مهارات التعليم في القرن الواحد والعشرين

03 فبراير 2016
التكنولوجيا هي أحد المهارات المعرفية اللازمة للقرن الـ21 (Getty)
+ الخط -
في حديثه عن التعليم، يقول "برتراند راسل" الفيلسوف وعالم الرياضيات: "نحن تواجهنا حقيقة متناقضة، وهي أن التعليم أصبح أكبر العراقيل في وجه الذكاء والحرية الفكرية".

بالطبع ما زالت تلك الكلمات تشكل اختصارًا وافيًا لجميع مشاكل التعليم التي يواجهها البشر، والتي لم تتوقف عند القرن الماضي فقط، بل استمرت بشكلٍ أوسع في القرن الواحد والعشرين على عكس ما كان متوقعًا من حدوث طفرات وتغيرات جذرية وثورية في التعليم بما يتناسب مع كافة الإنجازات التي قام بها البشر، إلا أن المشاكل أصبحت أكثر، والعقبات ما زالت تزداد حتى أصبح لدينا أجيال متعددة من المتعلمين الذين يواجهون فجوة التعليم والواقع من ناحية، وعدم وجود أي عوائد أو فوائد للتعليم في سوق العمل من ناحية أخرى. 

اقرأ أيضا:كيف تجهز ابنك لعصر الابتكار؟

مشاكل التعليم
مشاكل التعليم ليست قاصرة على منطقة محددة أو دولة دون أخرى، بل هي مجموعة من الظواهر والعادات التي اكتسبها نظام التعليم جيلًا بعد جيل دون دمج التقدم المعرفي والتطور التكنولوجي في وسائل التعليم المختلفة، مما أدى في نهاية المطاف إلى أنظمة تعليم عالمية يعاني منها جميع المتعلمين دون أي استثناء سوى بعض الدول والأنظمة التي بدأت في اتخاذ خطوات واضحة نحو التقدم التعليمي الذي أصبح ضرورة لا بد منها في هذا العصر، وتتمثل أبرز مشاكل التعليم في التالي:

- المنهج
أحد المشاكل الرئيسية التي تواجه أنظمة التعليم هي المنهج في حد ذاته، والذي يتم وضعه دون مراعاة العديد من العوامل الهامة مثل اهتمامات الطلاب، التقدم والتطور العلمي، مدى الاستفادة والتطبيق في الحياة اليومية والعملية، وأيضًا تقديم منهج ثابت ووحيد لجميع الطلاب دون مراعاة الاختلافات والسرعات التي يتعلم بها الطلاب، هذا بالإضافة إلى اقتصار المناهج على المعرفة النظرية فقط دون وجود تطبيق أو ممارسة لتلك المعارف المختلفة.

- طرق التدريس
في المدارس والتعليم النظامي، تقتصر طريقة التعليم على استخدام أسلوب واحد فقط أو اثنين على الأكثر للتعلم، وهي المحاضرات والدروس المسموعة، والقراءة دون أي اعتبار للطرق المختلفة التي يفضلها كل طالب على حدة والتي تساهم أكثر في سرعة وكفاءة عملية التعلم لدى الطلاب.

- استخدام التكنولوجيا
على الرغم من أن العالم أصبح الآن قرية صغيرة بفضل التكنولوجيا، إلا أن التعليم مازال يعاني بشكلٍ واضح من قصور استخدام التكنولوجيا، حيث ما زالت عملية التدريس تتم بالطريقة التي كانت عليها، منذ آلاف السنين، دون استحداث بعض الوسائل التكنولوجية. هذا فيما يتعلق بالمدارس والأنظمة التي لا تقوم باستخدام التكنولوجيا مثل الدول النامية. من ناحية أخرى، في المناطق التي يتم استحداث واستخدام التكنولوجيا بها وكذلك تعليمها، يتم استخدام التكنولوجيا كأنها هي الغاية وليست وسيلة يمكن أن يقوم الطلاب باستغلالها من أجل الوصول الى أهدافهم بشكلٍ أسرع.

اقرأ أيضا:ادرس كما تشاء ولن تجد عملا!

- مهارات سوق العمل
حينما يقوم الطلاب بإنهاء المرحلة التعليمية، والتوجه إلى سوق العمل، تنشأ العديد من حالات الصدمة نظرًا لوجود فجوة عظيمة بين ما يتم تعليمه في المدارس والجامعات وبين ما يحتاجه سوق العمل بالفعل. الأمر ليس قاصرًا عند هذا الحد، بل هناك العديد من المهارات الخاصة بسوق العمل لا يتم تدريسها داخل المدارس والجامعات نظرًا لكونها – من وجهة نظر مصممي المناهج – لا تنتمي إلى المناهج التي يجب أن يتعلمها الطلاب من أجل التخصص.

هذا بالإضافة إلى العديد من المشاكل الأخرى التي تواجه نظام التعليم مثل الاعتماد على التلقين دون الفهم، والترهيب دون الترغيب، والدرجات دون المعرفة، والمنافسة دون التعاون، وأيضًا إجبار الطلاب على التعلم وفق درجاتهم وليس وفق ميولهم.



مهارات التعليم
 
تُعرف مهارات القرن الواحد والعشرين على أنها مجموعة من المهارات والقدرات التي يحتاجها الطلاب من أجل النجاح في عصر المعلومات، والتي يرى المتخصصون أنه من اللازم أن يتقنها جميع الطلاب مهما اختلفت تخصصاتهم الأكاديمية أو العلمية. وتنقسم هذه المهارات إلى ثلاث فئات وهي: 

1 – مهارات التعلم: وتتضمن كافة المهارات التي تساعد الطلاب على التعلم والتفكير، حيث تشتمل على مجموعة من المهارات الأساسية هي:

* التفكير النقدي: والذي يساعد الطلاب في معالجة القضايا والمشاكل التي تواجههم، بالإضافة إلى مساعدة الطلاب في اكتساب منهج متماسك لدراسة المواد المختلفة التي تحتاج إلى النقد الموضوعي، مثل الأدب والفن والتاريخ والعلوم، وأيضًا يساعد في تحسين مهارات النقاش وإثراء الحوار من خلال عرض كافة الآراء المختلفة.

* التفكير الإبداعي: الذي يمّكن الطلاب من معرفة أساليب التفكير ذاتها، والتفكير خارج الصندوق مما يؤدي إلى زيادة مهارات الإبداع والتفوق.

اقرأ أيضا:الأسباب التي جعلت النظام التعليمي في اليابان متميزاً

* مهارات التعاون: والذي يشتمل على تعليم الطلاب كافة مهارات التعاون والمشاركة مع زملائهم من خلال تكوين المجموعات والفرق المختلفة للتعلم، وتؤدي تلك المهارات إلى تنشئة جيل من الطلاب لديه مهارات المساعدة والتعاون بدلًا من المنافسة مما يجعل العمل ضمن فرق سهلًا وأكثر تأثيرًا بالنسبة للطلاب.

* مهارات التواصل: تتضمن مهارات التواصل كل ما يقوم الأفراد باستخدامه بهدف التواصل مع الآخرين سواءً مهارات التواصل من خلال الكتابة، أو من خلال التحدث، أو حتى الاستماع، وهي تعد المهارة التي يفتقدها معظم البشر.

* مهارات البحث: والتي تساعد الطلاب في رحلة السعي وراء المعرفة والتعلم، حيث يتمكن الطلاب من الحصول على المصادر المعرفية بأنفسهم دون الحاجة إلى مساعدة فيما بعد.

2 – مهارات المعرفة: وتتضمن بشكل أساسي محو أمية الطلاب في شتى المعارف اللازمة للنجاح في الحياة أو العمل، وتشتمل تلك المهارات على:

* الوعي المعلوماتي: ويقصد به محو الأمية المعلوماتية والتي تعني تدريب وتعليم الطالب كيفية اكتشاف المعلومات، حينما يكون بحاجةٍ إليها، وأن تكون لديه القابلية لتحديد مكانها وتقييمها واستعمالها بفعالية حينما يحتاج إليها.

* الثقافة الإعلامية: والتي تعني قدرة الطلاب على الوصول إلى الوسائل والوسائط الإعلامية، وتحليلها وتقييمها، بالإضافة إلى القدرة على إنشاء الوسائط الإعلامية المختلفة. ليس هذا فقط، بل من خلال مهارات الثقافة الإعلامية، يمكن للطلاب فهم كافة الرسائل التي يتم بثها من خلال وسائل الإعلام المختلفة مثل الكتب، التلفاز، الراديو، المجلات، الأغاني وغيرها من الوسائل المختلفة.

اقرأ أيضا:المجرة الحلزونية.. نظرة إلى تدريس العلوم في مصر

* المعرفة التكنولوجية: الهدف الرئيسي من تلك المهارات هو محو الأمية التكنولوجية عن طريق تعليم الطلاب كيفية استخدام الأدوات التكنولوجية بشكلٍ مناسب ومؤثر في الوصول إلى المعرفة، وتقييمها، وأيضًا مشاركتها.

3 – مهارات الحياة: وهي المهارات التي تساعد الطلاب في جميع أمور حياتهم، على الأخص حينما يتعلق الأمر بسوق العمل، حيث أصبحت تلك المهارات ضرورة قصوى يتم وضعها ضمن شروط ومواصفات المتقدم للحصول على وظيفة. تشمل تلك المهارات تعليم المرونة، وروح المبادرة، والمهارات الاجتماعية، والإنتاجية، وكذلك مهارات القيادة، بالإضافة إلى مهارات التنظيم، والتخطيط، والإدارة.

واقع التطبيق
منذ أيام قام "مارك زوكربيرج" مؤسس موقع "فيسبوك" بالإشارة على حسابه الشخصي إلى مبادرة الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" في توفير فرص أكثر للطلاب لتعلم البرمجة وعلوم الحاسب في المدارس من خلال مبادرة "علوم الحاسب للجميع" التي قام البيت الأبيض بالإعلان عنها، والتي تتضمن ميزانية 4 مليار دولار تهدف إلى تطوير مهارات المعلمين وتطوير مناهج البرمجة والحاسب وكذلك إتاحة الفرص للطلاب من مرحلة الروضة حتى الثانوية لتعلم البرمجة بفعالية، حتى يشارك الجميع في التعايش مع العصر الرقمي والمساهمة في دعم الاقتصاد في ظل التطور التكنولوجي.

وفي سياق الإشارة التي قام بها زوكربيرج، قام الرئيس الأمريكي بالرد بنفسه قائلًا: "يجب علينا الحرص على جعل جميع أطفالنا على الأخص الفتيات يحصلون على المهارات اللازمة للوظائف في المستقبل مما يعني عدم القدرة على التعامل مع الحاسب فقط، ولكن القدرة على البرمجة ومعرفة مهارات التحليل مما سيساعد على النماء والإزدهار".

على صعيد آخر أعلن "سلمان خان" المدرس الأشهر ومؤسس موقع "خان أكاديمي" التعليمي، إطلاق مدرسة "خان لاب" والتي ستقوم بتعليم الطلاب كافة المهارات التي سبق الإشارة إليها عن طريق السماح للطلاب بالتطبيق والممارسة وصناعة الأشياء بأنفسهم من خلال ما تعلموه، وكذلك دمج المقررات التعليمية حتى يصبح للطلاب القدرة على التعلم داخل المدرسة وأيضًا خارجها من خلال المناهج المتاحة على موقع خان أكاديمي مما يساعد في خلق تعليم أكثر تخصصًا للطلاب.

اقرأ أيضا:الفائز بنجوم العلوم: إياكم والاستهانة بأفكار أبنائكم

وعلى الصعيد المحلي، يرى رئيس تحرير الطبعة العربية من دورية نيتشر، الدكتور مجدي سعيد، أن الاحتياج الأساسي لتطوير التعليم في عالمنا يحتاج إلى تغيير طرق التعليم ذاتها حتى تصبح مثيرة للشغف والعقل، ومعلّمة للصبر، بالإضافة إلى المساعدة في تبني روح الدأب والمثابرة، وهي المهارات الأساسية التي تبنى عليها كثيرٌ من الأمور.

اقرأ أيضا:علم طفلك وفق نوع الذكاء الذي يناسبه.. هكذا أسهل

وأيضًا من وجهة نظره، لا تقتصر مهارات الحياة على المهارات الشخصية فقط، بل يجب أن تتضمن مهارات التعامل مع البيئة مثل المهارات التي يكتسبها الكشّافة والجوالة، ومهارات صناعة الأشياء بأنفسهم "DIY"، وكذلك مهارات التعامل مع البيانات الضخمة، والمصادر المعرفية.


وأوضح أنه في حالة تطبيق كافة المهارات وتغيير التعليم بحيث يصبح ملائمًا أكثر للعصر الحالي، فإنه سيصبح لدينا طلابٌ أكثر استجابة للتغيرات والمشاكل، وأكثر قدرة على إعادة اكتشاف الموارد المحلية وفهم خصائصها، وأيضًا أكثر قدرة على التعامل معها من أجل عيش أكثر تواؤمًا مع البيئة، وفي نفس الوقت أكثر قدرة على بناء نماذج تنمية محلية، بجانب وجود أجيال قادرة على استثمار تطورات التكنولوجيا واستخدامها في تحقيق أهدافهم على المستوى الشخصي أو المستوى التنموي.

اقرأ أيضا:عبد المؤمن... كيف جعلته أمه عالماً صغيراً؟
المساهمون