تركز هذه الدورة على قضايا تتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، لتقدم للمجتمع البلجيكي كوكبة متنوعة من الأفلام التي تبني مساراتها المختلفة في دواخل المجتمعات العربية، ولتكشف عن التشققات والتصدعات التي تصيبها نتيجة العديد من الإشكاليات، التي تضعها كاميرات المخرجين أمام الجمهور عبر خلطات متعددة.
وتشهد هذه الدورة أفلاماً سينمائية طويلة متنوعة من لبنان وتونس وفلسطين والمغرب، وتحتفي سينما تورنهاوت بأفلام "كفرناحوم" للّبنانية نادين لبكي، و"رسائل سارة وسليم" للفلسطيني مؤيد العليان، و"ولدي" للتونسي محمد بن عطية، و"واجب" للفلسطينية آن ماري جاسر، و"رزية" للمغربي نبيل عيوش، وغيرها.
"العربي الجديد" التقت علي نزير علي، مدير مؤسسة "أومنس" والمدير التنفيذي لمهرجان الواحة السينمائي في بلجيكا، الذي وصفَ انطلاق مهرجان "أومنس" منذ ثلاث سنوات بأنه يقدم صورة واضحة للجمهور عن الواقع المتعدد في أماكن لا يراها الأوروبي إلا عبر شاشات الأخبار، باعتبارها مناطق نزاع أو صراع.
ووفقاً له، فإن هذا المهرجان يسهم في تقديم صور وقصص ورؤى ومقولات مختلفة، على الأقل ضمن جمهور مدينة تورنهاوت، تلامس شرائحَ واسعة في مجتمعاتنا العربية من لبنان حتى المغرب العربي. فالسينما اليوم، كما يراها علي، جسر اتصال بين الشعوب، باعتبارها حاملاً معرفياً ينقلُ ما حدثَ ويحدث من زوايا مختلفة.
لهذا السبب تم وضع فيلم اللبنانية نادين لبكي، الحائز جائزة لجنة التحكيم في مهرجان "كان" السينمائي فيلم افتتاح للمهرجان، لأنه يقدِّم منظوراً بانورامياً متنوعاً للعاصمة بيروت، بكل ما تحمله من تنوّع وأحلام.
فالبطل، يضيف، الذي أدى دور زين يحمل في تقاسيم وجهه كل الملامح التي يحملها أي طفل آخر في هذا العالم، لكنه في ذات الوقت يعيش على الهامش، بعيداً عن متن الحياة التي تنقله من مكان إلى آخر، رغم أنه صُلب الحكاية وجوهرها.
هذا الطفل الذي يرتكب جريمة، وهو أيضاً ضحية، يحاكمه المجتمع نتيجة أخطاء العَقد الاجتماعي البالي الذي يقوم على فكرة الاضطهاد. الفكرة التي تقدّمها نادين لبكي من زوايا مختلفة لا تقتصر على المجتمع اللبناني فقط.
ويوضح مدير مؤسسة "أومنس" أن أفلام هذه الدورة جاءت من أربعة بلدان، لتتوافق مع تنوع الرؤى والاتجاهات الفكرية، التي تعطي نظرةً من الداخل والخارج معاً لمختلف الحكايات الواقعة في الوطن العربي.
في ذات السياق التقت "العربي الجديد" مارك بونن مدير مهرجان مووف السينمائي، الذي تحول في سنواته القليلة الماضية من مهرجان محلي يطوف المدن البلجيكية إلى مهرجان عالمي ينتقل في مختلف الدول الأوروبية ويبني جسور الاتصال مع العالم العربي، ولا سيما السينما الفلسطينية، التي يكشف بونن عن أيامٍ خاصة بها سيحتضنها مهرجان مووف بدورته المقبلة في إبريل/ نيسان 2019.
ويقول بونن عن الأفلام التي يقدّمها مهرجان الواحة، إنها تلبي الرغبة الأوروبية من جهة، لمعرفة بعض من جوانب الحياة الإنسانية في الشرق، ومن جهة أخرى تضع الجالية العربية سواء الموجودة في تورنهاوت أو إقليم الفلاندر، في تماسّ مباشر مع آخر الأفلام العربية التي أنتجت وقدمت عالمياً.
ويدعو المخرجين العرب الشباب إلى التقديم في مهرجان الواحة ومهرجان مووف، بهدف خلق الأرضية الملائمة لحوار بنّاء.
أفلام المهرجان
تقدّم المخرجة اللبنانية نادين لبكي فيلمها "كفرناحوم"، الذي يدور في مسارات متنوعة تبني فضاءات مختلفة، مركزُها الطفل السوري زين الرفيع الذي أدى دور ابن عائلة لبنانية تعيش في أقسى ظروف العيش، تطوف به الحياة ناقلةً إياه من مكانٍ إلى آخر حتى يستقر به الحال في السجن. وهناك أمام قاضي المحكمة يواجه عائلته بسؤال: "ليش خلَّفتوني؟"، هذا الطفل لفت أنظار كل من شاهد الفيلم.
وعلمت "العربي الجديد"، أن زين الرفيع انتقل بعد عرض الفيلم في مهرجان "كان" برفقة عائلته إلى النرويج، إذ انتظم مرةً أخرى في مقاعد الدراسة، بعدما غيّرت كاميرا كفرناحوم مسار حياتِه.
أما فيلم المغربي نبيل عيوش الذي حمل اسم "رزية"، فتدور أحداثه في جبال الأطلس مطلع ثمانينيات القرن الماضي، إذ يؤدي أمين الناجي دور الأستاذ عبد الله، معلّم المدرسة المُنشغِل بتلقين الأطفال أصول الأمازيغية. هذا الأمر يثير ريبة الوزارة في الرباط، فترسل مفتّشاً يقف حائلاً أمام إتمام الأستاذ لمشروعه، بل يحوّل توصيف اللغة الأمازيغية إلى اللهجة بدلاً في إشارةٍ إلى عدم الاعتراف بها ذلك الوقت.
فيلم "واجب" للمخرجة الفلسطينية آن ماري الجاسر، تدور أحداثه مع عودة شادي من إيطاليا لحضور زفاف أخته، ليشتبك خلال التحضير للفرح مع والده بمجموعة من الحوارات التي تضعنا أمام جيلين كاملين، بكل ما فيهما من اختلاف حول القضايا ذاتها.
وفي العرض الختامي مساء غد، نتابع فيلم "ولدي" للمخرج المغربي محمد بن عطية الذي يحكي قصة رياض، وهو رجل على وشك التقاعد من عمله سائقاً في ميناء تونس البحري، ليدخلنا المخرج من خلال تفاصيل يومية إلى حياة البطل مع زوجته نازلي وابنهما الوحيد سامي، الذي يستعد لامتحاناته الدراسية. تفاصيل تشبهُ إلى حد كبير ما تواجهه العائلات العربية في حياتها اليومية.