التظاهرات ضد النظام في بدايتها، وبسبب تكرر المداهمات الأمنية قررنا أن نخرج من المنطقة فترة إلى أن تهدأ الأوضاع. كنت أعتقد أنّها عبارة عن عدة أيام، وتوجهنا إلى قريب لنا في دمشق، لكنّ الأمر طال، فبحثنا عن عمل، ثم استأجرنا منزلاً، لكنّي كنت أشعر أنّي متهم دائما من قبل فئة من الناس أو عناصر النظام، إما أنني عضو في عصابة مسلحة، وهذا ما كان يطلقونه على فصائل المعارضة، وبعد سيطرة النصرة كانت تهمة الإخوان المسلمين أو التكفيريين جاهزة، وحتى لو كانت عن طريق ما يوحى أنّه مزاح". يضيف: "بتّ أحاول مع الوقت أن أبعد هذه الاتهامات عني وعن عائلتي، فأنا أريد أن تعيش عائلتي بأمان، إذ إنّني معيلها الوحيد، خصوصاً أننا اضطررنا إلى تغيير البيت أكثر من مرة، وفي إحدى المرات قالها لي جاري في البناء، وهو موالٍ للنظام، وإن بطريقة غير مباشرة، متسائلاً: ما الذي يضمن لنا ألاّ يكون من بين الوافدين من المحافظات الأخرى خلايا نائمة؟" يتابع: "كان دائماً يراقب حركتنا ومن يزورنا. وفي يوم من الأيام، زارني أبناء عمي الثلاثة وناموا في البيت، وفي الصباح طرق عليّ الباب وسألني إن كان لديّ ضيوف ومن هم". يلفت إلى أنّه من جراء الضغط، اضطر للتطوع في إحدى المليشيات الموالية، فحصل على بطاقة عسكرية، خففت عنه جلسات الاستجواب التي كان يتعرض لها على الحواجز الأمنية التابعة للنظام، والجيران الفضوليين من أنصار النظام".




لا يغيب عن الطالب الجامعي جمال (21 عاماً) من ريف حلب، شعور "الاتهام بالتشدد أو حتى الانتماء إلى التنظيمات التكفيرية". يقول لـ"العربي الجديد": "لا أعلم إن كانت لدي حساسية مفرطة كوني من مدينة ثارت على النظام وطردته منها، ولم يتمكن حتى اليوم من دخولها، أم أنّ معاملة العناصر الأمنية لي مختلفة، فقبل أيام قال لي أحد هؤلاء: كيف حال أهل بلدك مع الدواعش؟ وعقب زميله: كيف جهاد النكاح معك؟". يعقب: "كنت أتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعني أو أن أصفعهما، لكنّ مجرد ردي عليهما قد يوجه إليّ اتهامات، فابتلعت لساني والنار تأكلني من داخلي". يضيف: "للأسف، ليس عناصر النظام وحدهم من يملكون هذا التصور، فلديّ زملاء في الجامعة يمازحونني في بعض الأحيان بأقوال أشعر أنّها نابعة من اتهامهم لي بالانتماء إلى تنظيمات ما، فأحدهم يقول عندما أصل: أفسح المجال لأمير الجماعة. وآخر يقول: تكبير. وثالث يصفني بالدعدوش، حتى أنّي أخشى أن أطلق لحيتي. مرة أطلقتها، فبدأ زملائي يقولون لي: بركاتك شيخنا. قد يكون الأمر طبيعياً لكنّي أشعر دائماً أنّي متهم وعليّ الدفاع عن نفسي وإثبات العكس، فما أن أسمع مثل هذه التعليقات حتى أبدأ بلعن تلك الجماعات وإبعاد أي توصيف عني".