مهمة ثقيلة.. غير مستحيلة

15 سبتمبر 2016

معجب الزهراني.. تعريف الجمهور بما خفي من الثقافة العربية

+ الخط -

في أحدث حلقات برنامج "ساعة خليجية" الذي تقدمه على إذاعة مونت كارلو الإعلامية السعودية المتألقة، إيمان الحمود، كان الضيف المدير الجديد لمعهد العالم العربي في باريس، الأكاديمي والروائي السعودي معجب الزهراني، وكانت الساعة الخليجية مفعمةً بأسئلة الثقافة العربية في راهنٍ مثقلٍ بظلال التطرف الذي يحلو لبعضهم، بقصد أو بغير قصد، أن يصفه بالإسلامي، نظراً للهوية الدينية التي يختبئ خلفها من يقدم عليه عادة!

وقد أثار الحوار الثري الذي شاركتُ، في دقائقه الأخيرة، بمداخلةٍ حول دور المثقف في توجيه الرأي العام، نقاطاً عديدة جعلتني أتفاءل خيراً بالإدارة الجديدة لهذه المؤسسة العربية الفرنسية العريقة، والتي عانت، أخيراً، من مشكلاتٍ عديدة، جعلتها تنزوي كثيرا في مشهد حي ومتفاعل بين الثقافتين العربية والفرنسية! فلا شك أن اختيار مثقفٍ معروفٍ في المملكة العربية والسعودية والوطن العربي، وبخلفية إبداعية ومعرفية وأكاديمية مميزة، مثل الدكتور معجب الزهراني، ليكون مديراً للمعهد في ظل الظروف الدقيقة التي تمرّ بها الثقافة العربية المرتبطة بالدين الإسلامي تحديداً في فرنسا يعد تحدّياً كبيراً أمام مؤسسة المعهد، وأمام الرجل نفسه. صحيح أنها مهمةٌ ثقيلةٌ، لكنها ليست مستحيلةً، بالنظر إلى طبيعة الاختيار الآتي من السعودية، بكل ثقلها الحضاري والثقافي والمعرفي الديني في العالم الإسلامي، على الرغم من أنه ليس الاختيار الأول من نوعه، لكنه، هذه المرة، جاء بخصوصيته الراهنة! وهذا تحدّ إضافي، يجعلنا نأمل من معجب الزهراني أن يعمل، ليس على تجميل الصورة الثقافية والمعرفية الإسلامية لدى جمهور فرنسا وحسب، بل أولاً على تعريف هذا الجمهور بما خفي من تلك الثقافة، تحت غبار المعارك الإعلامية المغرضة والمضطرمة في حمأة التطرّف والتطرّف المضاد!

وهذا يحتّم أن تتخلى مؤسسة المعهد عن بعض صورتها التقليدية الخاصة والضيقة في دائرةٍ ثقافية صغيرة، فلطالما نظرنا إلى المعهد العالمي العربي في باريس، منذ إنشائه قبل أكثر من ثلاثة عقود، باعتباره مؤسسةً نخبويةً لا تهتم غالباً بالثقافة الجماهيرية الفاعلة في تكوين الرأي العام وتوجيهه، ثم إن اهتمامها الحصري بالثقافة الفرنكفونية في وسط المثقفين العرب ضاعف من إحساسنا بهذا الواقع النخبوي الضيق. وإذا كان للمعهد كل العذر في اختيار قياداته عادةً من بين الفرنكفونيين العرب، باعتبارهم الأقدر على إدارة معهدٍ يهتم بالثقافة العربية وسط العاصمة الفرنسية، مشعاً بطريقةٍ دائريةٍ منداحةٍ حولها، فإن هذا العذر لا ينطبق على اهتمامات المعهد الأخرى، ولا في اختياره أسماء عربية بعينها ضيوفاً أو مساهمين في تفعيل حراك المعهد. كان الأجدر أن يلقى المثقفون، من غير الفرنكفونيين، اهتماماً أوسع من المعهد في فعالياته ومطبوعاته وأنشطته المختلفة، لأنه أحد قنواتهم القليلة للوصول إلى الجمهور الفرنسي الذي لا يستطيعون الوصول إليه بجهودهم الفردية، اتكاءً على كتاباتهم وإبداعاتهم الخاصة، كما يفعل زملاؤهم الفرنكفونيون.

آن الأوان، إذن، لتغيير هذه السياسة التي بدلاً من ترسيخها، وتسخير المعهد بكل ممكناته المتاحة والمأكولة مستقبلاً من متحفٍ ومكتبةٍ ومجلةِ قنطرة وغيرها، لإحداث ثورةٍ ثقافيةٍ وإعلاميةٍ كبيرةٍ وفاعلةٍ قادرةٍ على مخاطبة الجمهور الفرنسي بلغته، ووفقا لمعاييره ومفاهيمه في الحياة المعاصرة أيضا!

ولأن العقبة الكأداء التي ما انفكّ يشكو منها كل من مر على المعهد من رؤساء فرنسيين ومديرين عرب هي فقر الميزانية، بالنظر إلى عدم وفاء الدول العربية المؤسسة للمعهد، إضافة إلى فرنسا، بالتزاماتها المالية، فكل الأمل أن تقدم الإدارة الجديدة على حل هذه المشكلة جذرياً، عبر إقناع البلدان الخليجية المعنية، مثلاً، بتحمل تكاليف المعهد كافة، مقابل امتيازاتٍ كثيرة يمكن أن تخدم سياسات هذه البلدان على الصعيد الثقافي في فرنسا وأوروبا كلها.. ولم لا؟ فاستثمار كهذا مضمون النجاح، وخلال سنوات قليلة فقط.. نأمل وننتظر.

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.