موازنة تونس تتخلّى عن الدعم الاجتماعي

12 ديسمبر 2014
احتجاجات سابقة في تونس ضد الفقر(فرانس برس)
+ الخط -
وافق البرلمان التونسي، أمس، على ميزانية عام 2015، والتي ستبلغ 29 مليار دينار (15.69 مليار دولار)، بزيادة 6% عن موازنة العام الجاري 2014.
وجاءت الميزانية شبه خالية تقريباً من الإجراءات الاجتماعية، إذ اتخذت الحكومة قراراً بتقليص دعم الدولة للمحروقات والمواد الغذائية والنقل العمومي بنسبة 16%، كما تم تقليص الميزانية المخصصة للانتدابات في الوظائف الحكومية، مع الاكتفاء تقريباً بالانتدابات في سلكي الأمن والجيش، باعتبار التحديات الأمنية التي تواجهها البلاد في المرحلة الحالية.
وتراهن الحكومة، عبر الخيارات التي اتخذتها في ميزانية الدولة للعام المقبل، على خفض نسبة العجز إلى 5% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، وذلك عبر تعزيز مساهمة الموارد الذاتية في بند الإيرادات العامة، لترتفع إلى 70% من إجمالي الإيرادات في العام الجاري، إلى 75% العام المقبل، مع إعطاء أولوية للاستثمارات الحكومية.
ووفقا لميزانية العام المقبل التي وافق عليها 144 نائبا في البرلمان، فإن حاجات تونس من التمويل ستكون في حدود 7.4 مليارات دينار (4 مليارات دولار) من بينها 4.4 مليارات دينار (2.38 مليار دولار) تمويلات خارجية.
وتتضمن ميزانية 2015 تقديراً للنمو الاقتصادي بحوالى 3% في 2015، مقارنة بنمو متوقع في حدود 2.5% في 2014. وسيبلغ العجز، وفقا للميزانية، 5% العام المقبل، مقارنة بنسبة 5.8% مع نهاية 2014.
وفي المقابل، ستشهد ميزانية 2015 ارتفاعا طفيفا في نفقات التنمية التي سترتفع إلى 5.8 مليارات دينار (3.14 مليارات دولار)، مقارنة بنحو 5.3 مليارات دينار (2.87 مليار دولار) في 2014.
وقال النائب في برلمان الشعب وعضو لجنة المالية، محسن حسن، إن الوضع الاجتماعي في تونس في غاية الصعوبة، وهو ما يفسر تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، فضلاً عما تشهده البلاد من ارتفاع متواصل في نسبة البطالة والتضخم، وهو ما يعني تواصل الركود الاقتصادي، ما يجعل الحكومة مضطرة في العام الجديد إلى مواصلة ترشيد الإنفاق، والاعتماد على سياسيات مالية حكومية أكثر صرامة من ذي قبل.
وأضاف حسن، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن التقليص في نفقات دعم المحروقات والمواد الغذائية الأساسية والنقل الحكومي من 4.45 مليارات دينار في 2014 إلى 3.74 مليارات دينار في 2015، سيؤدي إلى مزيد من تراجع القدرة الشرائية وتآكل الطبقة الوسطى، خاصة أن قانون المالية لم يأت بإجراءات واضحة لتوجيه الدعم نحو مستحقيه، إذ إن المصالح الحكومية لا تزال بصدد تكوين قاعدة بيانات للفئات المستحقة للدعم.

وأشار حسن، وهو نائب عن حزب الاتحاد الوطني الحر ذي التوجه الليبرالي، إلى أن الحكومة القادمة ستعتمد قانون مالية تكميليا، وهو ما يترك الباب مفتوحاً لاعتماد إجراءات تكميلية لمحاربة الهشاشة الاجتماعية والمساعدة على خلق فرص عمل، معتبرا أن الحل الأمثل والجذري لمقاومة صعوبة الظرف الاجتماعي في تونس، يكمن في عودة الاقتصاد إلى خلق النمو من خلال دعم الاستثمار والتصدير والطلب الداخلي، وهذا يشترط تحقيق استقرار أمنى وسياسي بدرجة أولى، ودعم كل الأطراف الاجتماعية الإنتاجية، بالإضافة إلى تأهيل مناخ الأعمال في تونس.
من جانبه، يرى النائب جيلاني الهمامي، عن الجبهة الشعبية (حزب اشتراكي اجتماعي)، أن مشروعي الميزانية وقانون المالية يكرسان نفس النهج العام الذي اعتمدته الحكومات السابقة، والتي أدت إلى اختلال التوازن في التنمية بين المحافظات التونسية.
وقال الهمامي لـ"العربي الجديد" إن تخلي الدولة عن دورها الاقتصادي والاجتماعي، معتبراً أن اكتفاء الدولة بالحد الأدني من الإجراءات الاجتماعية في ميزانية الدولة للعام الجديد، والحد من الانتدابات في الوظائف الحكومية، ورسملة المصارف الحكومية، سيعمق من الأزمة الاجتماعية والفقر في تونس. وعبر الهمامي عن رفض حزبه التام لهذا التوجه.
ويقول خبراء إن الخيار الذي انتهجته الحكومة التونسية بالتقليص من النفقات الاجتماعية مفروض عليها؛ نظراً للوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به البلاد، في ظل ارتفاع نفقات الأجور من 5.5 مليارات دينار في 2010 إلى 11 مليار دينار العام الجاري، بسبب الانتدابات غير المدروسة في السنوات الثلاث الماضية وزيادة كتلة الأجور والمنح.
ووقعت تونس العام الماضي على اتفاقية قرض ائتماني مع صندوق النقد الدولي بقيمة 1.78 مليار دولار، بهدف استكمال إصلاحات اقتصادية لتسريع نسق النمو البطيء منذ ثورة ديسمبر/كانون الأول 2011 التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي، لكن تونس ستواصل اعتمادها على التمويلات الخارجية العام المقبل بشكل كبير.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قال رئيس الوزراء التونسي، مهدي جمعة، إن تونس تحتاج ما لا يقل عن 3 سنوات من الإصلاحات الاقتصادية المؤلمة بما فيها خفض الدعم وزيادة الضرائب لإنعاش الاقتصاد.
ومثلما هو متوقع، ستنخفض نفقات الدعم الحكومي في 2015 بنسبة 16% إلى 3.7 مليارات دينار (مليارا دولار) مقارنة بالعام الحالي.
وعلى الرغم من مطالبات اتحاد الشغل ذي التأثير القوي بزيادة في رواتب القطاع العام، فلم تتضمن الميزانية أي زيادات في 2015، وهو ما يدفع الاتحاد إلى تنفيذ تهديداته بشن إضرابات.
ولكن مهدي جمعة قال، خلال خطاب في البرلمان يوم الأربعاء، إن أي زيادات محتملة يجب أن تكون فقط بموافقة البرلمان الجديد، وليس حكومته التي ستتخلى عن مهامها لحكومة جديدة بعد أسابيع.
وستكون مثل هذه المسائل العالقة، إضافة إلى الإصلاحات الاقتصادية العاجلة، من أبرز الأولويات التي ستواجه الحكومة المقبلة.
(الدولار الأميركي = 1.84 ريال تونسي)
المساهمون