مهاجرون عائدون... برامج تونسية لاستيعاب الشباب

11 مايو 2018
إنقاذ مهاجرين (تاسنيم نصري/ الأناضول)
+ الخط -
عادت هجرة الشباب التونسي غير الشرعية عبر البحر الأبيض المتوسط لتشغل الرأي العام والمجتمع المدني، وتحتل مساحة واسعة في وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة، في ظل ارتفاع نسبتهم، وزيادة إحباط عمليات الهجرة أسبوعياً في مناطق عدة عند السواحل التونسية. وما زال حلم الهجرة يراود آلاف الشباب التونسيين، على الرغم من المآسي الناتجة عن الهجرة، ومواجهة آلاف آخرين مصيراً مجهولاً في دول أوروبية. إلا أن البطالة في بلادهم تدفعهم إلى المخاطرة.

مئات التونسيّين الذين وصلوا إلى أوروبا بعد رحلة الموت عبر البحر قرروا العودة إلى أرض الوطن، في ظلّ صعوبة إيجاد عمل والعيش بصورة قانونية. بعضهم عاد طوعاً بعدما فقد الأمل، ولم يستطع تحقيق حلمه، فيما عاد آخرون كرهاً. وتحمّس بعضهم بعدما عرفوا ببرامج بين السلطات التونسية وبعض الدول الأوروبية، أهمّها برنامج إدماج الشباب العائد وتمكينه وتمويله تمهيداً لإطلاقه مشاريع صغيرة.

محيي الدين (34 عاماً) يتحدّر من منطقة مدنين. قبل نحو أربع سنوات، هاجر في قارب إلى أوروبا بمساعدة مهرّبين برفقة 135 شخصاً. ومن إيطاليا إلى فرنسا، كانت رحلة بحثه عن عمل محفوفة بالمخاطر كمهاجر غير شرعي. كان يتنقل بصعوبة لأنّه لا يملك أي وثائق. لم يجد إلا أعمالاً بسيطة في شركات تنظيفات أو في الزراعة. إذ يفرض عليه وضعه غير القانوني اختيار بعض الأعمال التي تبعده عن عيون السلطات هناك، خوفاً من السجن أو إرجاعه إلى تونس. يضيف أنه بقي على هذا الحال ثلاث سنوات. صعوبة العمل بحرية جعلته يفكر في العودة. وفي عام 2016، عاد إلى تونس من دون أن يجمع المال كما كان يحلم.



يشير محيي الدين إلى أنّ العودة كانت عنوان فشل بالنسبة إليه. نادراً ما يغامر شاب ويهاجر، ثمّ يعود أدراجه بعد الوصول إلى أرض الأحلام. "لكنني قررت العودة من دون تفكير في العواقب". اليوم، يعمل محيي الدين في محلّ لبيع الملابس بعد حصوله على قرض صغير من مصرف التضامن. ولا تقتصر تجارته على البضائع التونسية، بل يسافر إلى دول عربية كالجزائر والمغرب وتركيا لجلب السلع من هناك. يشير إلى أنّه سعيد بعمله الذي يوفر له ألفي دولار شهرياً، وهو أجر لم يستطع تأمينه خلال وجوده في أوروبا.

على صعيد آخر، يشير إلى أنّه لا يفكر في الهجرة مرة أخرى حتى بصفة قانونية "الغاية هي العمل، وهو ما حصلت عليه بعد عناء في بلدي. في أوروبا، بات الوضع أصعب خصوصاً بعد تشديد الرقابة وتتبع المهاجرين غير النظاميّين".

من جهته، يتحدّر كريم (36 عاماً) من محافظة المنستير، هاجر أكثر من ثلاث مرّات بطريقة غير نظامية إلى أوروبا. وفي كلّ مرة، كان يُرحّل إلى تونس. بحث عن فرصة عمل في عدد من الدول الأوروبية، لكن كان الأمر صعباً بالنسبة إليه، خصوصاً أنّه لم يكن يملك شهادة. غالبية فرص العمل كانت موجهة لأصحاب الشهادات العليا.

"فشله" في الهجرة أو الحصول على عمل جعله يطرق أبواب برامج تمويل المشاريع أو المبادرات الخاصة، مثل برنامج الوكالة الفرنسية للهجرة والاندماج الذي يشمل فقط العائدين عن طريق الوكالة نفسها. لكنّه لم يتمكن من الحصول على تمويل من البرنامج لأنّه لا يشمل المهاجرين المرحّلين.

منذ عام 2015، تمكن كريم من فتح ورشة صغيرة لصناعة بعض أشكال الزينة من الأخشاب أو الحجارة، بعدما حصل على تدريب حول كيفيّة استعمال بعض الآلات في النقش على الخشب والحجارة. وبات يشارك في عدد من المعارض الوطنية ويسوّق منتجاته في معظم جهات البلاد. ويعمل في ورشته الصغيرة ثلاثة شبان، ويوفر له عمله دخلاً جيّداً، ما أغناه عن فكرة الهجرة مرة أخرى.

ضاع الحلم (تاسنيم نصري/ الأناضول) 


غالبيّة المهاجرين الآخرين العالقين في بعض الدول الأوروبية، ليس لديهم معلومات عن برامج إدماج العائدين إلى بلدانهم طواعية. من بينها برنامج المساعدة على العودة في إطار اتفاقية وقعت بين تونس وفرنسا منذ عام 2008. إتفاقيّة تعهّدت من خلالها فرنسا بمتابعة الراغبين في العودة طوعاً إلى تونس، ومدهم بمنح لإطلاق مشاريع عن طريق مكاتب التشغيل الموجودة في كل جهات الجمهورية، تصل قيمتها إلى 8 آلاف دولار. وفعّل البرنامج خلال السنوات الأخيرة بعد ارتفاع نسبة الهجرة غير الشرعية. كما يتولى البرنامج حجز تذاكر سفر العودة للمهاجرين الذين يقررون العودة بإرادتهم عن طريق هذه الوكالات. ويناقش البرنامج مع الشباب في المهن القادرين على المباشرة بها في جهاتهم، بالتعاون مع مكاتب التشغيل وبعض المنظمات الأخرى.

في منطقة جرجيس، ثاني أكبر منطقة في تونس تحبط في سواحلها عمليات هجرة غير قانونية، يتولّى رئيس جمعية التنمية المستدامة والتعاون الدولي في جرجيس، والمنسق العام لمشروع الهجرة والتنمية، فيصل دشيشة، تنفيذ بعض المشاريع، خصوصاً أنّ جمعيته تعدّ من بين أوليات الجمعيات التي دخلت في شراكة مع الوكالة الفرنسية للهجرة والاندماج منذ عام 2011.
وتولّت منذ توقيع الاتفاقية دراسة عشرات الملفات بالشراكة مع الوكالة وممثلين عن الوزارات المعنية.



ويشير دشيشة لـ "العربي الجديد" إلى أنّ جمعيته تولت متابعة نحو 370 مشروعاً في قابس ومدنين وقبلي وتطاوين وبعض محافظات الجنوب التونسي. وحقّقت غالبية المشاريع نجاحاً، خصوصاً الورش والحرف، إضافة إلى بعض تلك الزراعية الصغيرة. وفي بداية عام 2014، وقّع اتفاق مع الديوان الفرنسي للهجرة والإدماج على المساهمة في تمويل 27 مشروعاً في منطقة بن قردان في محافظة مدنين، لصالح الشباب العائدين طواعية من فرنسا. ولا يستفيد من هذا المشروع إلا العائدون تلقائياً، وليس الذين يرحلون. كما لا يستفيد منه إلّا من اتصل بالديوان الفرنسي في أجل لا يتجاوز 6 أشهر من تاريخ عودته إلى تونس. واستفادت محافظة مدنين بنسبة 70 في المائة من هذا البرنامج، ليبلغ عدد المنتفعين 400، وقد رُصدت لهم اعتمادات بقيمة مليون دولار.

ويؤكّد دشيشة ضرورة أن توفر الدولة دعماً مالياً إضافياً لكل عائد من الخارج، ليتسنى له إطلاق مشروع قادر على تشغيل عدد من الشباب، حتى لا يكونوا هم أيضاً ضحايا للهجرة غير النظامية، إضافة إلى ضمان استمرارية المشاريع ونجاحها.

وفي الرابع من مايو/ أيار الماضي، أُطلق مشروع جديد لإعادة إدماج التونسيين العائدين من أوروبا، في إطار التعاون بين عدد من بلدان الاتحاد الأوروبي، وهي فرنسا وبلجيكا وسويسرا والبرتغال وألمانيا وبين تونس، بهدف تمكين الشباب من إنجاز مشاريع خاصة بهم في عدد من القطاعات، منها الزراعة والخدمات والسياحة. وبلغت قيمة المشروع 950 ألف دولار، ليشمل 4 محافظات وهي جندوبة وتونس والمهدية وبنزرت. وسيحصل كلّ شاب على مبلغ يراوح بين 7 و10 آلاف دولار لإنجاز مشروعه.

المساهمون