من ينقذ جبهة الإنقاذ في تونس؟

08 يوليو 2017
+ الخط -
لم يكن ادّعاء "إنقاذ تونس" شعارا جديدا في الساحة السياسية التونسية، وإنما هو من قبيل ما هو مكرّر، حيث تشكلت في 26 يوليو/ تموز 2013 جبهة الإنقاذ الوطني، وشملت حينها تشكيلات سياسية مختلفة من أقصى اليسار وصولا إلى بقايا النظام السابق، وكان الجامع بين هذه المجموعات المختلفة إطاحة الترويكا من الحكم. وعلى الرغم من أن هذا الهدف تحقّق جزئيا في انتخابات 2014، إلا أن الجبهة نفسها تصدّعت، ولم يبق منها سوى ذكراها. وفي شهر إبريل/ نيسان من سنة 2017 أعلنت تشكيلاتٌ سياسيةٌ مختلفة عن بناء ما سمته "جبهة الإنقاذ والتقدم"، وضمت حزب مشروع تونس المنشق عن "نداء تونس" و"الاتحاد الوطني الحر"، بالإضافة إلى ثمانية تشكيلات حزبية مجهرية، وشخصياتٍ منشقةٍ عن "نداء تونس"، تخوض صراعا مع جناح حافظ قائد السبسي نجل رئيس الجمهورية الذي انفرد بالكتلة الرئيسية للحزب.
وكان ظهور "جبهة الإنقاذ والتقدّم" مصحوبا بجملةٍ من الشعارات الكبرى، أبرزها محاربة الإرهاب والفساد من جهة والتصدّي لما أسماه ممثلو الجبهة لنفوذ الإسلام السياسي، ممثلا في حركة النهضة، بالإضافة إلى تجميع شتات المعارضة، وتحقيق التوازن السياسي، في مقابل حلف نداء تونس وحركة النهضة. شعارات كبيرة أعلن عنها مؤسسو الجبهة، على الرغم من تباين أهداف (وخلفيات) الأحزاب والشخصيات المكونة لها. وإذا كانت غاية حزب مشروع تونس، والشخصيات المنشقة من حزب نداء تونس، محاولة الالتفاف على قواعد الحزب الذي انشقوا عنه من أجل الوصول إلى السلطة، فقد كان واضحاً أن باقي الأطراف لم تكن تملك وزنا كافيا يحقق لها حضورا وازنا في الساحة السياسية، وهو ما دفع أصحاب هذه الكيانات الحزبية الصغيرة إلى البحث عن أي تحالفٍ فضفاض، يضمن لها حضورا ممكنا في الساحة، تحت أي شعار، ومهما كانت الأهداف والغايات.
وقد أعلنت جبهة الإنقاذ والتقدّم أنها تزمع المشاركة في الانتخابات البلدية (ديسمبر/ كانون
الأول 2017)، من خلال قوائم ائتلافية تحمل اسمها، وقوائم حزبية أو مستقلة مدعومة من الجبهة، وتكوين لجنة وطنية لإعداد هذه القوائم. ليتزامن هذا الإعلان مع مطالبة رئيس حزب مشروع تونس (أحد مكونات الجبهة)، محسن مرزوق، إلى إطلاق حوار وطني، برعايةٍ مستقلةٍ عن المؤسسات التنفيذية والتشريعية، يؤدي إلى حكومة كفاءاتٍ وطنيةٍ غير متحزبة. مؤكدا أن حكومة يوسف الشاهد انتهت "سياسيا وأخلاقيا وأدائيا". وعلى هذا الأساس، ظهرت الجبهة كأنها منافس فعلي للائتلاف الحاكم، وطرف قادر على قلب المعادلة الانتخابية، مع أن كل ملاحظ محايد يدرك أن مكونات الجبهة أضعف من أن تكون قوة سياسية وازنة، فضلا عن أن تتمكّن من الفوز في الانتخابات، وتصل إلى السلطة مهما كانت الشعارات التي ترفعها. وبالفعل، كشفت الأحداث اللاحقة عن مدى هشاشة هذا الائتلاف الحزبي، المنضوي تحت اسم "جبهة الإنقاذ والتقدم"، حيث أنه ما إن تم الإعلان عن تجميد أموال زعيم حزب الاتحاد الوطني الحر، سليم الرياحي، وإحالتها على الخزينة العامة، استنادا إلى قانون 
مكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال، حتى أعلن حزب مشروع تونس عن تجميد عضويته في الجبهة، مؤكدا أن ملف الرياحي قضائي بحت، ولا علاقة له بالتحالف السياسي ضمن جبهة الإنقاذ والتقدّم. وقال إن النقاط التي تجمع أحزاب جبهة الإنقاذ لا تنص، في جانبٍ منها، على الدفاع عن سياسيين منتمين إليها، في صورة ثبوت تورّطهم في جرائم. وكان رد فعل حزب الاتحاد الوطني الحر اتهام حليفه في جبهة الإنقاذ بالتآمر عليه، وأن لديه يدا في ما جرى لرئيسه الرياحي. وبهذا، تكون مكونات جبهة الإنقاذ والتقدّم قد انفرط عقدها، وانفضّ جمعها في بضعة أشهر لم تحقق فيها شيئا من أهدافها، ولم تتمكن من تسجيل أي حضور فعلي في الساحة السياسية، حيث انتهى العمل المشترك إلى صراع علني وتبادل للاتهامات.
وإذا كان العمل الجبهوي في الساحة السياسية التونسية بعد الثورة ليس أمرا مستحدثا، فقد عرفت البلاد تشكل جبهاتٍ عديدة، منها جبهة الإنقاذ الوطني والجبهة الشعبية والجبهة الثورية. وإذا استثنينا "الجبهة الشعبية" ذات المنحى اليساري، فقد كان مصير كل التحالفات الجبهوية هو الفشل والتلاشي، من دون تأثير يُذكر، وهو أمر يمكن تفسيره بغياب الخبرة السياسية لدى غالبية قيادات الأحزاب التونسية، وسيطرة النزعة الفردية عليها والزعاماتية المفرطة، وغياب المؤسسات، ما يجعل أي عمل حزبي مشترك نتاج حالةٍ مزاجيةٍ لرؤساء الأحزاب، تتغير بتغير المصالح والأحداث، وهو أمر طبيعي إلى حدّ ما، في ظل الانتقال الديمقراطي وحداثة التجربة التعدّدية التونسية.
B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.