في الأيام الأولى من آب/ أغسطس الجاري، أعلن منظّمو "مهرجان قربة الوطني لمسرح الهواة" عن تأجيل الدورة التي كان من المفترض إقامتها في نهاية الشهر نفسه. قد يعتقد البعض أن المسألة مرتبطةٌ بنوع مسرح الهواة، والذي قد لا يحظى بجماهيرية مثل بقية أنماط الفن الرابع، وبالتالي سيكون من الطبيعي أن يواجه صعوبات تنظيميّة.
غير أن هذا المهرجان تحديداً، يُعدّ إحدى أبرز التظاهرات المسرحية في تونس، والدورة المؤجّلة ستكون الرابعة والأربعين في سجلّه، إضافة إلى أنه يحظى عادةً بدعم منتظم من وزارة الثقافة، ضمن توجُّهٍ، معروف منذ الستّينيات، إلى تحويل المسرح في تونس إلى فضاء اجتماعي وعدم إبقائه منحصراً في الدوائر الضيّقة للثقافة والفن. لذلك، مثّل المهرجان لسنوات حدثاً مهمّاً على الساحة الثقافية، خصوصاً أن مسرح الهواة التونسي لم ينفكّ يكشف عن مشاريع جيّدة تشارك أحياناً في تظاهرات كبرى مثل "أيام قرطاج المسرحية"، وتحظى بتقدير الجمهور والنقّاد.
ليس هذا التأجيل حادثة معزولة؛ ففي ربيع هذا العام جرى إلغاء الدورة الجديدة من "مهرجان العرض الأوّل" الذي يُنظّمه مسرح "التياترو". وكانت هذه التظاهرة قد ساهمت في تنشيط المشهد المسرحي بشكل لافت، خصوصاً وأنها باتت تُعتبر بالنسبة إلى الجمهور خريطة أوّلية لكامل السنة المسرحية في تونس. وعلى الجهة المقابلة، كانت تساعد الفنّانين في اختبار التقبّل الجماهيري، ممّا يجعل العروض التالية أكثر جودة وإتقاناً.
ينضاف إلى هذين المثالَين عدد من المهرجانات التي ألغت مجموعةَ عروض؛ مثل "مهرجان دُقّة" هذا العام، أو التي بدأت هويّتها وطموحاتها الأصلية تتلاشى بشكل تدريجي مع مرور السنوات، ضمن موجة تغليب المنطق الربحي الذي لا يُقدّم في الغالب سوى الموسيقى التجارية والمسرح الكوميدي.
وفي الحقيقة، عادةً ما يكون تقليص العروض أو تغيير توجُّهات هذا المهرجان أو ذاك مقدمةً تُنذر بعدم الانتظام في سنوات لاحقة، كما يحدث أن عدم الانتظام يكون مقدّمة للاختفاء التدريجي.
وتلتقي جميع هذه الصعوبات التنظيمية في نقطة أساسية كثيراً ما يلفت إليها المنظّمون وهي تأخُّر أو تقلّص تقديم الدعم من قبل وزارة الثقافة التونسية؛ حيث لا يخفى أن جميع أشكال الدعم الأخرى التي تأتي من الجمعيات الأهلية أو بعض المنظّمات أو المساعدات المتفرّقة لا تصل إلى الحدّ الأدنى المرجوّ من أجل تنظيم مهرجان منتظَم.
ربما يكون هناك وجه إيجابي في المسألة، يتمثّل في أن ظهور عدد من المهرجانات المسرحية الجديدة هذا العام؛ مثل: "أيّام مسرح المدينة" في آذار/ مارس، أو "مهرجان البحر الأبيض المتوسّط للمسرح" الذي تنطلق فعالياته بعد غد. لكن، هل ننسى أن للمهرجانات ذاكرتها التي تصبح جزءاً من تاريخ الحركة المسرحية، وأن اختفاء أيّ مهرجان يشبه قطيعة في الذاكرة أو قطع طريق أمام نهر متدفّق؟