02 نوفمبر 2024
مهمّة سورية حسّاسة على الأردن
ليست يسيرة المهمة التي أوكلها مؤتمر فيينا 2 الإقليمي الدولي حول سورية إلى الأردن، بتنسيق تصنيف الجهات الإرهابية على الأرض السورية، وذلك لأسباب عدة. أولها أن الدول المعنية بالأزمة تتباعد تصوراتها حول هذا التصنيف، وهي دول يرتبط معها الأردن بعلاقات مختلفة. ولن ترضى هذه الدول مجتمعةً بقائمة واحدة بعينها، ولو كان ذلك ممكناً، لما تباعدت في الأصل المواقف والرؤى الإقليمية والدولية حيال الأزمة، وإزاء كل من النظام وقوى الثورة والمعارضة والأطراف الجهادية. ثاني الأسباب، أن موسكو هي التي اقترحت الأردن طرفاً منسقاً، وهو ما أثار ارتياحاً في عمّان التي اعتبرت اختيارها تزكيةً لوزنها الإقليمي المهم، على أن موسكو، كما هو معلوم، طرف في الأزمة، وشريك أساسي في محورٍ، يضمها مع طهران ومع الحكم في دمشق، وإلى حد كبير مع بغداد. وبينما ترتبط عمّان بعلاقات متنامية مع موسكو، إلا أنها ليست جزءاً من هذا المحور الذي تسبب عملياً في أعباء جسيمة على الاقتصاد الأردني، جرّاء موجة اللجوء السوري الكثيفة إلى أراضيه، والضعف الذي اعترى التبادل التجاري عبر الحدود السورية الأردنية منذ نحو خمسين شهراً مضت.
في واقع الأمر، أريد بالمقترح الروسي الذي قوبل باستجابة كبيرة في فيينا، تسمية الأردن طرفاً منسقاً، تعزيز علاقات موسكو بعمّان، وجذبها ما أمكن إلى محور موسكو طهران. وفي هذا الخصوص، افتتحت موسكو مركزاً إعلامياً لها في الأردن (يرث المركز الثقافي السوفييتي الذي عمل عقوداً)، وقد نجم عن ذلك موقف أردني، بدأ يتعامل مع التدخل العسكري الروسي أمراً واقعاً، وكما دلت على ذلك تصريحات أردنية على أعلى مستوى. فيما ذهبت تصريحات روسية إلى أبعد من هذا، بالقول بتنسيق عسكري مع الأردن، بخصوص جبهة جنوب سورية المحاذية للأردن ضد الجماعات الإرهابية بمختلف ألوانها. تشدد موسكو على توسيع البيكار (الفرجار) في تصنيفها الإرهاب، بحيث لا يقتصر على داعش، خلافا للموقف الإقليمي والدولي الذي يضع داعش، وإلى حد أقل، جبهة النصرة في مركز الإرهاب، ومن أجل أن تسوغ موسكو تركيزها على قصف منظمات مسلحة معارضةٍ، بصورةٍ فاقت بأضعاف قصفها داعش. ولا يتوقف الأمر عند هذا، فبينما عكفت الجهات الأمنية المختصة على المهمة الموكلة إليها، حتى انبرت موسكو لإصدار ما يشبه إيحاءات توجيهية، من قبيل القول إن حزب الله خارج تصنيف الجماعات الإرهابية في سورية.
ليس الأردن جزءاً من المحور الروسي الإيراني، ولا هو كذلك جزء مما يسمى المحور التركي
السعودي القطري، ولعله بات قريباً من مواقف دول كمصر ودولة الإمارات، من دون أن يشكل محوراً مع الدولتين بخصوص الأزمة السورية. نجح في البقاء خارج المحاور، واعتمد سياسة تقوم على ممارسة ضغوط من أجل التوصل إلى حل سياسي جدّي، بيد أن السنوات الأربع الماضية شهدت أن الأردن كان على الدوام جزءاً من مجموعة أصدقاء سورية، وخلال سنتي 2011 و2012، اختار عسكريون سوريون منشقون كثيرون اللجوء إلى الأردن، وفي أحيان كثيرة، لأسباب لوجستية تتعلق بقرب الحدود الأردنية من مدن سورية.
مخيما الزعتري والأزرق شاهدان على تأثر الأردن بالأزمة السورية، حيث قذف النظام في دمشق بشطر كبير من شعبه خارج الحدود، وكانت مساهمة ذلك النظام الوحيدة في التعامل مع هذه المشكلة غير المسبوقة عربياً، هي الطلب من الدول المجاورة عدم إقامة مخيمات للاجئين السوريين! وقد استجابت الحكومة اللبنانية لذلك الطلب، تحت ضغوط شرسة من حزب الله، وترك اللاجئون يهيمون على وجوههم، وينامون في المدارس والحدائق والشوارع وفي العراء، بحجة عدم تسييس المسألة!. أما الأردن، فاتخذ الخطوة المنطقية التي تنسجم مع القانون الإنساني الدولي، ومع دواعي الأخوة العربية، بتأمين إقامتهم في مخيمات، وضمان الحد الأدنى من احتياجاتهم الإنسانية، وهو ما أوضحه الناطق باسم الحكومة الأردنية، محمد المومني، في محاضرة له، أخيراً.
قد يثير تصنيف الجماعات والمنظمات في سورية تحدياً أمنياً للأردن من تلك الجماعات التي سوف تندرج في التصنيف، وهذا وجه الصعوبة الثالث.
ولمواجهة هذه الصعوبات وغيرها، أمام عمّان فرصة التشديد على أن دورها تنسيقي بالفعل بين خيارات الأطراف الإقليمية والدولية وتصنيفاتها، وأن أية قائمة قد يتم التوصل إليها هي حصيلة توافقات تصنيفية من دول عديدة في الإقليم وخارجه، وأن القائمة ليست بالتالي "قائمة أردنية"، وإن كان ثمة جهد أردني ملموس في تنسيقها. يمكن أيضا التمييز في القائمة المزمعة بين ما هو متشدّد وما هو إرهابي، في التصنيف. فثمة أطراف متشددة يصعب حقاً انضواؤها في حل سياسي، أو انخراطها في مفاوضات، لكن سجلها يشهد أنها لا تستهدف المدنيين، ولا أتباع الديانات الأخرى، ونشاطها عسكري محض على جبهات القتال، خلافاً للإرهابيين الموصوفين الذين يستهدفون المدنيين، والأعراق وأتباع الديانات. فالمتشدد ليس إرهابياً بالضرورة، ولا بالتعريف. والتطرّف الأيديولوجي ظاهرة قائمة في سائر المجتمعات، بما فيها المتقدمة ومُعترفٌ بها! ووصل بعض ممثليها إلى مقاعد برلمانات أوروبية. في الأردن، جماعات جهادية متشددة، انزلق بعضها إلى الإرهاب، وعصم بعضها الآخر نفسه عن هذا المنزلق.
يبقى أن وضع قائمة كهذه ليس بديلاً عن حل سياسي شامل وجدّي للأزمة السورية. هناك من يريدون اختزال الأزمة على هذا النحو المبتسر، بل والملتوي، من أجل مواصلة الحرب وتسويغها. وبيان فييينا 2 أوسع من ذلك بكثير، ويقوم أساساً على وقف إطلاق نار برعاية دولية، ومفاوضات سورية بين النظام والمعارضة، تستند إلى بيان جنيف، وفق جدول زمني وبرعاية الأمم المتحدة، ويلي ذلك تشكيل حكومة انتقالية وإعداد دستور جديد لدولة مدنية ديمقراطية، ويلي ذلك إجراء انتخابات.
دأب الأردن، في جميع المناسبات، وعلى سائر المنابر، على تأكيد التزامه بحل سياسي. الآن، تبدو الظروف سانحة مبدئياً لشق الطريق نحو هذا الحل الذي يستجيب لتطلعات السوريين. التقدم على هذا الطريق وفق مرجعية واضحة وجدول زمني محدد، يوفر بيئة لوضع حد للعنف المستشري، ويفرز الراغبين في الحل عن أولئك الذين يستثمرون في العنف، ويمارسونه بدون توقف وبكل الأسلحة، وعلى أوسع نطاق، وبغير قيود وضوابط من "أخلاقيات الحرب"، والضحية هو الشعب السوري المثخن بالجراح، والدول المجاورة التي تنوء بالأعباء، ومنها على الخصوص الأردن.
في واقع الأمر، أريد بالمقترح الروسي الذي قوبل باستجابة كبيرة في فيينا، تسمية الأردن طرفاً منسقاً، تعزيز علاقات موسكو بعمّان، وجذبها ما أمكن إلى محور موسكو طهران. وفي هذا الخصوص، افتتحت موسكو مركزاً إعلامياً لها في الأردن (يرث المركز الثقافي السوفييتي الذي عمل عقوداً)، وقد نجم عن ذلك موقف أردني، بدأ يتعامل مع التدخل العسكري الروسي أمراً واقعاً، وكما دلت على ذلك تصريحات أردنية على أعلى مستوى. فيما ذهبت تصريحات روسية إلى أبعد من هذا، بالقول بتنسيق عسكري مع الأردن، بخصوص جبهة جنوب سورية المحاذية للأردن ضد الجماعات الإرهابية بمختلف ألوانها. تشدد موسكو على توسيع البيكار (الفرجار) في تصنيفها الإرهاب، بحيث لا يقتصر على داعش، خلافا للموقف الإقليمي والدولي الذي يضع داعش، وإلى حد أقل، جبهة النصرة في مركز الإرهاب، ومن أجل أن تسوغ موسكو تركيزها على قصف منظمات مسلحة معارضةٍ، بصورةٍ فاقت بأضعاف قصفها داعش. ولا يتوقف الأمر عند هذا، فبينما عكفت الجهات الأمنية المختصة على المهمة الموكلة إليها، حتى انبرت موسكو لإصدار ما يشبه إيحاءات توجيهية، من قبيل القول إن حزب الله خارج تصنيف الجماعات الإرهابية في سورية.
ليس الأردن جزءاً من المحور الروسي الإيراني، ولا هو كذلك جزء مما يسمى المحور التركي
مخيما الزعتري والأزرق شاهدان على تأثر الأردن بالأزمة السورية، حيث قذف النظام في دمشق بشطر كبير من شعبه خارج الحدود، وكانت مساهمة ذلك النظام الوحيدة في التعامل مع هذه المشكلة غير المسبوقة عربياً، هي الطلب من الدول المجاورة عدم إقامة مخيمات للاجئين السوريين! وقد استجابت الحكومة اللبنانية لذلك الطلب، تحت ضغوط شرسة من حزب الله، وترك اللاجئون يهيمون على وجوههم، وينامون في المدارس والحدائق والشوارع وفي العراء، بحجة عدم تسييس المسألة!. أما الأردن، فاتخذ الخطوة المنطقية التي تنسجم مع القانون الإنساني الدولي، ومع دواعي الأخوة العربية، بتأمين إقامتهم في مخيمات، وضمان الحد الأدنى من احتياجاتهم الإنسانية، وهو ما أوضحه الناطق باسم الحكومة الأردنية، محمد المومني، في محاضرة له، أخيراً.
قد يثير تصنيف الجماعات والمنظمات في سورية تحدياً أمنياً للأردن من تلك الجماعات التي سوف تندرج في التصنيف، وهذا وجه الصعوبة الثالث.
ولمواجهة هذه الصعوبات وغيرها، أمام عمّان فرصة التشديد على أن دورها تنسيقي بالفعل بين خيارات الأطراف الإقليمية والدولية وتصنيفاتها، وأن أية قائمة قد يتم التوصل إليها هي حصيلة توافقات تصنيفية من دول عديدة في الإقليم وخارجه، وأن القائمة ليست بالتالي "قائمة أردنية"، وإن كان ثمة جهد أردني ملموس في تنسيقها. يمكن أيضا التمييز في القائمة المزمعة بين ما هو متشدّد وما هو إرهابي، في التصنيف. فثمة أطراف متشددة يصعب حقاً انضواؤها في حل سياسي، أو انخراطها في مفاوضات، لكن سجلها يشهد أنها لا تستهدف المدنيين، ولا أتباع الديانات الأخرى، ونشاطها عسكري محض على جبهات القتال، خلافاً للإرهابيين الموصوفين الذين يستهدفون المدنيين، والأعراق وأتباع الديانات. فالمتشدد ليس إرهابياً بالضرورة، ولا بالتعريف. والتطرّف الأيديولوجي ظاهرة قائمة في سائر المجتمعات، بما فيها المتقدمة ومُعترفٌ بها! ووصل بعض ممثليها إلى مقاعد برلمانات أوروبية. في الأردن، جماعات جهادية متشددة، انزلق بعضها إلى الإرهاب، وعصم بعضها الآخر نفسه عن هذا المنزلق.
يبقى أن وضع قائمة كهذه ليس بديلاً عن حل سياسي شامل وجدّي للأزمة السورية. هناك من يريدون اختزال الأزمة على هذا النحو المبتسر، بل والملتوي، من أجل مواصلة الحرب وتسويغها. وبيان فييينا 2 أوسع من ذلك بكثير، ويقوم أساساً على وقف إطلاق نار برعاية دولية، ومفاوضات سورية بين النظام والمعارضة، تستند إلى بيان جنيف، وفق جدول زمني وبرعاية الأمم المتحدة، ويلي ذلك تشكيل حكومة انتقالية وإعداد دستور جديد لدولة مدنية ديمقراطية، ويلي ذلك إجراء انتخابات.
دأب الأردن، في جميع المناسبات، وعلى سائر المنابر، على تأكيد التزامه بحل سياسي. الآن، تبدو الظروف سانحة مبدئياً لشق الطريق نحو هذا الحل الذي يستجيب لتطلعات السوريين. التقدم على هذا الطريق وفق مرجعية واضحة وجدول زمني محدد، يوفر بيئة لوضع حد للعنف المستشري، ويفرز الراغبين في الحل عن أولئك الذين يستثمرون في العنف، ويمارسونه بدون توقف وبكل الأسلحة، وعلى أوسع نطاق، وبغير قيود وضوابط من "أخلاقيات الحرب"، والضحية هو الشعب السوري المثخن بالجراح، والدول المجاورة التي تنوء بالأعباء، ومنها على الخصوص الأردن.