أُشفق على طارق عامر الذي تم اختياره أمس محافظاً للبنك المركزي المصري، بسبب المناخ الصعب والمعقد الذي سيعمل فيه، حيث احتياطي أجنبي اقترب من مرحلة الخطر ببلوغه 16.3 مليار دولار بنهاية سبتمبر/أيلول الماضي، وهناك سعر صرف مضطرب وهائج كالثور، وسوق سوداء مستأسدة يتحكم بها كبار المضاربين، وأمامه رجال أعمال غاضبون من ندرة الدولار، ومستثمرون حانقون من القيود التي فرضها البنك المركزي على التحويلات المالية، والأهم من ذلك نظام بلا رؤية وحكومة "مفككة"، كل واحد من أعضائها يعمل وكأنه في جزيرة منعزلة ويفتقد روح الفريق والعمل الجماعي.
وهناك تحدّ أكبر من كل ذلك يواجه المحافظ الجديد للبنك المركزي، وهو تراجع موارد البلاد من النقد الأجنبي، خاصة من قطاعات رئيسية كالسياحة والصادرات والاستثمارات الأجنبية وتحويلات العاملين في الخارج وقناة السويس، إضافة إلى تآكل الدعم الخليجي بسبب تهاوي أسعار النفط وتكلفة حرب الخليج، علماً أن هذا الدعم هو الذي ساند حكومات ما بعد 3 يوليو/تموز 2013، سواء على مستوى الاحتياطي النقدي أو المشتقات البترولية.
طارق عامر مطلوب منه أن يدبر مليارات الدولارات حتى يأكل ويشرب ما يزيد على 90 مليون مصري، ومطلوب منه تدبير 62 مليار دولار أو أكثر سنوياً لتمويل واردات السلع الوسيطة والمواد الخام للمصانع والسلع الرئيسية، ومطلوب منه تدبير نحو خمسة مليارات دولار لسداد الديون الخارجية وأقساطها في موعدها المحدد ودون تأخير حتى يتم الحفاظ على تصنيف مصر الائتماني.
ومطلوب منه سوق صرف مرن ومستقر، سوق لا يأكل العملة المحلية بل ويمنعها من التهاوي، وفي الوقت نفسه، سوق يحافظ على الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي، ومطلوب منه تهيئة المناخ لجذب الاستثمارات الأجنبية، وتشجيع السياحة عبر تعويم المنشآت والفنادق السياحية المتعثرة، بل ومنح قروض جديدة لأصحاب الفنادق لسداد رواتب موظفيها والضرائب والتأمينات.
والأهم من ذلك، مطلوب من طارق عامر قطاع مصرفي قوي ومربح رغم المخاطر المحلية والعالمية المحيطة بالسوق المصرية والتي قد تزيد في حدتها وتأثيراتها تداعيات الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في أغسطس/آب 2008.
لا يستطيع عامر وحده أن يحافظ على الاحتياطي الأجنبي مهما امتلك من إمكانات وقدرات فنية، فليس من مهامه تنشيط عائدات السياحة وإعادة قطاع السياحة، عددا وإيرادات، لفترة ما قبل ثورة 25 يناير، فهذه مهمة أجهزة الدولة وفي مقدمتها وزارة السياحة.
وليس من مهام عامر الموكلة إليه العمل على زيادة الصادرات التي فقدت 20% من إيراداتها خلال العام الجاري، أو فتح أسواق جديدة أمام المنتجات المصرية، وتحسين جودة المنتج المصري، وإعادة فتح المصانع المغلقة، فهذه مهمة وزارتي الاستثمار والتجارة والصناعة.
وليس من مهام الرجل زيادة تحويلات العاملين في الخارج التي تراجعت أيضا، أو إقناع المترددين منهم بتحويل الأموال إلى الداخل، لا الإبقاء عليها في الخارج خوفا من المصادرة أو التضخم، فهذا دور الحكومة.
دور محافظ البنك المركزي المصري فقط هو إدارة 4 ملفات رئيسية هي: السياسة النقدية وسوق الصرف وإدارة الاحتياطيات الخارجية والإشراف والرقابة على القطاع المصرفي، والبنك المركزي ليس مسؤولاً عن السياستين المالية والاقتصادية، فهذه مهمة الحكومة، مطلوب منه فقط التنسيق معهما حتى لا يأخذ البنك المركزي سياسات تضر بخطط الحكومة.
وبالتالي لا تنتظروا من الرجل أن يعالج أزمة اقتصادية حادة وخانقة تمر بها البلاد، وناجمة عن سياسات حكومية خاطئة، فمعالجة الأزمة هي مهمة النظام الذي عليه أولاً أن يهيئ مناخاً من الاستقرار السياسي والأمني الحقيقي لا الإعلامي، ويوفر كذلك مستلزمات الإنتاج مثل الطاقة والتشريعات المهيئة للاستثمار، ويتوقف عن مصادرة أموال معارضيها السياسيين، ويعيد الثقة في النظام القضائي.
أثق في قدرة طارق عامر المصرفية والاقتصادية، فهو مصرفي محترف، كان الساعد الأيمن للدكتور فاروق العقدة في الفترة من عام 2003 وحتى عام 2008، حيث شغل منصب النائب الأول لمحافظ البنك المركزي، كما أدار باقتدار البنك الأهلي المصري، أكبر بنك مصري، لمدة خمس سنوات ورفع ربحيته من أقل من 500 مليون جنيه سنويا إلى أكثر من أربعة مليارات جنيه، ولكنني في المقابل لا أثق مطلقا بسياسات النظام أو الحكومة التي عليهما أن يوفرا المناخ للرجل لينجح، وفي رأيي أن النظام والحكومة لن يوفرا ذلك لأنهما لا يمتلكان الرؤية السياسية أو الاقتصادية لفعل ذلك، ولا يمتلكان من الأصل ارادة سياسية.
اقرأ أيضا: تهاوي الجنيه يطيح بمحافظ البنك المركزي المصري