مهرجان موسيقات: من التار إلى الحلاج

29 سبتمبر 2014
منير طرودي (تصوير: فيكتور دلفيم)
+ الخط -

إن كان "مهرجان موسيقات" الذي تحتضنه العاصمة التونسية افتُتح بآلة التار الفارسية التي عزف عليها الإيراني مجيد درخشاني يوم الخميس الماضي، فإنه سيختتم أمسياته بالدف أو الهارمونيكا التي سيحملها التونسي منير طرودي على المسرح، الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل. ورغم اختلاف جذور وخلفيات المشروعين الفنيين، إلا أن الفنانيْن يجتمعان في مسار التجديد في الموسيقى التقليدية، شعار المهرجان، الذي يشارك في دورته التاسعة فنانون من فلسطين والمغرب وإسبانيا ومالي والهند.

ولد درخشاني (1957) موسيقياً في فرقة "شيدا"، التي أسسها محمد رزا لطفي، وضمت آنذاك معظم من سيصبحون عمالقة الموسيقى الإيرانية في يومنا هذا. هذه الفرقة كانت تمثل موقفاً فنياً ثائراً، إذ أنها جمعت الموسيقيين المسيّسين من اليسار الإيراني الذي غادر معظمه البلاد بعد الثورة بسنوات قليلة. وهذا ما فعله درخشاني أيضاً، إذ ترك إيران عام 1984، بعد خمسة أعوام من عام انطلاق الثورة الإسلامية، متجهاً إلى ألمانيا، حيث أسس في مدينة كولونيا مركز الموسيقى الكلاسيكية الفارسية "نوا". عاد درخشاني إلى إيران في الفترة التي وصفت بأنها إصلاحية في عهد محمد خاتمي، وهناك التحق بفرقته موسيقون يبحثون عن ملاذ لدى "الأستاد"، كما يُلقّب.

وإن كان درخشاني يعتبر اليوم "معلّم" آلة التار، فإن علاقته مع الموسيقى بدأت بالهارمونيكا، التي كان يظل يعزف عليها حتى تُدمى شفتيه، قبل أن ينتقل لتعلم السنتور، ثم الكمان. كل هذا الشغف كان من دون أستاذ موسيقى أو موجه. اعتمد درخشاني على أذنه التي تلتقط الموسيقى ثم تفتش عنها في الآلات لتعيد سماعها وإنتاجها. وظل على هذه الحال إلى أن انضم جدياً إلى معهد موسيقي لتعلم الفن الذي سيأسر به الملايين في سنواته المقبلة. ومثلما فعل أستاذه محمد رزا لطفي، قدم درخشاني في فرقته أصواتاً وموسيقيين جدداً، مثل مهدية محمد خان.

التونسي منير طرودي (1960)، في المقابل، واحد من الأصوات الجديدة على المسرح الموسيقي العربي. ومن عنوان عرضه، "إشارة"، الذي سيختتم به هذه الدورة من "موسيقات"، يمكن أن نستشف أن ذائقة طرودي فتحت أخيراً الباب على الغناء الصوفي، بعد أن كان اجتهد في تقديم أغان ثورية في عهد المخلوع زين العابدين بن علي، إضافة إلى إعادة تدويره كثيراً من الأغاني الفولكلورية التونسية في قوالب جديدة.

لطرودي مزاج شديد الخصوصية في ما ينتقيه من التراث ليعيد تقديمه على المسرح بطريقته الخارجة على أطر المألوف أو حتى المتوقع. يستمتع طرودي بأن يشرّق ويغرّب وهو يغني فولكلوراً تونسياً بطريقة مغنّي الفلامنكو الإسباني، أو ينشد قصائد الحلاج مع الفرنسي إيريك تروفاز، الذي يعتبر أن تجربته الموسيقية أصبحت أكثر ثراء بالاشتغال معه، إذ أعاد مع هذا الموسيقي الفرنسي توزيع أغانٍ يعرفها متابعو طرودي جيداً، مثل "ناقوس"، و"راكب عالحمرة" و"وحش السرا".

المساهمون