الأطباء والمهندسون الفلسطينيون في لبنان ممنوعون من مزاولة مهنهم. وهو الحال نفسه مع عشرات الاختصاصات الأخرى التي تمنع القوانين اللبنانية على الفلسطينيين مزاولتها كمهنة. وهو ما يضطرهم إلى تغيير مهنهم والقبول بما لا يضاهي اختصاصهم العلمي، ولا يناسب مواهبهم.
وفي مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا، جنوب لبنان، يعيش المهندس الفلسطيني أبو علي المتخصص في الأرصاد الجوية، والحائز على درجة الماجستير في اختصاصه من تركيا. هو يبلغ من العمر 54 عاماً، أصله من مدينة بيسان الفلسطينية المحتلة عام 1948.
عمل أبو علي بعد نيله الماجستير لمدة عامين في تركيا في اختصاصه. لكنّه عاد إلى لبنان ليلتحق بالمقاومة الفلسطينية إبان الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. ومنذ ذلك التاريخ بقي في مخيم عين الحلوة حيث نشأ طفلاً. وتحول من مهندس أرصاد جوية إلى مجرد لاجئ فلسطيني آخر ممنوع من ممارسة مهنته في لبنان.
في الشارع الفوقاني في المخيم، يفترش أبو علي الشارع مع بضاعته التي يحاول من خلالها تأمين قوت أسرته. لا شيء يوحي في الرجل الذي يبيع الملابس البالية والاحذية ويصفّها على جهتي الشارع، أنّه مهندس.
يقول أبو علي: "قبل كل شيء، أنا أعمل في بيع الملابس والأحذية البالية، فقط لأنّ الدولة اللبنانية تمنعني مع آخرين غيري من العمل في اختصاصاتنا إسوة باللبنانيين وغيرهم. وعندما تُسدّ الأبواب في وجوهنا، لا بدّ لنا من مخرج نوفر منه قوت أسرنا". يتابع: "اختصاصي العلمي دقيق، فهو يرتبط بالرادارات التي تعمل على تسجيل حركة الطيران، ورصد الأحوال الجوية. هذا العمل هو عمل حكومي عادة، وبالطبع من غير المسموح للفلسطيني العمل فيه في لبنان".
يتابع: "عملت في اختصاصي سنتين في تركيا في محطة للأرصاد الجوية. لكن عندما بدأ الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، لم أستطع أن أرى أبناء شعبي يذبحون. وجئت إلى لبنان مع الكتائب الطلابية التابعة لحركة فتح وقتها، وقاومت الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان".
تركت تلك الحرب أبو علي بلا أسنان. وعن ذلك يقول: "في معركة بيادر العدس عام 1982، عندما صددنا العدوان الصهيوني، لم تكن معي قطّاعة فبتّ أعرّي أسلاك الكهرباء بأسناني، من أجل استخدامها للصواريخ".
وعن مكاسبه من تلك الحرب يقول: "نحن أناس معتّرون لم نرتمِ في أحضان أي فصيل. وهذا ما دفعني إلى تفضيل العمل ببيع الملابس والأحذية البالية. فالعيش بكرامتي وشرفي، وتأمين لقمة الحلال لأولادي هو الأساس".
أما عن اختصاصه فما زال يملك بعض الذكريات من دراسته وفترة عمله القصيرة قبل 33 عاماً. ويقول: "أنا اليوم عضو في نقابة المهندسين الفلسطينيين. من خلال اختصاصي وخبرتي، يمكنني أن أنزل طائرة على المدرج من دون عجلات، ولا يمسها أي سوء. وهذه التجربة بالذات أجريتها في تركيا عندما كنت أعمل هناك، وهي التي أمنت لي الحصول على الماجستير". ويتابع: "في تركيا كان أساتذة الجامعة والمهندسون يحترمون الفلسطينيين، وكانوا يقولون إنّ الفلسطيني لديه قدرة على الاستنباط وإيجاد الحلول".
ومن هذه الفكرة، ينتقل أبو علي للحديث عن جولات القتال مع العدو الصهيوني. ويقول: "كنا نجترح الحلول مهما كانت المواجهات قاسية وصعبة. وفي إحدى المواجهات تمكنّا من تفجير كاسحة ألغام، وهو ما تفشل جيوش في فعله". كما يتحدث أبو علي عمّا يحصل في مخيم اليرموك في سورية، ويقول: "كلّ الدول العربية تتآمر على اليرموك، لأنها تريد أن تنهي حق العودة للفلسطينيين. لكنّ حقنا في العودة مقدس، فلو تشردنا إلى البرازيل أو حتى إلى القطب الجنوبي، فالحنين إلى فلسطين موجود فينا، والشرب من مياهها والنوم تحت أشجار زيتونها يساوي العالم بأكمله. فلسطين غالية، وأنا حتى الآن على استعداد للتضحية من أجلها مهما ارتفع ثمن التضحيات".
أما بالنسبة لعمل الفلسطيني في لبنان، فيقول: "هناك أكثر من 400 مهندس فلسطيني يبيعون الخضار على عربات في المخيم، كما أنّ هناك أكثر من 600 طبيب فلسطيني في لبنان عاطلون من العمل، وإن عملوا فببيع الفلافل. الفلسطيني يعيش في الهم والغم، ليست له حياة اجتماعية وحقوق مدنية تليق به وبتضحياته. والفصائل الفلسطينية مساهمة في ذلك كونها لم تقرّ حق العمل، ولم تستطع حتى اليوم توفير فرصة عمل واحدة لفلسطيني في الحكومة اللبنانية. كلّ هذا يؤدي إلى يأس الفلسطيني وتجريده من حقه في أن يكون إنساناً على الأقل".
اقرأ أيضاً: يبيع التمر الهندي ليعلّم ابنه في الجامعة