يقترب اليمن مع أكثر من نصف مليون شخص يُشتبه في إصابتهم بالكوليرا، من تسجيل رقم تاريخي بعد ذلك الذي كان قد سُجّل في هاييتي وتخطى 700 ألف إصابة. وهو ما دفع الفريق القُطري للشؤون الإنسانية في اليمن (مؤلّف من منظمات تابعة للأمم المتحدة وأخرى غير حكومية محلية ودولية) إلى التصريح بأنّ تفشّي الكوليرا تجاوز قدرة الشركاء في مجالات المياه والصرف الصحي والنظافة. أضاف الفريق في تقرير له، أنّ حجم الكوليرا خلق حاجة إلى استجابة جماعية أوسع على نطاق منظومة الإغاثة الإنسانية كاملة، داعياً مجموعات أخرى إلى تعبئة الشرکاء من كل القطاعات للمشاركة في الاستجابة لمواجهة المرض.
ويفيد تقرير الفريق بأنّ العاملين في المجال الإنساني اضطروا إلى استخدام موارد من أجل دمج التدخل في مجال الأمن الغذائي مع مكافحة تفشّي الكوليرا غير المسبوق والذي زاد عن التقديرات التي توقعها المتخصصون في بداية انتشار المرض.
تجدر الإشارة إلى أنّه وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في اليمن، أكثر من 120 منظمة تشارك في تنفيذ خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد انطلاقاً من خمسة مراكز في محافظات عدن والحديدة وإب وصعدة وصنعاء، لكنّ تمويل هذه الخطة بحسب المكتب يأتي بنسبة 33 في المائة فقط، أي 688 مليون دولار أميركي من إجمالي 2.1 بليون دولار مطلوبة للوفاء باحتياجات من هم في حاجة طارئة للإغاثة.
وقبل أيام، أعلن البنك الدولي عن منحة طارئة بقيمة 200 مليون دولار، هي الكبرى لمواجهة هذا المرض بحسب بيان للبنك الذي أوضح أنّ المنحة تهدف إلى "توسيع نطاق مشروع الصحة والتغذية في حالات الطوارئ للوصول إلى ما مجموعه 13 مليون يمني بباقات من الخدمات الصحية والتغذية الأساسية، وتزويد 4.5 ملايين يمني بالمياه النظيفة والصالحة للشرب وخدمات الصرف الصحي الآمن". ولفت البيان إلى أنّ حزمة الدعم المتكاملة الممولة من المنحة الجديدة سوف تشمل تدريب سبعة آلاف و500 عامل صحي وتعزيز القدرة المحلية على معالجة حالات الكوليرا وإدارتها وتوفير الكلور بكميات كبيرة لتنقية إمدادات المياه، بالإضافة إلى إعادة تأهيل محطات معالجة المياه العادمة ودعم حملات الاتصال الجماهيري والتعبئة الاجتماعية.
إلى ذلك، قررت منظمة الصحة العالمية في اليمن تأجيل أكبر حملة تحصين ضد الكوليرا في العالم، بعد اكتشافها أنّ الأزمة في اليمن تجاوزت بالفعل الجهود لاحتوائها. يُذكر أنّ المنظمة كانت قد كشفت لصحيفة طبية أميركية عن عزمها تنفيذ تلك الحملة خلال العام الجاري.
في السياق، يقول مصدر في المنظمة لـ "العربي الجديد" إنّ "فريق التنسيق الدولي الذي يشرف على مخزون اللقاحات العالمية كان قد وافق على شحنة قدرها مليون جرعة من لقاح الكوليرا إلى اليمن في يونيو/ حزيران الماضي، بيد أنّ الخطة ألغيت. أمّا الأسباب فهي المخاوف من أنّها لن تساعد في احتواء تفشّي المرض، ومن أنّ الجهود الآن غير مجدية بعد توسعه، وقد تقوّض حملات التحصين المستقبلية في البلاد التي مزّقتها الحرب". يضيف المصدر أنّ ثمّة دوافع عدّة لهذه المخاوف، "في مقدّمتها القيود اللوجستية التي قد تعرقل وصول شحنة اللقاحات إلى البلاد، والوضع السياسي المتقلب بسبب هيمنة إدارتين حكوميتين متنافستين على البلاد". ويشير إلى أنّ الحكومة الشرعية وكذلك جماعة الحوثيين وافقتا على إلغاء حملة التحصين.
ويوضح المصدر نفسه أنّ "وزارة الصحة والسكان في اليمن قررت عدم القيام بحملة تحصين في الوقت الحالي، إذ قد لا يكون لها الأثر المتوقع بعدما بلغ مرض الكوليرا مختلف محافظات البلد"، لافتاً إلى أنّ "الكوليرا اليوم في حاجة إلى مواجهة وليس إلى وقاية وحملات تحصين". وكانت الحكومة اليمنية بحسب المصدر قد "طلبت في بداية ظهور الكوليرا، 3.5 ملايين جرعة من اللقاحات، جرت الموافقة على إرسال مليون فقط، وهي كل المخزون العالمي لدى فريق التنسيق الدولي وتوزيعه بالتساوي على الحكومة الشرعية التي تسيطر على نطاق جغرافي كبير وعلى السلطات في صنعاء وما حولها من محافظات والتي يزداد فيها عدد السكان".
ويتحدّث المصدر عن "أسباب أخرى أقنعت اليمنيين والمنظمات بعدم جدوى مثل هذه الحملات في الظروف التي يعيشها اليمن، من قبيل صعوبة حفظ اللقاحات في ثلاجات تبريد من جرّاء نقص الوقود وانعدام التيار الكهربائي، بالإضافة إلى المخاوف الكبيرة من احتمال تسييس أيّ حملة تحصين أو سوء إدارتها".
من جهة أخرى، أشارت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، في بيان لها أصدرته قبل أيام، إلى أنّ العدد الأسبوعي للحالات الجديدة المبلّغ عنها انخفض بنسبة الثلث منذ أواخر شهر يونيو/حزيران الماضي. أضافت أنّ وزارة الصحة والمنظمات الدولية ما زالت تنفّذ حملة وطنية للتوعية حول مخاطر الكوليرا، وقد "تلقّى من خلالها نحو 12.5 مليون شخص في كل أنحاء البلاد معلومات حول تطهير المياه وغسل الأيدي والصرف الصحي وسلامة الأغذية". وشدّدت المنظمة على أنّ طريق مكافحة الكوليرا ما زال طويلاً، "ففي ظلّ استمرار العنف، تنهار أنظمة المياه والصرف الصحّي، كذلك فإنّ أكثر من نصف المرافق الصحيّة في اليمن هي خارج الخدمة، ما أدّى إلى حرمان نحو 15 مليون شخص من المياه الصالحة للاستعمال ومن الحصول على الرعاية الصحية الأساسية". أضافت أنّ البلاد ما زالت على شفا مجاعة، إذ يعاني نحو 385 ألف طفل من سوء التغذية الحاد والخطير، وهو الأمر الذي يعرّضهم إلى خطر الإصابة بالإسهال المائي الحاد وبالكوليرا.